رفاعة الطهطاوي.. الوافد من الصعيد لإحياء‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي

رفاعة الطهطاوي
رفاعة الطهطاوي

لم يكن طالب علم أو وافد إلى القاهرة فقط، بل بمرور السنوات أصبح عالم وعلامة بين جدران الأزهر يبث النور في أرجاء الوطن العربي بأكمله.. إنه رفاعة الطهطاوي.

 ‬رفاعة‭ ‬بن‭ ‬بدوي‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬رافع،‭ ‬ويلحقون‭ ‬نسبهم‭ ‬بمحمد‭ ‬الباقر‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬الحُسين‭ ‬بن‭ ‬فاطمة‭ ‬الزهراء،‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬النهضة‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬في ‬عهد‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬باشا.

ففي‬15‭ ‬أكتوبر1801، ولد رفاعة الطهطاوي في ‬مدينة‭ ‬طهطا‭ ‬محافظة‭ ‬سوهاج‭ ‬بصعيد‭ ‬مصر،‭ ‬ونشأ‭ ‬في‭ ‬أسرة‭ ‬كريمة‭ ‬الأصل‭ ‬شريفة‭ ‬النسب،‭ ‬فأبوه‭ ‬ينتهي‭ ‬نسبه‭ ‬إلى‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب،‭ ‬وأمه‭ ‬فاطمة‭ ‬بنت‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬الفرغلي،‭ ‬ينتهي‭ ‬نسبها‭ ‬إلى‭ ‬قبيل‭ ‬الخزرج‭ ‬الأنصارية‭.‬

اقرأ أيضا: رعب في السماء.. كابتن طائرة يقود عشرات الركاب لـ«رحلة الموت»

ولقى‭ ‬رفاعة‭ ‬عناية‭ ‬من‭ ‬أبيه،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تنقله‭ ‬بين‭ ‬عدة‭ ‬بلاد‭ ‬في‭ ‬صعيد‭ ‬مصر،‭ ‬فحفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وعندما‭ ‬بلغ‭ ‬رفاعة‭ ‬السادسة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬التحق‭ ‬بالأزهر‭ ‬وذلك‭ ‬في‭  ‬سنة‭  ‬‮«١٢٣٢‬هـ‭ ‬ـ‭ ‬1817م‮»‬‭ ‬ وأمضى‭ ‬ست‭ ‬سنوات،‭ ‬جلس‭ ‬للتدريس‭ ‬فيه‭ ‬سنة‭ ‬‮«١٢٣٧‬‭ ‬هـ‭ - ‬‮١٨٢١‬م‮»‬‭ ‬ وهو‭ ‬في‭ ‬الحادية‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬عمره.

 ‬والتف‭ ‬حوله‭ ‬الطلبة‭ ‬يتلقون‭ ‬عنه‭ ‬علوم‭ ‬المنطق‭ ‬والحديث‭ ‬والبلاغة‭ ‬والعروض،‭ ‬وكانت‭ ‬له‭ ‬طريقة‭ ‬آسرة‭ ‬في‭ ‬الشرح‭ ‬جعلت‭ ‬الطلبة‭ ‬يتعلقون‭ ‬به‭ ‬ويقبلون‭ ‬على‭ ‬درسه،‭ ‬وأهم‭ ‬أستاذ‭ ‬تتلمذ‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬رفاعة‭ ‬الطهطاوي‭ ‬هو‭ ‬الشيخ‭ ‬حسن‭ ‬العطار‭ ‬الذي‭ ‬تولى‭ ‬مشيخة‭ ‬الأزهر‭ ‬سنة‭ ‬‮١٢٤٦‬هـ‭.‬

وكان‭ ‬رفاعة‭ ‬الطهطاوي‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬الثلاثة‭ ‬الذين‭ ‬رشحتهم‭ ‬الحكومة‭ ‬المصرية‭ ‬للسفر‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬لداسة‭ ‬العلوم‭ ‬والمعارف‭ ‬الإنسانية،‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬والهندسة‭ ‬والحربية،‭ ‬والكيمياء،‭ ‬والطب‭ ‬البشرى‭ ‬والبيطري،‭ ‬وعلوم‭ ‬البحرية،‭ ‬والزراعة‭ ‬والعمارة‭ ‬والمعادن‭ ‬والتاريخ‭ ‬الطبيعي.. ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬التخصصات‭ ‬يدرسون‭ ‬جميعا‭ ‬اللغة‭ ‬والحساب‭ ‬والرسم‭ ‬والتاريخ‭ ‬والجغرافيا‭.‬

