بعد فوز «آنى إرنو».. «المرأة فى نوبل» بين الانحياز والسياق التاريخي

آنى إرنو
آنى إرنو

من واقع إحصائيات السنوات الثلاثين السابقة: هل الكاتبات لم يتبق لهن سوى جائزة نوبل واحدة حتى نهاية العِقد الحالى؟
على الموقع الرسمى لجائزة نوبل؛ تتصدر الصفحات الرئيسية لكل جائزة عدة إحصائيات خاصة بها، ومن بينها عدد الفائزات بتلك الجائزة من النساء، الذى يبلغ إجمالًا 61 فائزة، مقابل 986 فائزًا فى الفروع المختلفة، وإن تحدّثنا عن «الآداب» بشكل خاص سنجد أنه أفضل حالًا من مجالات أخرى، إلا أن إحصائياته تشير فى النهاية، بعد تتويج «آنى إرنو» بالجائزة، إلى فوز 17 كاتبة مقابل 102 كاتبً ، منذ بَدأ منحها عام 1901.


تلك النوعية من الإحصائيات ليست بجديدة، وإن كانت «نوبل» قد أدرجتها بشكل رسمى على موقعها قبل سنوات، إلا أن الإشارة إليها تعود لعشرات الأعوام سابقًا، وقد كان محمود عباس العقاد من أوائل من فعلوا ذلك قبل 58 عامًا، فى كتابه «جوائز الأدب العالمية» الصادر عن دار القلم عام 1964؛ حينها كان عدد الحاصلين على جوائز الأدب فى حدود الستين، والكاتبات منهن أربعة، فكتب: «لم تكن طريق المرأة إلى الجائزة طريقًا مفروشة بالورود، ولم يكن إنصاف اللجنة لها عملًا من أعمال التحقيق، وإنما كان عملًا من أعمال التوفيق. وهذه ظاهرة من الظواهر العجيبة التى تستدعى الانتباه فى أعمال الهيئات العالمية، فإنها لا تستطيع أنْ تنعزل عن تيار التاريخ من حولها، ولا مناص لها من تسجيله وتمثيله، وهى تجاريه أو تعارض مجراه».


بعد مرور ما يقرب من أربعين عامًا على هذا التاريخ، أقيم احتفالًا ضخمًا بالمئوية الأولى لجوائز نوبل، وخلاله تم الإعلان عن أنه من بين 719 جائزة فى كل المجالات، حصلت النساء على 30 جائزة فقط، فارتفعت أصوات محلية وعالمية كثيرة مطالبة باتخاذ توازن معقول فى منح الجوائز، على اعتبار أن المرأة نصف المجتمع، أشار إليها الكاتب الصحفى والروائى اليمنى محمود ياسين فى كتابه «نساء نوبل» الصادر عن دار الطلائع عام 2006، وتساءل: «هل يُعقل، رغم مرور أكثر من قرن من الزمان، أن تظل الجائزة حكرًا على الرجال الذين يمثلون 50% من سكان الأرض؟!».

 

 


قبيل فوز «آنى إرنو» عادت التساؤلات تُثار من جديد حول انحيازات جائزة نوبل، ومن بينها موقفها المهمِّش للمرأة، وبدورنا نتساءل فيما يخص فرع الأدب؛ هل هناك انحياز ضد الكاتبات بالفعل؟

 

بين الغُبن والمساواة
تقول الكاتبة هالة البدرى إن الجوائز الأدبية – بشكل عام – فى العالم كله، منذ بدايتها، شهدت غُبنًا للنساء بسبب النظرة الضيقة جدًا لما تكتبه المرأة أو تقدِّمه فى أى فن من الفنون، ومحاولة حصرها فى مسألة النسوية، فيتم الحكم على العمل بشكل هزلى؛ إذا كان متضمنًا لكتابة نسوية حقيقية ينعتونها بأنها تحصر نفسها فى دائرة الذات الضيقة، ثم بعد سنوات إذا كتبت المرأة عن المجتمع بنظرة أوسع مثل الرجل اتهموها بأنها ابتعدت عن النسوية ولم تقدم شيئًا جديدًا. وبالتالى حدث سوء تعامل مع إنتاج النساء.

ولم يدخلن إلى دائرة المنافسة بأى حال من الأحوال، ورغم أنه فى الفترة الأخيرة بدأ بالفعل اتجاه لتعزيز وصول النساء إلى الجوائز، لكنه – أيضًا – فى إطار نفس النظرة الضيقة باعتبارهن نساء وليس «كُتَّابًا» ينشغلون بنفس الهم العام الذى ينشغل به الرجل.

