«المصرية لحقوق الإنسان»: آثار التغير المناخي السلبية تهدد الحق في الحياة

المنظمة المصرية لحقوق الإنسان
المنظمة المصرية لحقوق الإنسان

أكدت المنظمة المصرية لحقوق الانسان في تقريرها أن التغير المناخي له آثار سلبية بالغة على عدد من حقوق الإنسان المعترف بها دوليا؛ والذي يهدد تلك الحقوق بشكل مباشر وغير مباشر كالحق في الحياة والحق في الغذاء والحق في الحصول على المياه والصرف الصحي الجيد وكذلك الحق في المسكن.

وقالت المنظمة الحقوقية، في تقريرها الذي أصدرته اليوم الأربعاء حول تأثير التغير المناخي على حقوق الإنسان، أن التعامل مع التغير المناخي يتم منذ عقود على أنه مشكلة بيئية واقتصادية فقط، وفي الآونة الأخيرة تم الاعتراف به على نطاق واسع فتم التعامل معه على أساس أنه مشكلة اجتماعية وبشرية أيضا ولها تأثير على حقوق الإنسان.

التغير المناخي وأثره بالوجود البشري

ورأت أن التغير المناخي وأثره السلبي على حقوق الإنسان من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام المحلي والدولي، وذلك بسبب ارتباطها الوثيق بالوجود البشري وخاصة في الدول الفقيرة، وقد أكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على أن السبب الرئيسي في التغير المناخي هو انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن النشاط البشري وخاصة النشاط التي قامت به الدول المتقدمة وإدخال صناعات في الدول النامية والفقيرة مستغلة بذلك حاجاتهم، الأمر الذي أدى لزيادة معاناة الدول النامية من آثار التغير المناخي أكثر من الدول المتقدمة المتسببة به. 

ووضع التقرير تعريفا للتغير المناخي أكد فيه أنه "تغير في المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري الذي يفضي إلى تغير في تكوين الغلاف الجوي العالمي والذي يلاحظ، بالإضافة إلى التقلب الطبيعي للمناخ، على مدى فترات زمنية مماثلة". ومن هنا يتضح أن التغير المناخي قد ينتج بسبب عوامل طبيعية ولكن توصلت النتائج إلى أن السبب الرئيسي والنسبة الأكبر يرجع إلى النشاط البشري وتعامل الإنسان بشكل خاطئ مع بيئته. 

أول مجاعة.. آثار سلبية على البيئة

وتابع "قد نتج عن النشاط الخاطئ العديد من الآثار السلبية على البيئة والمناخ ومن أهم مظاهره الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض مما أدى لذوبان الجليد وحدوث الفيضانات، بالإضافة إلى الجفاف الذي يعاني منه العالم مؤخرا والذي تسبب بحرائق الغابات وتهديد الأمن الغذائي نتيجة انخفاض المحصول الغذائي بشكل كبير مما نتج عنه بما يعرف "بأول مجاعة ناجمة عن تغير المناخ". كما أنه لا يجب أن نغفل عن مشكلة التصحر وخاصة الناتجة عن إزالة الغابات. كل تلك الآثار لا تهدد حقوق الإنسان فحسب ولكنها تهدد حياته أيضا ولهذا جذبت تلك لقضية جميع الأنظار إليها على المستويين المحلي والدولي.

أهم النقاط والمستجدات في القضية 

أولا: كيفية تأثير التغير المناخي على حقوق الإنسان ومدى تهديده لتلك الحقوق

يوجد العديد من الأفراد الذين لا يجدون رابطا بين التغير المناخي وبين حقوق الإنسان ولا يعلمون ما هو التهديد الذي يشكله التغير المناخي على تلك الحقوق والتمتع الفعال بها. فيمكننا توضيح الأمر بسهولة على النحو التالي؛ إن حقوق الإنسان ترتبط ارتباطا وثيقا بالتغير المناخي وذلك بسبب أثره المدمر ليس على البيئة فحسب ولكن على حياة الإنسان نفسها ووجوده. فإنه يتسبب بتأثيرات سلبية بالغة على تمتع الأفراد بمجموعة واسعة من حقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية وبعض الدساتير الوطنية مثل حق الإنسان في الحياة والصحة والغذاء والماء والمسكن وسبل الحياة بشكل عام. وقد سجلت هيئات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية معدلات مرتفعة في انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالتغير المناخي.

