روشتة أمنية: لا تتركوا مسنًا يعيش بمفرده

المسنون ضحايا من أحسنوا إليهم.. الحاجة «زينب» وعم «سعد» طالتهما يد الغدر

المجنى عليها
المجنى عليها

كتب: محمد عطية

«اتق شر من أحسنت إليه».. عبارة صادقة للغاية وتعكس المستوى الأخلاقي الذي يتمتع به بعض ضعاف النفوس الذين اعتادوا قطع اليد التي امتدت إليهم مرارًا وتكرارًا بالخير والعطاء.

هل يعقل أن يكون جزاء الاحسان هو النكران والجحود والغدر؟!

للأسف شهدت الفترة الاخيرة عدة جرائم قتل راح ضحيتها رجال وسيدات مسنين وكان القاسم المشترك فيها أن الضحية كان لها أيادي بيضاء على الجاني الذي لم يرحم كبر سن ضحيته ولم يشفع لها الخير الذي قدمته اليه مرارًا وتكرارًا.

ونحن نستعرض تفاصيل هذه الجرائم سنقدم معها روشتة امنية لتجنب حدوثها.

«زينب» سيدة في نهاية العقد السادس من عمرها، قضت سنوات عمرها في مهنة التدريس النبيلة حتى خرجت على سن المعاش بدرجة موجهة بالتربية والتعليم، تعيش بمفردها داخل منزلها بشارع ايزيس بمنطقة محرم بك بمحافظة الإسكندرية بعد وفاة زوجها، وزواج أبنائها الذين حاولوا كثيرًا استضافتها عندهم لكنها كانت ترفض.

كانت محبوبة للجميع بالمنطقة فكانوا يأخذونها قدوة لهم بل أم وجدة لهم، حتى وصل الأمر أن الجميع كان ينادي عليها بـ«ماما زينب».
عرف عنها حب المساعدة والطيبة والقلب الأبيض، كانت المسكينة تساعد جميع جيرانها بالأموال لتعينهم على أعباء الحياة الصعبة، بالرغم من كل ذلك لم تنس جارتها التي كانت تعاني من غلاء المعيشة فبدأت تساعدها بمبلغ شهري كنوع من الدعم لها.

كانت «زينب» ترسل الأموال كل شهر مع «متولي» ابن جارتها والذي كانت تعتبره كأحد ابنائها ليس هذا فقط بل كانت تعطي له ما يريده، لكن لم تتوقع أن تكون نهاية جزاء عملها هو القتل على يد نجل جارتها أو كما كانت تعتبره مثل ابنها.

تلقت الشرطة بلاغًا من سكان العقار بعثورهم على جثة جارتهم المسنة داخل شقتها بعد اختفائها لعدة أيام على غير العادة؛ حيث تقيم بمفردها، واعتادت التواجد معهم يوميًا، انتقل رجال المباحث إلى مكان الواقعة عقب إخطار مدير مباحث الإسكندرية، وبمجرد وصولهم وبالمعاينة تبين وجود جثة المدعوة «زينب» 69 سنة، موجهة سابقة بالتربية والتعليم تقيم بمفردها بمسكنها، ملقاة على سجادة الصلاة بحجرة نومها ومحطمة الرأس اثر تعرضها لعدة ضربات بالعكاز الخاص بها والذي عثر عليه بجوارها وهو غارق بالدماء بالإضافة إلى اصابتها بعدة طعنات بالصدر ووجود بعثرة بمحتويات الشقة، واختفاء مصوغات المجني عليها الذهبية.

وبسؤال شهود العيان وإجراء التحريات، تبين أن المجني عليها على علاقة طيبة بالجيران ويطلقون عليها لقب «ماما» نظرًا لأنها قريبة من الجميع ولأنها دائمة العطف على أبناء المنطقة، وأنها دائمًا كانت تتحلى بكمية من المصوغات الذهبية، وأنها ميسورة الحال، كما تبين من التحريات أيضًا اختفاء نجل جارتها المقيم بالدور العلوي والتي كانت دائمًا تساعدهم باستمرار بعد وقوع الجريمة مباشرة، والمعروف للمنطقة بالكامل بسلوكه المنحرف وعدم استقراره على عمل لإدمانه للمواد المخدرة.

