بسمة ناجى تكتب: روث أوزيكى تفوز بجائزة إبداع المرأة الروائي

روث أوزيكى
روث أوزيكى

هذه الرواية اللافتة من الناحية الفلسفية والمرحة من الناحية الشكلية، تبدو غريبة ومليئة بالتفاصيل المتنافرة مثل مقتنيات أنابيل

فازت رواية روث أوزيكى الرابعة، «كتاب الشكل والفراغ»، بجائزة إبداع المرأة الروائى لعام 2022. تُمنح الجائزة سنويًا لمؤلفة من أى جنسية عن رواية مكتوبة باللغة الإنجليزية ونشرت فى المملكة المتحدة خلال العام السابق، وهى إحدى الجوائز الأدبية المرموقة فى المملكة المتحدة، وقيمتها ثلاثون ألف جنيه إسترليني.


 فى 560 صفحة، تُعَد «كتاب الشكل والفراغ» أطول رواية فى القائمة القصيرة لهذا العام، والتى تضمنت أيضًا روايات «الخبز الذى عجنه الشيطان» لليزا ألين أجوستينى، و«الحُكم» للويز إردريتش، و«الحزن والنعيم» لميج ميسون، و«جزيرة الأشجار المفقودة» لأليف شفق و«الحلقة الكبرى» لماجى شيبستيد.


تميزت الرواية «بأسلوب رائع وذكاء ومرح، بالإضافة إلى دفء الحكايات وحيويتها. كما أبرزت التأثير القوى للكتب والقراءة، وتناولت قضايا الحياة والموت الكبرى»، وفقًا لتعليق الكاتبة والمذيعة مارى آن سيجارت، رئيسة لجنة تحكيم الجائزة، التى وصفت أوزيكى بأنها حكاءة بارعة. ضمت لجنة التحكيم، بالإضافة إلى سيجارت، الصحفية والمحررة لورين كاندى، والكاتبة دوروثى كومسون، والصحفية أنيتا سيثى والمذيعة والكاتبة والمذيعة باندورا سايكس.


تدور أحداث الرواية حول بينى البالغ أربعة عشر عامًا، والذى بدأ يسمع أصوات تصدر عن الجمادات التى يتعامل معها يوميًا بعد وفاة والده، وإصابة والدته، أنابيل، باضطراب التكديس القهرى للأشياء (قمصان، كرات سنو جلوب الزجاجية، إبريق شاى أصفر).

تتمسك أنابيل أيضًا بوظيفتها كمسئولة أرشيف، فيصبح بيتهم مكتظًا بقصاصات الصحف. تقول أوزيكي: «إنهما غارقان فى الحزن والنفايات وكومات من قصاصات الأخبار». مع تكدس الأشياء من حوله، تتصاعد الأصوات وتعلو، فيلجأ بينى لمكتبة عامة كبرى بحثًا عن الصمت والهدوء. يلتقى هناك بعدة شخصيات غريبة يعلمونه الاستماع إلى الأشياء المهمة فعلًا.


روث أوزيكى روائية وصانعة أفلام وكاهنة بوذية أمريكية، فى السادسة والستين من عمرها، أول ما فعلته صباح اليوم التالى لفوزها بجائزة إبداع المرأة هو جلسة تأمل، «لوقت قصير جدًا». ولقناعتها التامة بضعف فرصتها فى الفوز، فقد خططت لقضاء ذلك اليوم بشكل مختلف وشغلته بالمواعيد. 


عند تلقيها الجائزة، شكرت أوزيكى فى كلمتها المؤسسات النِسوية والنساء ممن دعمنها طوال حياتها المهنية. «أردت ذِكر أسماء النساء اللواتى دعمننى، إذ أننا نحتاج الآن للتحدث أكثر من أى وقت مضى، وإعادة كتابة السرديات السائدة التى أوصلتنا إلى وضعٍ حرج».


هذه الرواية اللافتة من الناحية الفلسفية والمرحة من الناحية الشكلية، تبدو غريبة ومليئة بالتفاصيل المتنافرة مثل مقتنيات أنابيل. ولكن، كما هو الحال مع جميع روايات أوزيكى، فإن «كتاب الشكل  والفراغ» لا تتجاهل القضايا الآنية؛ الاحتباس الحرارى، والنزعة الاستهلاكية، والاضطرابات النفسية كما تطرقت للأسئلة الكبرى: ما الواقع؟ هل يوجد حد لتطلعات الإنسان وأطماعه؟.

ومع ذلك، وصفتها رئيسة لجنة تحكيم الجائزة بأنها «ممتعة» وانجذب النقاد إلى «الدعابة الهادئة والواقعية والممنهجة»، بالإضافة إلى الأثر العميق والتفاؤل الذى تبعثه فى النفس قصة بحث أم وابنها عن صوتيهما وخروجهما من فوضى حياتهما.


روث أوزيكى أيضًا ناشطة بيئية ونسوية، نشأت على قراءة كتابات راشيل كارسون وتشربت «الوعى السياسي» فى السبعينيات، حسب قولها. نشأت فكرَة روايتيها الأوليين، «عام اللحوم» (1998) و «كل ما يتعلق بالخلق» (2003)، اللتين وصفتهما بـ «الغوص العميق فى البطاطس»، من مخاوفها بشأن تغير المناخ والزراعة الصناعية، تأثرًا بعائلة والدها المزارعين فى ولاية ويسكونسن. بينما تأثرت روايتاها اللاحقتان، «حكاية للزمن الحاضر»، التى ترشحت ضمن القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر لعام 2013.