ويمكن توضيح حقوق الإنسان الأكثر تضررا من التغير المناخي وطرق تأثيره السلبي عليها، حيث يمكن تقسيم تلك التأثيرات إلى مجموعة من الآثار المباشرة وغير المباشرة كما يلي: 

الآثار المباشرة للتغير المناخي على حقوق الإنسان: وهي الآثار التي تمنع الأفراد من التمتع بحقوقهم نتيجة التأثير المباشر للآثار الكارثية لتغير المناخ على حقوق الإنسان المنصوص عليها دوليا، والتي من أبرزها:

الحق في الحياة

يعد الحق في الحياة هو أساس كل حقوق الإنسان فهو حق الحقوق فلا وجود لبقية الحقوق من دونه، فهو ليس مجرد بقاء الفرد على قيد الحياة ولكن له مفهوما أوسع وأشمل من ذلك فهو يتمثل في تمتع الفرد بحياة تتسم بالرفاه والكرامة في مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد أكد على ذلك العديد من النصوص والمؤتمرات الدولية وعلى رأسها (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة عام 1972، مؤتمر ريو أو قمة الأرض، واتفاق باريس، وغيرهم العديد من المؤتمرات الأخرى) وأكدوا أيضا على أن البيئة السليمة هي التي تسمح للفرد بالتمتع بحياة كريمة وبالرفاه.

ومن هنا  يتبين لنا مدى تأثر حق الفرد في الحياة بالتغير المناخي، فوفقا لتقرير الأمم المتحدة الصادر عام 2007/2008  فخلال الفترة من 2000 إلى 2004 تأثر نحو 262 مليون شخص بكوارث المناخ سنويا ونسبة 97% منهم يعيشون في البلدان النامية، فنحو 250000 شخص فقدوا حياتهم بسبب الأعاصير المدارية خلال الفترة من 1980 إلى 2000، كما يموت نحو 7 ملايين شخص كل عام بسبب تلوث الهواء وذلك حسب إحصائيات برنامج الأمم المتحدة، بالإضافة إلى المشاكل الصحية وخاصة التنفسية بسبب تلوث الهواء والضباب الدخاني. 

فكما هو واضح وجود علاقة قوية بين تغير المناخ والحق في الحياة، حيث إن التغير المناخي يهدد سلامة مليارات الأشخاص على هذا الكوكب. فغالبا ما تؤدي الأحداث المناخية الشديدة والمفاجئة والتي تفاقمت بسبب تغير المناخ والطقس المتطرف إلى فقدان الأشخاص حياتهم. ومن أمثلة ذلك العواصف والأمطار الشديدة الناجمة عنها ودرجات الحرارة الشديدة والجفاف وحرائق الغابات، كل تلك الظواهر تؤدي إلى ارتفاع عدد الوفيات والقتلى، فقد أسفرت موجة الحرارة المرتفعة والجفاف في أوروبا عام 2003 عن مصرع 35000 شخص، كما أودى إعصار يولاندا في الفلبين بحياة  10000 شخص عام 2013. وفي عامي 2019 و 2020 شب أكثر من 100 حريق في عدد من المناطق في أستراليا أدت إلى مصرع أكثر من 400 شخص سواء بسبب الحرق أو استنشاق الدخان.

الحق في الغذاء الكافي

الحق في الغذاء الكافي يعنى توافر هذا الغذاء ويتضمن إطعام الفرد ذاته من الموارد الطبيعية في البيئة المحيطة به، ويتضمن التزاما من قبل الدولة والجهات المسؤولة فيها باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتخفيف من حدة حالة انعدام الغذاء والجوع وخاصة في أوقات الكوارث الطبيعية، والتغيرات المناخية تؤثر بشكل مباشر على حق الإنسان في الحصول على غذاء كاف وخاصة في البلدان النامية والفقيرة بسبب اعتماد الأفراد بها في غذائهم على الزراعة والموارد التي تتأثر بالمناخ بشكل كبير. كما أكدت الدراسات على أن أربعة من كل خمسة فقراء يعيشون في بلدان معرضة للكوارث الطبيعية وذات مستويات مرتفعة من التدهور البيئي.