اقرأ أيضًا

سقوط تشكيل عصابي تخصص في تقليد المصوغات الذهبية بالمعادي 

على الفور تم إعداد عدة كمائن ثابتة ومتحركة، وبتكثيف التحريات تم ضبط المتهم أثناء اختفائه لدى احد أصدقائه وبحوزته ثلاث ساعات يدوية ومصوغات المجني عليها الذهبية وعملات قديمة، بينما انفق المتهم ما عثر عليه من أموال على ملذاته الشخصية، واعترف المتهم بأنه كان يمر بضائقة مالية لطرده من كل عمل يذهب إليه لإدمانه المخدرات، وانه كان يعلم بثراء جارته وإقامتها بمفردها فاستعان باثنين من أصدقائه لسرقتها وانه عند اقتحامه للشقة وجدها تصلي الفجر فطعنها إلا أنها لم تمت وطلبت منه أن يتركها وتوسلت له ألا يقتلها وأنها لن تبلغ عنه الشرطة، إلا انه انهال عليها ضربًا على رأسها بالعكاز الخاص بها وهي تطلب منه الرحمة ثم رددت الشهادتين ولقيت مصرعها بعدها، وأكد على قيامه بـ سرقة المصوغات والأموال والساعات والهاتف المحمول وبعض الأجهزة الكهربائية ولاذ بالفرار برفقة شريكيه في الجريمة. 

وتحرر محضر بالواقعة وإخطار النيابة التي أمرت بعرض الجثة علي الطب الشرعي لتحديد سبب الوفاة ورصد ما بها من إصابات وتحرير المضبوطات مع حبس المتهم 4 أيام على ذمة التحقيقات، وكما أمرت بضبط باقي المتهمين.

حكاية عم سعد

لم تختلف قصة «زينب» عن عم «سعد» الرجل الطيب الذي في كان أواخر عقده السابع من العمر، قضى الرجل سنوات عمره في السعودية بعد وفاة زوجته وزواج ابنائه الثلاثة وبعد أن انهكته الغربة قرر الرجوع لوطنه ليعيش بصحبة أولاده وسط جيرانه القدامى بمنطقة عين شمس بالقاهرة، وعندما عاد إلى أرض الوطن وبعدما تزوج أولاده بدأ يساعد جميع جيرانه بالمال ليعينهم على أعباء الحياة الصعبة، بالرغم من كل ذلك لم ينس «سعيد» ابن صديقه وجاره، فكان الرجل السبعيني يستيقظ كل صباح يعد الفطور ثم يجلس بجوار شرفة الغرفة لتناول الفطور، ثم يخرج من أجل أداء فروض ربه بالمسجد الصغير المجاور لمنزله، ثم يعود ليطلب «سعيد» فيعرف أنه يجلس وحيدًا هو الآخر بعد وفاة والديه، فيجلسان سويًا لتناول الغداء ثم يذهب «سعيد» للجلوس على المقهى، وبالرغم من جلوس «عم سعد» وحيدًا إلا أن أحد أبنائه كان يتردد عليه من حين لآخر في وسط النهار للاطمئنان على صحته، والتأكد من تناوله جرعات الدواء، فكان يعانى من مشكلة في القلب ويحتاج إلى الأدوية بشكل مستمر، بالاضافة إلى تردد شقيقته الأصغر منه عليه أيضا؛ لكن يبدو أن الأمور لم تسر كما هو المعتاد.