 

 


وتتفق معها د. عزة كامل قائلة: «مازال هناك استحواذ من الرجال على الجوائز، ونظرة المجتمع لقيمة الرجل مختلفة عن نظرته لقيمة المرأة، سواء كان فى مجال الأدب أو العلم. الجائزة لابد أن تبحث عن النساء المتميزات وتشجِّعهن، لا أن تكون حكرًا على الرجال».

 

 

 

عزة كامل:

نظرة المجتمع لقيمة الرجل مختلفة عن نظرته لقيمة المرأة


وفى المقابل ترى الشاعرة عزة رياض أن الأمر لا يشوبه تمييزًا عنصريًا، بخاصة أن العالم الأوروبى ينظر إلى المرأة بنوع من المساواة والحيادية لا التمييز مثلما يحدث فى بعض الدول العربية، مضيفة: «ما أتصوره أن المرأة بشكل عام فى أى بقعة من العالم يقع عليها بعض الضغوط الاجتماعية والأعباء التى تؤجل إنجازاتها وإبداعها أو تؤخرها. وبشكل عام يمكن القول إن المرأة بدأت مؤخرًا – فقط – تتحسس طريقها، وتدرك مشروعها وتؤمن به، ويؤمن بها الرجل أيضًا».

 

 

 

 

 


وفى السياق ذاته تقول الكاتبة منى العساسى: «النساء على مر التاريخ عشن – على مدار قرون عديدة – ضحايا الدجماتية الفكرية والدينية التى حكمت ولازالت تحكم المجتمعات الإنسانية، فطوال الوقت كن مسلوبات الحقوق والإرادة، وغارقات فى مأزق الدفاع عن أنفسهن ومحاولة اكتساب أبسط حقوقهن فى الحياة، ربما هذا ما جعل من المبدعات فى شتى مجالات الجائزة قِلة فى مقابل عدد الرجال».

 

 

 

 

 

 

منى العساسى: 

النساء غارقات فى مأزق الدفاع عن أنفسهن ومحاولة اكتساب أبسط حقوقهن فى الحياة
 


بداية متأخرة تاريخيًا فى الأدب.
تشير د. سهير المصادفة فى بداية حديثها إلى أن وضع المرأة فى مصر بالنسبة للجوائز أسوأ حالًا، فإن كانت نسبة النساء الفائزات بجائزة نوبل تبلغ 6% حسب آخِر إحصائية أجرتها بنفسها، فهى لا تتعدى 3% فى جوائز الدولة لدينا، مضيفة: «نوبل أكبر جائزة فى العالم، ليس لاسمها أو قيمتها المادية العالية، وإنما بسبب آلياتها وعالميتها، وأنها لا تتوقف أمام جنس أو لون أو دين. لكن إذا كانت هى نفسها عانت من فضائح ضميرية، فما بالك بغيرها؟!».


وتستطرد: «الرجل يرى أنه حارب لقرون وبدأ الكتابة قبل المرأة، فلماذا عليه أن يقاسمها عرشه الآن؟ بدأ الكتابة منذ القرن الرابع الهجرى، وهو من يكتب التاريخ ويقول ما يشاء، وهذه أكبر خسارة فادحة للمرأة، فكل شاعرة أو كاتبة فى العصور الغابرة تم إعدامها وحرقها حية، مثلما حدث فى روما وأوروبا، مدعين أنها ساحرة أو فاجرة، ومن ثم أسئلة فرجينيا وولف فى كتابها «غرفة تخص المرء وحده» صالحة لكل زمان ومكان، حين قالت: ماذا لو كان لشكسبير أخت؟».


تتفق الكاتبة سلوى بكر مع ذلك، مؤكدة أن هناك مواضعات تاريخية واجتماعية كثيرة أدت إلى تأخر دخول المرأة لمجال التعبير من خلال الرواية أو القصة: «بداية البصمات الحقيقية للكتابة الروائية النسائية كانت مع الأختين شارلوت وإيميلى برونتى، بعد ذلك مع تقدم النمط الإنتاجى الرأسمالى – الذى تنتمى له الرواية فى المقام الأول - ونزول النساء إلى مجالات مختلفة من العمل، بدأت تتجه نحو الرواية، وبالتالى أرى أن الأمر يجب النظر إليه من زاوية السياق التاريخى للمشاركة النسائية فى كتابة الرواية، لا المعادلة الكمية والعددية فقط، حتى لا نقع فى إشكاليات الإجحاف والتحيز تجاه المرأة».