فالتغيرات المناخية وخاصة ارتفاع درجات الحرارة الشديدة وموجات الجفاف تؤثر على المحاصيل الزراعية بشكل كبير مما يؤدي إلى انخفاض إجمالي المحاصيل وخاصة الحبوب الغذائية كما هو الحال في العام الجاري، فتعاني العديد من دول العالم حاليا من أزمة غذائية كبيرة بسبب موجات الجفاف المنتشرة في شرق آسيا وأمريكا الجنوبية وعدد من دول آسيا وعدد كبير من دول أفريقيا مما أثر على المحاصيل وارتفعت أسعار الحبوب الغذائية عالميا وعلى رأسهم القمح والأرز واللذان يعدان أساس الغذاء لمعظم دول العالم وخاصة الدول النامية والفقيرة، بالإضافة إلى أن الفيضانات وهطول الأمطار بكثرة أو حتى تذبذبها أثر أيضا بشكل مباشر على المحاصيل الغذائية مما خلق أزمة في عدة دول.

ظاهرتي التعري والتصحر

كما أن ظاهرتي التعري والتصحر زادت من أزمة انخفاض مساحة الأراضي الصالحة للزراعة وجعلها عقيمة. ولم يكن التأثير في الثروة الزراعية فقط ولكن الثروة الحيوانية قد تأثرت بشكل كبير بسبب التغيرات المناخية مما أدى إلى انخفاض كبير بها بسبب موت الحيوانات سواء بشكل مباشر نتيجة الطقس السيئ وارتفاع درجات الحرارة والجفاف أو بسبب السيول والفيضانات، أو بشكل غير مباشر بسبب نقص الغذاء المقدم للحيوانات ونقص مساحة المراعي والغابات نتيجة التغيرات المناخية مما أدى إلى حدوث تدهور واضح في الثروة الحيوانية.

كما لا يمكننا أن نغفل عن الثروة السمكية والتي تأثرت بارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات والتي أدت إلى هجرة أنواع عديدة من الأسماك. كل ذلك يؤكد على أن العالم يعاني من انهيار وشيك للأمن الغذائي وخاصة في البلدان النامية مما يؤدي إلى زيادة موت الأفراد بسبب المجاعات مما يضر بحق أساسي من حقوق الإنسان وهو الحق في الغذاء الكافي.  

وتفيد التقارير بعجز الدول عن تحقيق هدف القضاء على الجوع، ففي منطقة آسيا والمحيط الهادي يوجد تعثرات في مسيراتهم نحو القضاء على الجوع ولم يحرزوا سوى تقدم ضئيل للغاية لتحقيق هذا الهدف كما أن أفريقيا جنوب الصحراء يعيش بها أكثر من ثلث سكانها في فقر مدقع مما يؤثر بالتأكيد على حصولهم على الغذاء بالقدر الكافي. ووفقا لليونسيف فإن ملايين الزيمبابويين قد عانوا من جفاف مطول الأمر الذي أدى لانعدام الأمن الغذائي بشكل كبير وأثر ذلك على نحو 4.3 ملايين شخص وفقا لمنظمة الفاو. ومن المحتمل أن تفاقم الأزمات الغذائية وحالة انعدام الأمن الغذائي المنتشرة حول العالم سوف تؤدي إلى خلق حالة من عدم الاستقرار وخلق بيئة تنتشر بها النزاعات المسلحة للحصول على الغذاء لضمان الحياة. 

الحق في الصحة

إن الحق في الصحة لا يعني فقط حق الفرد في أن يكون سليما، ولكن بمفهومه الواسع يشمل أيضا حقه في التمتع بخدمات وظروف تفضي إلى حياة كريمة تتميز بالمساواة والعدالة في مجال الصحة، وقد تم تعريفه من قبل منظمة الصحة العالمية على أنه "حالة من الرفاه الجسدي والنفسي والاجتماعي الكامل، ولا يتحقق بمجرد غياب مرض أو عاهة".

والتغيرات المناخية التي اجتاحت العالم مؤخرا ستؤدي إلى عرقلة تمتع الفرد بهذا الحق، حيث إن التغيرات المناخية تبرز عددا من المشكلات الخاصة بالصحة وعلى رأسها زيادة سوء التغذية نتيجة المياه والغذاء الملوثين والإصابة بالأمراض التنفسية والمعدية وتفاقم الأمراض والإصابات التي تحدث جراء الأحداث الجوية القاسية، وبشكل خاص في الدول الفقيرة مثل دول أفريقيا جنوب الصحراء ودول جنوب آسيا.

