جلال السيد يكتب: لماذا بكى القاضى؟

جلال السيد
جلال السيد

قد يكون ما سأقدمه اليوم هو حكم قضائى من المحكمة.. ولكنه حكم يحتوى على حكمة وموعظة لمن يتعظ.. وتتلخص القضية فى أب عجوز مسن وقف أمام القاضى وقال له أنا أتقدم بشكوى ضد ابنى.

واستغرب القاضى وزملاؤه من القضاة وسأل القاضى ما فحوى شكواك فقال الوالد المسن أريد أن أخذ مصروفا من ابنى شهريا - فرد القاضى للأب هذا من حقك.. فقال الأب رغم أنى غنى جدا ولكن أريد أن أخذ مصروفا شهريا من ابنى.. فاستغرب القاضى كثيرا من الوضع وطلب حضور ابن الرجل الشاكى.. وعند حضور الابن سأله القاضى هل هذا هو والدك فقال نعم، فقال القاضى هل تعلم أن أباك قد تقدم بشكوى يطالبك بمصروف شهرى زهيد جدا جدا جدا وقدره 10 دنانير.. فرد الابن: كيف يطلب أبى هذا المبلغ ولو أنه رأى هذا المبلغ على الأرض لا يمد يده إليه ليأخذه ورد الأب: سيادة القاضى لو حكمت لى بهذا المبلغ سأقبضه شهريا ولن أتركه أبدا وأصدر القاضى الحكم ثم سأل الأب لماذا فعلت ذلك وطلبت هذا المبلغ القليل رغم أنك رجل غنى وصاحب عقارات ولست بحاجة لهذا المبلغ القليل؟ فقال الاب وهو يبكى بكاء شديدا اننى أشتاق الى رؤية ابنى الذى لايزورنى ولايسأل عنى ولا يجلس معى ولا يمنحنى أى اهتمام وهذا هو السبب فى شكواى مكتفيا بحكم المحكمة لكى أراه كل شهر.. فبكى القاضى وقال للوالد والله والله لوقلت لى فى البداية هذه القصة لأمرت بسجن ابنك وجلده والتفت القاضى للولد وقال له والله لن تنعم ولن تفلح بدون رضاء والديك حتى لو ملكت كل أموال الدنيا وأحذرك أنك لن تشم رائحة الجنة واستكمل القاضى بكاءه..

الحكمة التى نستخلصها من هذا الحكم أن كثيرا من الأبناء تأخذهم الحياة ورعاية أبنائهم وينسون حق آبائهم فى شعورهم باهتمام ابنائهم وتعطشهم الى رؤيتهم وجلساتهم واستشارتهم فى كثير من الأمور، هناك فراغ روحى وشوق وحنين لأولادهم حتى ولو قربت المسافات ويكفى قول الله تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا» وأحسن نصيحة أقولها للأبناء: إن فقدان الأب مؤلم لايعرفه إلا من ذاق طعمه. الحق نفسك.