 

 

 

سلوى بكر:
 يجب التعامل مع الأمر من زاوية السياق التاريخى للمشاركة النسائية فى كتابة الرواية، حتى لا نقع فى إشكاليات الكم واتهامات التحيز


انطلاقًا من الرؤية ذاتها، تقول الكاتبة ضحى عاصى: «أعتقد أن هذه النسبة منطقية، خاصة أن الجائزة بدأت فى أوائل القرن العشرين، حين كان المجتمع العالمى لايزال متسمًا بنظرة ذكورية، فلنا أن نعرف أن المرأه لم تأخذ حق التصويت فى أوروبا إلا فى ١٩١٨ فى فنلندا ثم توالت عمليه التمكين فى أوروبا.

ومن هنا أرى أن جائزة نوبل مرآة للمجتمع، لأن الاعتراف بالمرأة وتمكينها أخذ مراحل متعددة. هذا لا ينفى أنه كانت هناك كاتبات عظيمات من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مثل جين أوستن والأخوات برونتى والشاعرات أنا أخماتوفا وماريا سفتايفا، لكن كان هناك أيضًا الكثيرات من الكاتبات اللاتى يكتبن بأسماء مستعارة، وهذا يفسِّر لنا قِلة الأسماء النسائية البارزة فى هذه الحقبة، فالمناخ العام لم يكن دافعًا ومساندًا للمرأة لتنمو وتتطور فى هذا الاتجاه».

 

 

 ضحى عاصى: 
المناخ العام الذى يؤثر فى الجميع هو المحرّك الداخلى والفعلى لكثير من الاختيارات


إرث متجدد
تميل الناقدة د. زينب العسال إلى أن الأمر ميراث قديم متجدد، فالمرأة لم تحصل على ما تستحقه فى كافة المجالات؛ لماذا تُستثنى جائزة نوبل! مضيفة: «ما عانته المرأة فى الماضى لا تزال تتذوق مرارته بناتها وحفيداتها مهما حاولنا فلسفة الأمر. واقتحام المرأة للمؤسسات الثقافية اقتحام خجول؛ فما بالنا بمؤسسة عالمية رفيعة تمنح جائزة نوبل! لننظر كم امراة تقلَّدت منصب رئيس وزراء فى العالم، والأمر نفسه بالنسبة للمناصب العليا . الدراسات والإحصائيات تقول إن ثمة حد معين لا تتجاوزه المرأة». 

 

 

 

 

زينب العسال:
 نحن لا نثق أو نقف بجوار كاتباتنا، فلماذا ستقف بجوارها المؤسسات العالمية؟!

 

 


تتفق معها د. عزة رشاد قائلة: «لو بحثنا جذور هذا الأمر؛ ففى الغالب سيكون التمييز ضد النساء منذ مئات وربما آلاف السنين هو السبب. انفراد الرجل بالسُلطة، ووضعه القوانين المقيِّدة لحركة وحرية النساء، ثم حرمان المرأة من التعليم واستئثار الرجل بفرص العمل الأفضل، وحيازته للقسم الأكبر من الثروة أو المقدرات المادية على مدى التاريخ، وانفراده كذلك بالقدرة على تقديم نفسه بشكل لائق، وعمل دعاية لمنتجه أيًا كان، بينما على النساء أن يعملن فى صمت ويبقين فى الظل، فالدعاية حق للرجل وعار على المرأة فى هذا التاريخ الحافل بالتمييز ضدهن. كل هذا أزاح المرأة بعيدًا عن الصفوف الأولى إلا من تتميز بقدرات استثنائية، أو تساعدها الظروف المحيطة أو تتوفر لها بيئة داعمة، وهذه حالات فردية نادرة».

 

 

 

 

عزة رشاد: 
ألا تعتبر هيمنة الكُتّاب الرجال على لجان التحكيم تدخلًا سافرًا لصالحهم 
 


التطور بين القصدية والعفوية
على مدار عقود ظلَّ عدد النساء فى الفوز بجائزة نوبل للآداب منحصرًا بين (0 و1) خلال كل عِقد، إلى أن بلغت 3 لأول مرة فى تاريخها خلال التسعينيات (1990 – 1999) وثبتت على ذلك من حينها، 3 نساء مقابل 7 رجال فى كل عِقد.