ولتوضيح مدى تأثر الحق في الصحة بالتغير في المناخ فقد تبين أن حالات تفشي الكوليرا تتفاقم في الظروف المناخية المتغيرة، كما أن الحشرات وناقلات الأمراض تنتشر في ظروف زيادة الرطوبة وتتأثر بالحرارة وهطول الأمطار وأيضا تغير المناخ يساعد على انتشار حمى الضنك والملاريا. وعلى سبيل المثال الفلبين قد عانت من تغير المناخ المدمر بعدة طرق ملموسة فمثلا نتج عن الفيضانات التي حدثت بسبب العاصفة الاستوائية كيتسانا وإعصار بارما في عام 2009 ارتفاع عدد حالات داء البريميات بشكل حاد كما زاد عدد المصابين بحمى الضنك.

الحق في الحصول على المياه والصرف 

والحق في المياه هو حق كل فرد في الحصول على مصدر للمياه بشرط أن تكون كافية ومأمونة ويمكن الحصول عليها بسعر مناسب لاستخدمها في الأغراض الشخصية والمنزلية ولكن مع شرط آخر وهو الحفاظ على النظم الإيكولوجية التي تساعد على إعادة إنتاج المياه كما أنه من حق الجميع الحصول على صرف صحي جيد يضمن البقاء على قيد الحياة بشكل صحي. 

وتعرض العديد من الأفراد من تهديد من الحصول على حقهم في المياه بسبب التغيرات المناخية وعلى رأسها ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض وموجات الجفاف مما أدى إلى فقدان الكتلة الجليدية وتقلص الغطاء الثلجي وذوبانه الأمر الذى أدى للتعرض إلى ارتفاع مستويات سطح المياه في البحار والمحيطات مما نتج عنه التعرض للفيضانات فالتغير المناخي يؤثر بشكل مباشر على كمية ونوعية الموارد المائية وتأثر أكثر من سدس سكان العالم نتيجة لذلك وهناك أكثر من مليار شخص لا يحصلون على المياه النظيفة بسبب تعرض الموارد المائية إلى الملوثات. بالإضافة إلى أن الظواهر المتطرفة للطقس مثل الفيضانات والأعاصير تؤثر على البنى التحتية للصرف الصحي والمياه مما يؤدي لتلوث المياه وانتشار الأمراض المنتقلة بسبب المياه الملوثة.

إن تهديد الإنسان في حقه في الحصول على مياه يؤدي إلى خلق اضطرابات في حياته فيقوم بهجر موطنه والقيام برحلات للبحث عن مصادر المياه، حيث تعد عنصرا حيويا للحفاظ على حياة الإنسان.

الحق في المسكن اللائق

من حق كل شخص الحصول على مستوى معيشة جيد له ولأسرته بما يتضمن ذلك الحصول على السكن اللائق. ولكن التغير المناخي يهدد ذلك الحق بشكل مباشر بعدة طرق أبرزها أن حدوث ظواهر متطرفة للطقس كالفيضانات والحرائق الناتجة عن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة تؤدي إلى تدمير مساكن الأفراد وخاصة في المدن الساحلية والتي تتعرض للفيضانات أو المناطق القريبة من الغابات، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى تشردهم. كما أن ارتفاع مستويات مياه البحار والمحيطات وذوبان الجليد تهدد المناطق المنخفضة في جميع أنحاء العالم بالغرق والدمار. 

آثار غير مباشرة للتغير المناخي 

التغيرات المناخية لم تكتفي بالتأثير السلبي على الحقوق الجوهرية للإنسان كحقه في الحياة والغذاء وغيرهم كما سردنا مسبقا، ولكنها تعدت ذلك لتلحق آثارا مأسوية غير مباشرة على المدى الطويل وذلك عن طريق محو شعوب ومجتمعات كاملة ولإظهار تجليات تلك الآثار سوف نعرض ثلاثة عناصر رئيسية لها انعكاسات وخيمة على أي مجتمع وهم: التشريد، والنزاعات المسلحة، واللجوء بسبب المناخ. 

التشريد

إن التشريد هو أهم الآثار السلبية غير المباشرة للتغير المناخي على حقوق الإنسان وإلحاق الضرر به ووفقا للإحصائيات فقد تم إثبات أن أكبر أثرا لتغير المناخ هو هجرة البشر ومن المتوقع تشرد نحو 150 مليون نسمة بحلول 2050 بسبب ظواهر خاصة بالتغيرات المناخية وعلى رأسها الفيضانات والعواصف والتصحر وندرة المياه. والتشريد يتركز أكثر في الفئات والبلدان الأشد فقرا ولا يوجد بها بنى تحتية جيدة. 

