محمد الشماع يكتب: أسباب نجاح «أنتش وأجري».. بعضها «علمي» وبعضها «حلمنتيشي»

محمد الشماع
محمد الشماع

منذ فترة قليلة، قلب المواطن المصري هيثم أحمد كل موازين النجاح العلمية، ضارباً بها عرض الحائط، وذلك من خلال مقطع فيديو قصير على موقع «تيك توك» يظهر فيه ليؤدي أغنية أُطلق عليها إعلاميًا وجماهيريًا «أنتش وأجري»، على نغمة أغنية المطرب الأمريكي الراحل مايكل جاكسون «smooth criminal»، مستخدما فيها كلمات بعضها مفهوم وآخر غير مفهوم، فضلاً عن استخدامه لضربات يده على صدره في ضبط الإيقاع.

منذ أن طرح هيثم («ويجز الغلابة» كما يسعى هو لتعريف نفسه، تيمناً بالمطرب الشاب ويجز) الأغنية، حتى صارت ككرة الثلج في نجاحها. المقطع نال ملايين المشاهدات والإعجابات، بل استمر نجاحه لفترة طويلة لا تحققها أعتى «التريندات» الأخيرة، ومثلما يقول الإعلان القديم بدأ المقطع يتوغل وينتشر ويقتل الجميع بحثاً حول أسباب نجاحه، التي جعلت كثير من النجوم والناس يستخدمون مقطعه الصوتي لعمل فيديوهات يقلدونه فيها، بل خرجت أخبار عن تعاقد إحدى شركات المحمول الكبرى معه، لاستخدام الأغنية «كول تون»، وهم ما تم نفيه من قبل الشركة، إلا أن كرة الثلج مازالت تتدحرج وتكبر، بل وخرج كثيرٌ من المنظرين يتحدثون عن تدني الذوق العام، وآخرون يسهبون في الحديث عن تأثير مواقع التواصل في المجتمع، وغيرها من الأمور.

السعي وراء دراسة ظاهرة «أنتش وأجري» ربما يكون مجدياً لفهم طبيعة الذوق المصري، الذي يستطيع أن ينصف من يشاء ويرفعه سابع سماء، ويذل من يشاء ويخسف به الأرض. ربما يكون هذا السعي مثيراً لشفقة البعض، الذين وضعوا أصابعهم في شق المنطق، تاركين ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، فاليوم «أنتش وأجري»، وغداً أمور أخرى، قد تكون أكثر غرابة ودهشة.

ليس حقيقياً أن مقطع الفيديو خالٍ من أسباب النجاح، فهناك أسباب حقيقية «منطقية» لوصول فيديو مدته أقل من دقيقة إلى هذه المرتبة من المشاهدات والانتشار، أول الأسباب هو الأغنية الأصلية، فهي من أنجح أغنيات مطرب البوب الراحل ماكيل جاكسون في تاريخه، خصوصاً لحنها العالق في الأذان المصرية، بل والعالمية، حتى لو كانت كلماتها بعيدة عن الاستخدام.

هيثم أيضا له مقطع نال شهرة أخرى كبيرة قبل طرح مقطع «أنتش وأجري»، وفيه استطاع أن يستخدم طائرة كانت تسير في الجو، كأحد مكونات مقطعه، إذ تعجب البعض في هذا المقطع على وجه الخصوص من حرفية «فطرية» لتواكب مرور الطائرة مع ما يريد تصويره وتقديمه، وهذا أيضاً من أسباب نجاح مقطعه الآخر.

الكلمات التي صاغ بها هيثم أغنيته، وتداخلها بين ما هو حقيقي وشعبي مفهوم، وكلمات أخرى غير مفهومة، نالت إعجاب البعض، الذي بدأ يستخدم مصطلحاته (غير المعروفة)، ولكن للعجب كانت موزونة للغاية مع كلمات الأغنية ولحنها، وأتذكر جيداً موضة الشعر «الحلمنتيشي» التي نالت شهرة خلال أوائل سنوات الألفية، وبعدها توارت هذه الشهرة، وكان هذا النوع من الشعر، إن جاء تسميته شعراً، يستخدم بعض الكلمات الفصيحة والعامية، وكلمات أخرى غير مفهومة تكتسب أحياناً قوة لغوية تجعلها تمر إلى القاموس المستخدم في الشارع بسهولة.

قد لا يفيد أن نسأل أنفسنا: «كيف تدنى الذوق العام إلى هذه الدرجة؟»، ربما يكون الأصح أن نسأل أنفسنا: لماذا تقبل الذوق العام مقطع «أنتش وأجري»؟

عوامل نجاح المقطع موجودة إلى جوار عوامل الغرابة والدهشة من هذا النجاح، فقط تحتاج من يفتش فيها ويستوعبها، وستتكرر «أنتش وأجري» مجدداً، وربما ما هو أغرب، طالما الذوق العام يستوعبها، وطالما كانت هناك عوامل نجاح فيها، خاضعة لطبيعة الزمن والظروف.