وإن كانت تلك النِسبة مقصودة ومن المخطط الحِفاظ عليها، فهذا يعنى أن الكاتبات لم يتبق لهن خلال السنوات القادمة حتى 2029 سوى جائزة نوبل واحدة فى الأدب، بعد فوز «لويز جلوك» 2020 و«آنى إرنو» 2022. إلا أن الإحصائيات القريبة خارج سياق العِقد تشير إلى أن تلك النسبة – ربما – تزيد، إذ شهدت السنوات العشر الأخيرة فوز 5 كاتبات، فهل يمكن اعتبار ذلك اتجاه نحو «الإنصاف» كما يصفه البعض؟ 


تقول منى العساسى: «ربما بطريقة ما نعم.. وإن كان لدىَّ بعض التحفظ وعلامات الاستفهام حول بعض من فزن بالجائزة فى أكثر من مجال».


وتتفق د. عزة كامل وهالة البدرى على أنه اتجاه جيد يشير إلى حدوث تغيرات وانتباه لأهمية أن يتم تسليط الضوء على أعمال كاتبات، لأن الجوائز – فى النهاية – تُنبِّه إلى صاحب العمل وتضعه فى مرتبة أخرى لتتم قراءته على نطاق واسع.


وتتمنى د. عزة رشاد أن يستمر الأمر فى التقدم، ولكن: «تصحيح ما أفسده التمييز ضد النساء على مدى التاريخ سيحتاج مبادرات شجاعة وجهود ضخمة، وليس من ضمن ذلك أبدًا فرض كوتة للكاتبات، فهذا مهين، لكن دعمهن منذ بداياتهن ككاتبات لكى يحصلن على نفس فرص الكُتّاب».


بينما ضحى عاصى لا تعتبر ذلك اتجاهًا للإنصاف بقدر ما هو مواكبة للتغير المجتمعى فى علاقته بالمرأة من كل الجوانب، ومن بينها إبداعها وقدرتها على الريادة.


لجان التحكيم
هل لمشاركة الرجال بنسبة أكبر فى لجان تحكيم الجائزة – على مدار تاريخها – تأثير على نتائجها؟ سؤال ربما باتت تفرضه المرحلة الراهنة بعد البِدء فى تفعيل مبادرة «50:50» التى تهدف للمساواة بين الجنسين، وفى إطار التعريف بها ضمن افتتاح أعمال لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة عام 2015، قال الأمين العام – حينها – بان كى مون: «دعونا نعترف بالدور الحاسم للرجال فى تغيير العقليات. بدون تغيير عقلية الرجال قد نكون غير قادرين على تغيير الوضع الحالى. فى القرن الحادى والعشرين، الرجال الأقوياء حقًا هم أولئك الذين يؤمنون ويعملون من أجل تمكين المرأة. العالم لن يدرك أبدًا أهدافه مئة فى المئة، إذا لم يدرك خمسون فى المائة من سكانه، إمكاناتهم الكاملة».


ترى د. عزة رشاد أنه ليست هناك معايير صارمة لجودة العمل الأدبى، بل فى الأغلب، تُعتمد معايير تقريبية، وهذه تتوقف على رؤية وذائقة لجنة التحكيم، مما يجعل الأمر غاية فى الصعوبة، خاصة عندما يكون المتنافسون شديدو التميز. لكنها تقول: «كَون أغلب أعضاء لجان التحكيم من الرجال، أمر يدعو للتساؤل، لن أقول للاتهام. أتساءل بحق: ألا يكرِّس هذا الأمر ذائقة الرجل ورؤيته ويهمِّش ذائقة المرأة ورؤيتها؟! ألا يعتبر تدخلًا سافرًا لصالح الكاتب الرجل؟!!».


وبقدر من الاتفاق، تقول ضحى عاصى: «لجان تحكيم من الرجال لا تعنى مطلقًا التحيز للرجل، وفى نفس الوقت لا تنفيه. هى مسألة نسبية ومتغيرة. لكن يظل المناخ العام الذى يؤثر فى الجميع هو المحرّك الداخلى والفعلى، وأحيانًا فى منطقه اللاوعى لكثير من الاختيارات».