والمشردون يواجهون العديد من التحديات للحفاظ على حياتهم والوصول إلى مصادر المياه الجيدة والحفاظ على أمنهم الغذائي، الأمر الذي يعني تأثر حقوقهم. كما يواجهون عنفا جنسيا وعمالة الأطفال وتجنيدهم في جماعات مسلحة بشكل قسري. وفي عام 2017 تم تسجيل نحو 18.8 مليون حادثة تشرد بسبب الكورث وفقا لتقرير الأمم المتحدة.

النزاعات المسلحة

إن آثار تغير المناخ التي تتفاعل مع المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية سوف تؤدي إلى نشوب نزاعات عنيفة في نحو 46 بلد يعيش بها حوالي 2.7 مليار نسمة وفقا لليونسكو. الأمر الذي يظهر حاليا بشكل واضح في العديد من المناطق والتي أدت التغيرات المناخية بها لنشوب أعمال عنف ونزاعات مسلحة، فإن التذبذب في كميات الأمطار في البلدان التي يعتمد اقتصادها بشكل رئيسي على الزراعة والموارد الطبيعية مثل المجتمعات الرعوية في إفريقيا أدت إلى إنخراط عدد من السكان في النزاعات المسلحة. 

فوفقا لدراسة حديثة فإن الصومال تعد معرضة إلى الترابط بين المناخ والنزاعات وعسكرة مراكز الموارد المائية حيث عانت الصومال عام 2011 من حالات جفاف إقليمية تم ربطها بتغير المناخ.

اللجوء بسبب المناخ

يضطر العديد من السكان إلى النزوح والتشرد بسبب التغيرات المناخية، ومنهم من يعبر الحدود ويلجأ إلى دولة آخرى على أمل إيجاد مأوى له وأكثر اللاجئين بسبب التغيرات المناخية من سكان دول أفريقيا جنوب الصحراء، ويصل أكثرهم إلى الدول المتقدمة في حالة مزرية من الجوع والوهن والخوف، كما أن العديد منهم يتعرض للموت أثناء رحلتهم للدول الأوروبية. 

لا تقتصر معاناة تلك الأفراد على ذلك فقط، ولكنهم يتعرضوا لأكثر من ذلك وهو عدم السماح لمعظم الهاربين من الجوع بسبب التغيرات المناخية دخول أراضي دول أخرى، فالعديد من الدول الأوروبية لا توفر الحماية للاجئين بسبب التغيرات المناخية على الرغم من أن قرار اللجوء لم يكن اختيار ولكنه بدافع الضرورة. 

ثانيا: الفئات الأكثر تضررا وتأثرا بالتغير المناخي

إن التغير المناخي يلحق الضرر بجميع الأفراد دون استثناء، ولكن ضرره وأثره السلبي يتفاوت من فئة لأخرى. فمثلا المجتمعات التي تعتمد بشكل أساسي على الصيد والزراعة تتأثر بشكل أكبر من المجتمعات الصناعية. والمجتمعات النامية تعاني أكثر بكثير من المجتمعات المتقدمة حيث تتفاقم التأثيرات السلبية للمناخ في تلك الدول حيث تكون غير قادرة على مواجهة تلك الآثار أما بالنسبة للطبقات والعرقيات المختلفة فالطبقات الأكثر فقرا هي الأكثر تضررا وخاصة من تلوث الهواء، أما بالنسبة للنوع الاجتماعي والجنس فإن الفتيات والنساء تكون أكثر تأثرا من الرجال، وبالنسبة للفئات العمرية فالأطفال وكبار السن هم الفئات الأكثر تضررا بالتغير المناخي. 

ولهذا تطالب الدول الفقيرة بضرورة مساعدة البلدان المتقدمة لها في دفع تكاليف تحول الطاقة لديها، وخاصة بعد أن أمضت الدول المتقدمة ما يقرب من نحو 200 عام في حرق الوقود الأحفوري لتنمية اقتصاداتها على حساب الدول الفقيرة والبلدان النامية. وبالنسبة للانبعاثات الكربونية فتحتل الولايات المتحدة المركز الأول في كل من إجمالي الانبعاثات المطلقة على مر التاريخ قديما وحديثا، بينما الصين تتصدر قائمة أكبر مصدري الانبعاثات حاليا وفقًا لبيانات جمعتها وكالة رويترز.

