إبراهيم المنيسي يكتب: كنت في منزل زين الدين إسماعيل زيدان

إبراهيم المنيسي
إبراهيم المنيسي

اللقطة التى جمعت النجم الفرنسى كريم بنزيمه مع النجم الفرنسى الأشهر زين الدين زيدان وهو يتوجه بالكرة الذهبية كأحسن لاعب فى العالم؛ أعادتنى لأكثر من عشرين عاما للوراء حين كنت فى مدينة مرسيليا الفرنسية وكان زيدان قد نال نفس الجائزة بعدما قاد الديوك ببراعة لإحراز كأس العالم.. يومها كان كل شىء فى هذه المدينة الفرنسية الهادئة  ينطق باسم زيزو.. الحافلات العامة تحمل صورته والقطار السريع يكتسى بها وواجهات البنايات العامة والخاصة تغلف جدرانها بصورة هذا النجم المدهش.. يومها ومن فرط دهشتنا بما نسمعه من عرب فرنسيين عن زين الدين زيدان واندماجه كأحد أبناء الأصول العربية وجميعهم كذلك فى الثقافة الفرنسية، عرضت على الصديق العزيز الكابتن أسامة كامل وهو مهاجم الترسانة فى الثمانينيات والمقيم فى مارسيليا منذ عقود أن يرتب لنا زيارة منزل زين الدين زيدان ولقاء أسرته والتعرف على تفاصيل قصة المواطن الجزائرى إسماعيل زيدان الذى جاء من الجزائر قبل عقود واستقرت به الحال على مرفأ ميناء مرسيليا ليبدأ وزوجته رحلة طويلة لم يكونا يعلمان أنهما يهديان كرة القدم العالمية واحدا من أمتع نجومها وأمهرهم..

توجهنا لمنزل إسماعيل زيدان الواقع بهذه المدينة الساحلية التى تعج بالعرب من أصول جزائرية ومغربية وتونسية.. كله يعمل ويعيش ويندمج مع ثقافة فرنسا القادرة دوما على جذب مريديها ودمجهم فى أعماقها..

كان زين الدين يطوف ملاعب أوروبا محترفا يحقق البطولات والأرقام ويسجل الأهداف ويمتع الجماهير.. للأسف علمنا بعدم وجود الوالد وقتها فى هذا المنزل الذى يعكس وقار صاحبه وعدم ترفه، وكان كل ما سمعناه من جيرانه عن مسيرة زيزو منذ كان طفلا فى ساحات وملاعب ومدارس مرسيليا ينبئ بموهبته الفذة وأهمية توفير فرص ومناخ الرعاية والصقل للمواهب ودمجهم والحفاظ عليهم.. وكم من المواهب عندنا تقتل فى مهدها..

سبحان الله؛ نفس مسار الجزائرى الأصل زين الدين إسماعيل زيدان خاضه مواطنه وسليل نفس جذوره «كريم  حافظ مصطفى بن زيمة» الذى جاء والده من مدينة وهران الجزائرية واستقر وزوجته بمدينة ليون الفرنسية وتنقل بين ملاعبها وأنديتها حتى انطلق فى نفس مسار زيدان لدرجة أن محطة كل منهما الأشهر كانت مع النادى الملكى ريال مدريد وبالطبع منتخب الديوك الفرنسية ومن خلال نفس المسار مع الكرة والموهبة وقف كلاهما على نفس منصة المجد والتتويج بالكرة الذهبية قمة التكريم العالمى. جائزة غابت عن فرنسا ونجومها منذ حصل عليها زيدان فى العام ١٩٩٨ ولم يعدها لهم غير عربى آخر سليل نفس الجذور كريم بنزيمة.. وكانت وقفتهما معا شهادة للتاريخ وردا على من يتهمون العرب بأنهم يصدرون للغرب فقط الإرهاب والأفكار المتطرفة..

بالطبع، لولا الدمج الثقافى الشديد الذى تتميز به الثقافة الفرنسية التى سقط فى شراكها الكثيرون، لم يكن عميد الأدب العربى طه حسين آخرهم، ما حظى زيدان وبنزيمة وغيرهما من نجوم فرنسا ذوى الأصول العربية والأفريقية بنفس الفرصة من الرعاية والاحتضان ومن ثم النجاح والتوهج.. وهذه رسالة للكثيرين من أبناء المصريين العاملين بأوروبا والذين نسمع كل يوم عن نبوغهم الكروى.. يمكنهم النجاح والتميز والانطلاق إذا ما استفادوا جيدا من البيئة الحاضنة والمجتمع الصحى مع  الروح العربية الصلدة..

التكيف الثقافى والاندماج التام مع ضوابط وقواعد ونظام المجتمع الجديد دون تفريط فى أصول التربية الشرقية وقيمها، فى تقديرى كانت من أهم أسباب نجاح النجم العالمى محمد صلاح.. الفرعون أتقن لغتهم وعرف دربهم.. وانطلق بأصوله..

صلاح الذى جاء خامسا فى ترتيب الأحسن فى العالم هذا العام يستحق ما هو أفضل، لكنه وبرغم بزوغ نجمه فى الدورى الانجليزى وتألقه مع ناديه ليفربول كان إخفاقه من المنتخب الوطنى سواء فى تصفيات كأس العالم أو نهائيات الأمم الأفريقية سببا رئيسا فى تأخر ترتيبه عالميا.. يعنى مش سايبينه فى حاله!

أما حصول السنغالى ساديو مانى على المركز الثانى والأهم منه تتويجه بجائزة سقراط الأولى فى خدمة مجتمعه ومشروعاته الخيرية فتلك قصة إنسانية أخرى لنموذج نجاح آخر يستحق الانحناء..