بينما تؤكد د. عزة كامل ضرورة تغيير أسلوب تشكيل لجان التحكيم، فلا يليق أن يكون غالبيتهم من الرجال، وتقترح: «لابد من اقتسام الأصوات بالنصف بينهم، وأن يكون لرئيس اللجنة – مثلًا – صوتين لمعادلة الأمر، فهناك نساء كثيرات قادرات على التحكيم، لكن الفكرة فى الاختيار والترشيح من البداية».


وعن تجربة شخصية تقول هالة البدرى: «لمستُ بنفسى كيف يكون الرجل مستهينًا بعمل المرأة أثناء التحكيم، ولو أجرينا مقارنة مع جوائزنا هنا فى مصر، سنجد الأمر أسوأ كثيرًا».


وفى نفس السياق تقول د. سهير المصادفة: «لا أعرف لم الرجال هم المسيطرون على لجان التحكيم، حتى عندما يستعين رئيس اللجنة بنساء لتزيين الصورة – غالبًا – يكونون ممن لهم ولاء شخصى له، لكى يكون القرار ملكه فى النهاية. المعركة طويلة ولابد أن تخوضها المرأة بشرف من خلال كتابتها، فالرجل لديه القوة والسطوة، ولديه الوقاحة أحيانًا لأن يسأل ماذا تكتب المرأة؟! وألا يقرأ ما تكتبه، لديه كل الأسلحة التى اكتسبها عبر الزمان، وحين نقول أين المرأة فى لجان التحكيم ومواقع اتخاذ القرار؟ هو يزيحها بسهولة إذا كانت جيدة جدًا ويأتى بأنصاف الكائنات من النساء لكى يهاجمن نظائرهن.

أما المصيبة الكبرى فهى أن المحكمين فى هذه الجوائز أكاديميون كبار ويعرفون ما هو الأدب الجيد والردىء، ورغم ذلك يفعلون ما يمكن فعله لستر الأدب الجيد وتصدير الردىء. الأمر شائك وليس أمامنا سوى عمل إحصائيات طوال الوقت وأن ننبههم بأنهم مرئيون».


هؤلاء يستحقونها
صاحَب الإعلان عن فوز «آنى إرنو» بجائزة نوبل – مؤخرًا – انقسامًا ملحوظًا فى الآراء والاتجاهات بين القراء والنقاد، ففى الوقت الذى احتفى الكثيرمن جمهور «إرنو» بفوزها وملأوا صفحات مواقع التواصل الاجتماعى تهليلًا؛ انتقد الكثير – أيضًا – من الكُتّاب والنقاد اختيارها، مؤكدين أنها لا ترقى للفوز بالجائزة، ومن بينهم الكاتبة سلوى بكر التى تقول: «جائزة نوبل تاريخيًا تشوبها حسابات.

ومن وجهة نظرى؛ الكاتبة التى فازت هذا العام ليست هى أفضل من يجب أن يحصلوا على جائزة نوبل من الكُتّاب والكاتبات. وكذلك كان الأمر على مدار سنوات؛ من يحصلن عليها لسن الأفضل فى سياقهن الزمانى، وهناك الكثيرات أفضل منهن. لذلك الجائزة فى رأيى ليست الأهم ولا الأفضل، ولا تمثل معيارًا موضوعيًا، هى فقط تلقى الضوء على خطابات ووجهات نظر منحازة لكنها مكتوبة فى سياق أدبى».


هذا الجدل، قلّ أو كبر حجمه، يتكرر بشكل شبه دائم سنويًا. فمن هن المستحقات لجائزة نوبل على طول تاريخها؟
د. ريم بسيونى «من العقود الماضية إيملى برونتى وجين أوستن، ومن الكاتبات المعاصرات هناك كثيرات، لكن لنتذكر أيضًا أن الجوائز الأدبية يكون فيها ذائقة للناقد أو القارئ، وتبقى أهم جائزة هى حب الناس».
سلوى بكر «الهندية إحسان كمالة، وقوت القلوب الدمرداشية التى نشرت رواية ممتازة عام 1939 فى دار نشر جاليمار الفرنسية، وغيرهن». 


منى العساسى «إيزابيل الليندى – بكل تأكيد – تستحق نوبل بجدارة، فهى فى رأيى من أفضل وأهم الكتابات على مستوى العالم».
هالة البدرى «مارجريت آتوود؛ رُشحت أكثر من مرة وأعمالها مهمة جدًا وعلى أعلى مستوى من الكتابة، وفى العالم العربى لدينا سحر خليفة، وعدد من الكاتبات المهمات اللاتى يستحققن هذه الجائزة».