ثالثا: المنظمات التي قامت بالتصدي للتغير المناخي، وما النهج الذي اتبعته:

هناك العديد من المنظمات الدولية التي قامت بدور واضح وفعال للتصدي للتغيرات المناخية وعلى رأسها:

مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان

إن خطة عمل المفوضية السامية لحقوق الإنسان تهدف لتنفيذ الخطط والسياسات المناخية والبيئية الوطنية والدولية بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما تسعى وفقا لخطة 2030 واتفاق باريس بشأن تغير المناخ إلى تعزيز حقوق الإنسان في الإجراءات المتعلقة بالتغيرات المناخية، الأمر الذي يتطلب من الدول اتخاذ كافة التدابير للتكيف مع تلك التغيرات والتخفيف من آثارها واحترام ودعم المجتمعات المتضررة. وتتطلع إلى تحقيق تلك الخطط والأهداف عبر عدد من التوصيات وهي: 

دمج المجتمع المدني في عملية صنع القرارات المتعلقة بالبيئة.

التعاون مع الشركاء لدمج مبادئ حقوق الإنسان في القوانين البيئية.

دعم آليات حقوق الإنسان ومساعدتها في التصدي للقضايا البيئية وعلى رأسهم التغير المناخي. 

دعم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لحماية المدافعين عن حقوق البيئة.

إجراء العديد من البحوث التي تهدف للتصدي للتغيرات المناخية وتقليل أضرارها وخاصة على الفئات الأكثر تأثرا وتضررا.

الدور الذي قامت به المفوضية بشأن التغير المناخي في ضوء حقوق الإنسان

إن انخراط المفوضية في مؤتمر ريو +20 ساعد في الإشارة إلى حقوق الإنسان أكثر من مرة في الوثيقة الختامية للمؤتمر، كما ساعدت في دمج حقوق الإنسان في اتفاقية باريس في ضوء خفض نسبة الاحتباس الحراري وتحجيمها. 

تقوم المكاتب الميدانية التبعة للمفاوضية بتنفيذ عدد من المشاريع الخاصة بحقوق الإنسان والتغير المناخي، كما يقوم المكتب الخاص بها في المكسيك وكينيا بتحفيز العمل البيئي القائم على حقوق الإنسان. فيما ناصرت المكاتب الإقليمية التابعة للمفوضية حقوق الإنسان للأفراد المتضررين من التغير المناخي. 

رابعا: العدالة المناخية 

العدالة المناخية هي إعمال حقوق الإنسان في مواجهة تغير المناخ. فهي عبارة عن عملية معالجة أزمة تغير المناخ في ضوء حقوق الإنسان، واستخدام المحكمة لمحاسبة الشركات والحكومات حيث لا يمكن لشركات الوقود الأحفوري الاستمرار في عملها المخرب للبيئة واهتمامها بالربح فقط مع الإفلات من العقاب. كما أن الحكومات لم يعد بإمكانها تجاهل واجباتها تجاه حقوق الإنسان وتجاه العلاقة بين تلك الواجبات في حماية حقوق الإنسان وتغير المناخ 

قد ازدهرت حركة العدالة المناخية عالميا خلال العقود القليلة الماضية، وتحت استخدام تعريف التقاضي المناخي تم رفع أكثر من 654 قضية في الولايات المتحدة ونحو 230 قضية في بلدان أخرى وقد انتشرت تلك القضايا بسرعة كبيرة في جميع أرجاء العالم. 

بعد الدعم الذى لاقته فكرة العدالة المناخية بدأت المجتمعات المتضررة والمنظمات الغير حكومية وشركات الوقود الإحفوري مع الضغط الكافي في إحداث تغيير في كيفية العيش في الضرر الناجم عن المناخ. وخاصة إن التقاضي المناخي لم يكن حلا مثاليا شاملا. فتم التوجه بقوة نحو العدالة المناخية للدفاع عن حقوق الإنسان، مما يجعل الشركات والحكومات مسؤولة عن تغير المناخ ومسؤولة عن مكافحة آثاره السلبية بكافة الطرق الممكنة. 