وتلقى رئيس مباحث قسم شرطة عين شمس بلاغًا من «سامية» موظفة بمقتل شقيقها داخل شقته، على الفور انتقل رئيس المباحث إلى مكان الواقعة؛ ليجد جثة لرجل ملقى على الأرض وبها آثار ضرب على الرأس وآثار خنق حول العنق وفي حالة تعفن.

وبسؤال شقيقته قررت؛ بأن شقيقها يقيم بمفرده وأنها اتصلت به تليفونيًا عدة مرات للاطمئنان عليه لكنه لم يجب، فقررت التوجه لزيارته والاطمئنان عليه وعندما وصلت ظلت حوالي نصف ساعة تطرق على الباب وعندما كسرته بمعاونة آخرين ودخلت اكتشفت أنه مقتول، ولم تتهم أحدا بارتكاب الواقعة.

على الفور قام رئيس المباحث بإجراء التحريات اللازمة وبسؤال شهود العيان شهد الجميع بتردد «سعيد» دائما عليه، وآخر مرة ظهر فيها كانت منذ يومين، وبدت عليه علامات الارتباك، تيقن وقتها رئيس المباحث أنه وراء ارتكاب الجريمة.

على الفور تم تقنين الإجراءات وبإعداد الأكمنة اللازمة له بأماكن تردده تم ضبطه، وبمواجهته أنكر وبتضييق الخناق عليه انهار وبدأ يعترف بارتكاب الجريمة ليقول: "عمري 24 سنة لا أعمل، كل الحكاية أني أمر بضائقة مالية وكنت عاوز فلوس وأنا عارف أن «عم سعد» معاه فلوس كتير ودائماً كان بيساعدني ماديا، والصراحة أنا كنت عاوز أشتري توك توك، كل اللي حصل ان يوم الواقعة في حوالي الساعة 10:30 صباحًا قفزت من خلال المنور لشقته وبدأت بالتفتيش في غرفته، لكن فجأة دخل عليا وقال لي انت بتسرقني بعد كل اللي بعمله معاك، فلم اشعر بنفسي إلا وانا بضربه بطفاية السجاير على رأسه، ثم خنقته بإيشارب واستوليت على الأموال الموجودة وهربت".

وتحرر محضر بالواقعة، وإخطار مدير مباحث القاهرة واللواء اشرف الجندي مدير أمن القاهرة، الذي أمر بإحالته إلى النيابة العامة التي أمرت بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات.

نصائح أمنية

وبالتواصل مع اللواء أحمد سعيد الخبير الأمني بدأ حديثه قائلاً: في حقيقة الأمر المسنين فريسة مغرية للمجرمين سواء من نفس المنطقة أو خارجها، كونهم أصبحوا ضعاف الجسد ومقاومتهم أصبحت أضعف بالإضافة لإقامتهم بمفردهم، بجانب أن البعض يظهر عليه مظاهر الثراء أو تُثار شائعات حوله بأنه يمتلك مبالغ مالية كبيرة، وهذا يجعلهم هدفًا للعاطلين والمسجلين، وفي بعض الأحيان أغلب تلك الجرائم التي تقع لكبار السن تكون من أشخاص غير محترفين أو مؤهلين للإجرام، لكن لمرورهم بضائقة مالية أو إدمانهم للمخدرات يرتكبون هذه الجرائم، وقد تقع تلك الجرائم من الأقارب أو أحد جيران المنطقة، فالنصيحة التي نرددها دائمًا لهؤلاء؛ هي تأمين منازل كبار السن ببوابات حديد أمام الباب الخشبي خصوصًا من يمكثون بمفردهم أو منازلهم بدور أرضي، وضرورة تواجد أحد أفراد الأسرة برفقته وزيارته كل يوم وفي أوقات مختلفة، لتشتيت انتباه أي شخص يحاول رصد معلومات عنه، فبهذا نقطع الطريق عن هؤلاء ولا يعرف في أي وقت يتواجد المسن بمفرده، فيصرفون النظر عن سرقة أو إيذاء الضحية.