و «كتاب الشكل والفراغ» بتعاليم البوذية بشكل واضح. يحتل السؤال «هل تتواصل الجمادات وفقًا للدارما؟»، المأخوذ من تعاليم بوذية الزِن، المركز من الرواية الأخيرة، والسؤال «هل يمكن للجمادات أن تُعرفنا على الواقع؟» وتجيب عنه بثقة، «أجل، بالطبع.»


ذكرت أوزيكى أن طفولتها من مصادر إلهامها لكتابة الرواية، «ارتبطتُ بالأشياء كأنها حية بصورة ما. وحتى الآن أفكر فى القصص التى يمكن أن ترويها الجمادات لو استطاعت التحدث». استغرقت الرواية ثمانى سنوات لكتابتها، لكن نشأت الفكرة وقت وفاة والدها فى عام 1998، إذ كانت أوزيكى تسمعه يتحدث معها لمدة عام بعد وفاته، «أثناء القيام بأى شىء فى المنزل، طى الغسيل أو أى شىء آخر، كنت أسمعه وهو يتنحنح ثم ينطق باسمى، فأستدير ولا أجد أحدًا. كلما حدث ذلك، خَلَّفَ صدمة صغيرة، لاكتشافى أنه لم يعد موجودًا».


أثناء إخلاء منزل والديها فى نيوهافن عام 2002، بعد تشخيص والدتها بمرض ألزهايمر، عثرت على هدايا قُدمت لوالدها من مجتمعات فيرست نيشن التى عمل معها كعالم أنثروبولوجيا لغوية، ومشغولات يابانية تخص والدتها، التى كانت أستاذة لغويات أيضًا، وولدت فى اليابان، كما وجدت مجموعة حصى مصقول تخص جدها وتعود للوقت الذى قضاه فى معسكر اعتقال بنيو مكسيكو، وصندوقًا فارغًا، مكتوبًا عليه بعناية «صندوق فارغ». «كنت أعرف أن تلك الأشياء لها قصص، لكنى لم أعرف ما تلك القصص، وأحزننى ذلك بعض الشىء».


«لنبدأ بالأصواتِ إذًا»، هكذا افتتحت الرواية. أرادت استكشاف «الأصوات التى يسمعها المصابون بحالة ذهنية بعينها»، حسب قولها. ككاتبة، تظهر لها الشخصيات قائلةً: «مرحبًا، اسمى نُو، وأنا أعيش الزمن الحاضر فحسب»، هكذا ظهر نُو، فى رواية «حكاية للزمن الحاضر». ثم تأتى تلك الأصوات الداخلية، «السخرية، الناقد الداخلى.

وما إلى ذلك»، التى تزعجنا جميعًا، والأكثر إرباكًا، تلك الأصوات التى دفعت بِينى لطعن نفسها بمقص ثم تشخيصه باضطراب فصامى عاطفى. تقول أوزيكي: «لماذا تصنف بعض الأصوات على أنها مرضية، وأخرى طبيعية، وأخرى تستحق الاهتمام؟ ما الطبيعي؟ هذا تصنيف يتم وفقًا لمرجعية ثقافية، ولقد جعلنا هذا الطبيعى محدودا للغاية».


كحال بِينى، الطفل الذى يعانى من الاكتئاب والقلق، قضت أوزيكى أسابيع تعانى «مما كان يسمى حينها، انهيارا عصبيا»، فى مدرسة داخلية. اتباعًا لخطوات سيلفيا بلاث، كانت «شاعرة شابة مصابة بالاكتئاب»، ثم التحقت بسميث كوليدج، إحدى أقدم مدارس الفتيات فى الولايات المتحدة، حيث تعلمت اليابانية، إذ أن أمها المكروبة بسبب الحرب، لم تعلمها أبدًا ولم ترغب لها أن تُعرَّف كيابانية.

وهناك فازت بأولى جوائزها الأدبية. عادت إلى سميث كوليدج لتدريس الكتابة الإبداعية، منذ عام 2015 وحتى الآن، بعد سنوات طويلة قضتها فى كورتس آيلاند ببريتيش كولومبيا، وتقيم فى ماساتشوستس مع زوجها، الفنان البيئى والمدرس أيضًا.

 
بعد تخرجها، قضت أوزيكى بضع سنوات فى اليابان لدراسة الأدب اليابانى الكلاسيكى، ثم عادت إلى نيويورك، وانغمست فى صناعة الأفلام، صارت مخرجة لأفلام رعب تنتج بميزانيات منخفضة، مثل «موتانت هانت» و»روبوت آبوكاليبيس».  

تلك التجربة المختلفة علمتها كيف تروى القصص. مؤخرًا، بدأت إنتاج أفلامها الوثائقية الخاصة، والتى لاقت استحسان النقاد بشكل كبير، رغم كونها كوارث من الناحية المالية. ثم منحت نفسها سنة لكتابة رواية، طمحت أن تبيعها بثلاثين ألف دولار لتغطية ديونها. نشرت روايتها الأولى «عام اللحوم» تزامنًا مع عيد ميلادها الحادى والأربعين، «لذا يمكننى القول بأنى كتبت روايتى الأولى وأنا فى الأربعين من عمري».


لكنها تراجعت من جديد بعد نشر روايتها الثانية، وموت أبويها. وبعدها، اعتنقت البوذية. «يوقظك المرض والكِبَر والموت من غفلتك. كان ذلك ما أيقظ بوذا. تدرك حينها أن الحياة زائلة وأنك لن تبقى هنا للأبد». رُسمت أوزيكى ككاهنة بوذية فى عام 2015.

اقرأ أيضا | د. محمد سمير عبد السلام يكتب : رسائل مارسيل بروست لعب الماضي والمنظور التجريبي المتجدد