خامسا: دور مصر في التصدي للتغيرات المناخية 

تستضيف مصر "قمة المناخ السابعة والعشرين" الشهر المقبل في مدينة شرم الشيخ، ومع اقترابها تظهر الجهود المصرية واضحة لتحقيق أقصى قدر من التوافق الدولي وإنهاء حالة الانقسام التي ظهرت منذ بزوغ أزمة التغيرات المناخية، والتي نتجت عن تقاعس الدول المتقدمة عن تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والالتزام بتقليل الانبعاثات الكربونية، فيما أن الدول النامية تحتاج إلى الدعم والمساعدة للتخلص من تلك الآثار وخاصة مع تراجع أوضاعهم الاقتصادية بعد استنزاف الدول المتقدمة لمواردهم. بالإضافة إلى العديد من الأزمات الأخرى التي ظهرت على الساحة مؤخرا وعلى رأسهم الحرب الأوكرانية واندلاع الوباء مما ترك أثر سلبي على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتفاقم الأزمات. 

وبدأت مصر في نقطة انطلاقها للدبلوماسية المناخية والتي ستعززها تلك الاستضافة للتحرك نحو العدالة المناخية وجاء الإلتزام في اتجاهين الأول التزام جميع الدول بخفض الانبعاثات الكربونية والاتجاه الثاني هو قيام الدول المتقدمة بتمويل مشروعات "صديقة للبيئة" في الدول النامية، لمساعدتهم على تحقيق التنمية على أساس مبدأ الشراكة الدولية في مواجهة الأزمات الطبيعية. 

والتجربة المصرية لمشروعاتها التنموية تعتبر أحد أهم المؤهلات التي عززت دورها في العدالة المناخية وذلك نظرا لقدرتها على تعميم تجربتها في محيطها النامي، الأمر الذي يوضح مصداقية الدور المصري حيث يمكننا القول بأن مسار العدالة المناخية الذي تتبعه مصر وتعتمد يعد امتداد لرؤيتها الداخلية، فيما تعد تجربتها بمثابة إلهام للعديد من الشركاء الدوليين بما يتناسب مع إمكانياتهم وظروفهم، مما يسهم في تعزيز دور الدولة المصرية في العدالة المناخية على الصعيدين الإقليمي والدولي. 

أهمية قضية التغير المناخي

واختتم التقرير بأنه من خلال ما تم عرضه خلال السطور السابقة يتضح لنا جليا مدى أهمية قضية التغير المناخي ومدى تأثيرها السلبي وآثارها الوخيمة على حقوق الإنسان. فالتغير المناخي ليس قضية بيئية فحسب ولكنه أيضا قضية اجتماعية واقتصادية وإنسانية وأمنية، وتؤثر على حقوق الإنسان وحياته بشكل مباشر وغير مباشر. ووفقا لم تم عرضه فالآثار الوخيمة الناتجة عن هذا التغير المناخى لا تتوزع بشكل متكافئ على جميع الأفراد والمجتمعات والدول ولكن كان هناك فئات أكثر تضررا بتلك الآثار وخاصة المجتمعات الفقيرة والدول النامية. ومن هنا تكمن أهمية التصدي لتلك التغيرات المناخية بأقصى سرعة وبذل كافة الجهود والتدابير اللازمة لوقف آثارها وأضرارها وعلى رأسهم تنفيذ مبدأ العدالة المناخية. 

ووضعت المنظمة عدة توصيات منها استحداث آليات جديدة واستراتيجيات متطورة نضمن من خلالها إلتزام الدول المتقدمة بتخفيف الآثار السلبية التى لحقت بالدول النامية والفقيرة تحت مبدأ مسؤولية الدول المتقدمة لتقديم الدعم وإصلاح ما خلفته أيديهم من دمار. 

تعزيز الآليات الوطنية والدولية لرصد ومتابعة حماية المتضررين من التغير المناخي وعلى رأسهم اللاجئين والنازحين. 

محاكمة الدول المنتهكة للقانون الدولي البيئي وذلك بسبب ما قامت به من انتهاكات وأضرار جسمية فيما يخص حقوق الإنسان. 

ضرورة اتخاذ إجراءات فورية دولية للتصدي لتغير المناخ والتخفيف من حدته لمنع تفاقم آثاره. 

زيادة فعالية تدابير التكيف مع التغير المناخي عن طريق تشارك الخبرات فيما بين الدول.