 

 

 

ريم بسيونى:


 قِلة عدد الفائزات
 يعود إلى أن فرصة النساء فى الانتشار
 ومن ثم الترشح أقل

 

د. عزة كامل «نوال السعداوى وفاطمة المرنيسى؛ لأن لديهما روايات كثيرة وكتابات غيّرت فى فِكر أجيال».
د. سهير المصادفة «لا يمكن حصر من يستحققن نوبل سواء على المستوى العربى أو العالمى، فنوال السعداوى اختلفنا أو اتفقنا معها، وكذلك فاطمة المرنيسى، كلا منهما شكّلت عقولًا. كما كان لدينا رضوى عاشور، وكبيرات غيرهن على مستوى العالم أقرأ نصوصهم المذهلة كل يوم، تركتهم جائزة نوبل وذهبت لكُتَّاب متوسطى القيمة».
د. زينب العسال «نوال السعداوى كانت تستحقها، وآسيا جبار التى تكرر ترشيحها للجائزة قبل وفاتها، وإيزابيل الليندى التى أدهشتنا بعد أن قرأنا رائعتها «باولا» ولازالت تنتظر على القائمة منذ سنوات. وكذلك: أليف شافاك، شيماماندا نغوزى أديشى، جيوكوندا بيلى، سوزانا ألاكوسكى، مونيكا على، لورا إسكيبيل، إيرما جوبير، وكاترينا زيلينسكا».
د. عزة رشاد «إيزابيل الليندى، هدى بركات، وإنعام كجه جى». 
بينما ترى عزة رياض أن «كل امرأة مبدعة تدرك أهمية الكلمة، تشعر، وتنبض، وتبدع، تمارس دورها كأم وزوجة وكاتبة فى الوقت نفسه، تستحق جائزة نوبل فى الأدب، وما أتمناه أن توجه نوبل دفتها إلى العرب هذه المرة، فمنذ عام 1988؛ عام حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، ولم يحصل عليها عربى بعده، ألم يحن الوقت؟».
الترشح أولًا
فى النهاية؛ تبقى الخطوة الأولى للفوز بجائزة نوبل هى الترشح لها، لتعلم الأكاديمية المانحة أن هناك كاتبة تستحق فى مكان ما، وهو ما تشير إليه ضحى عاصى قائلة: «أعتقد هناك الكثيرات سواء عربيًا أو عالميًا يستحقن الجائزة، ولكن علينا أن نتذكر أنها ليست مفتوحة للتقدم لها، وإنما تأتى عن طريق ترشيح من جهات معينة هى من تملك حق الاختيار وترشيح الأسماء من كل بلد، وبالتالى عمليه التصعيد نفسها هى عملية انتقائية ولها معايير تحكمها سياسة ورؤية من لهم حق الاختيار وترشيح الاسماء».

 


وذلك هو السبب الذى ترجحه د. ريم بسيونى وراء قِلة عدد الكاتبات فى الفوز، وهو أن عددهم أقل فى الترشح، مضيفة: «للأسف لازلنا نعانى من عدم المساواة بين الرجل والمرأة بالنسبة للكتابة، حتى فى الانتشار والنشر؛ نجد عدد الرجال أكبر ولا نعرف ما السبب».


وترى د. زينب العسال أن ترشيح المرأة لجائزة نوبل سيظل معدودًا على أصابع اليد الواحدة! مما يؤثر بالضرورة على فوز الكاتبات بالجائزة، وتضيف: «لماذا لم تحصل كاتبة عربية على الجائزة؟ هذا سؤال مؤلم، لكن الأكثر ألمًا أنه بعد فوز «آنى إرنو» هذا العام وجدنا ترشيحات لكُتَّاب من مصر والوطن العربى للأسف لم ترشِّح كاتبة واحدة. إذا كنا نحن لا نثق أو نقف بجوار كاتباتنا، فلماذا ستقف بجوارها المؤسسات العالمية؟! ترجمة إبداع المرأة أو غيرها من الأمور تتم كلها عن طريق الاجتهاد ومدى تحرك المبدع لدى الدوائر القريبة من الترجمة، لا عيب فى ذلك، ولكن هل تصل هذه الترجمة إلى المتلقى الغربى العادى؟ هذا السؤال لابد من طرحه قبل أى شىء».

 

اقرأ ايضا | بسمة ناجى تكتب: روث أوزيكى تفوز بجائزة إبداع المرأة الروائي