كان‭ ‬رفاعة‭ ‬الطهطاوي‭ ‬يأمل‭ ‬في إنشاء‭ ‬مدرسة‭ ‬عليا‭ ‬لتعليم‭ ‬اللغات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬وإعداد‭ ‬طبقة‭ ‬من‭ ‬المترجمين‭ ‬المجيدين‭ ‬يقومون‭ ‬بترجمة‭ ‬ما‭ ‬تنتفع‭ ‬به‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬الغرب،‭ ‬وتقدم‭ ‬باقتراحه‭ ‬إلى‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬إقناعه‭ ‬بإنشاء‭ ‬مدرسة‭ ‬للمترجمين‭ ‬عرفت‭ ‬بمدرسة‭ ‬الألسن،‭ ‬مدة‭ ‬الدراسة‭ ‬بها‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬قد‭ ‬تزيد‭ ‬إلى‭ ‬ست،‭ ‬وافتتحت‭ ‬المدرسة‭ ‬بالقاهرة‭ ‬سنة‭ ‬‮١٢٥١‬‭ ‬هـ‭ - ‬‮١٨٣٥‬م‭.

‬وتولى‭ ‬رفاعة‭ ‬الطهطاوي‭ ‬نظارتها،‭ ‬وكانت‭ ‬تضم‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬أمرها‭ ‬فصولاً‭ ‬لتدريس‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والانجليزية‭ ‬والايطالية‭ ‬والتركية‭ ‬والفارسية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الهندسة‭ ‬والجبر‭ ‬والتاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬والشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وقد‭ ‬بذل‭ ‬رفاعة‭ ‬جهداً‭ ‬عظيماً‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المدرسة،‭ ‬وكان‭ ‬يعمل‭ ‬فيها‭ ‬عمل‭ ‬أصحاب‭ ‬الرسالات‭ ‬ولا‭ ‬يتقيد‭ ‬بالمواعيد‭ ‬المحددة‭ ‬للدراسة.

‬وربما‭ ‬استمر‭ ‬في‭ ‬دراسه‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات‭ ‬أو‭ ‬أربع‭ ‬بدون‭ ‬توقف‭ ‬واقفاً‭ ‬على‭ ‬قدميه‭ ‬دون‭ ‬ملل‭ ‬أو‭ ‬تعب‭ ‬يشرح‭ ‬لهم‭ ‬الأدب‭ ‬والشرائع‭ ‬الإسلامية‭ ‬والغربية. ‬وقد‭ ‬تخرجت‭ ‬الدفعة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬سنة‭ ‬‮١٢٥٥‬‭ ‬هـ‭ - ‬‮١٨٣٩‬م‭ ‬وكان‭ ‬عددها‭ ‬عشرين‭ ‬خريجاً‭.‬

ولم‭ ‬يكتف‭ ‬رفاعة‭ ‬بهذه‭ ‬الأعمال‭ ‬العظيمة،‭ ‬فسعى‭ ‬إلى‭ ‬إنجاز‭ ‬أول‭ ‬مشروع‭ ‬لإحياء‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬اقناع‭ ‬الحكومة‭ ‬بطبع‭ ‬عدة‭ ‬كتب‭ ‬من‭ ‬عيون‭ ‬التراث‭ ‬العربي ‬على‭ ‬نفقتها،‭ ‬مثل‭ ‬تفسير‭ ‬القرآن‭ ‬للفخر‭ ‬الرازي‭ ‬المعروف‭ ‬بمفاتيح‭ ‬الغيب،‭ ‬ومعاهد‭ ‬التنصيص‭ ‬على‭ ‬شواهد‭ ‬التلخيص‭ ‬فى‭ ‬البلاغة،‭ ‬وخزانة‭ ‬الأدب‭ ‬للبغدادى،‭ ‬ومقامات‭ ‬الحريرى،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬نادرة‭ ‬الوجود‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬وأنشأ‭ ‬مكاتب‭ ‬محو‭ ‬الأمية‭ ‬لنشر‭ ‬العلم‭ ‬بين‭ ‬الناس.

 ‬وعاود‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬الترجمة ‭ ‬‮‬«المعاصرة»‬‭ ‬ودفع‭ ‬مطبعة‭ ‬بولاق‭ ‬لنشر‭ ‬أمهات‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬العربى ‭ ‬‮«الأصالة»‬‭.. ‬وقضى‭ ‬رفاعة‭ ‬فترة‭ ‬حافلة،‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الجامع‭ ‬بين‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة‭ . ‬

وتوفي الطهطاوي‭ ‬يوم‭ ‬‮٢٧‬‭ ‬مايو‭ ‬‮١٨٧٣‬‭ ‬بالقاهرة.