بوتين في عامه السبعين .. خطوات في طريق القيصر الروسي

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

أتمّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الجمعة 7 أكتوبر، عامه السبعين، وسط التهاني من المقربين منه  ومناشدة من بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية كيريل إلى الجميع بالدعاء بالصحة لأطول قادة روسيا .

ويواجه بوتين في عامه السبعين أكبر تحد في فترة حكمه بعد أن أدت الحرب الروسية الأوكرانية في أخطر مواجهة مع الغرب منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

ومنحه المقربون منه لقب منقذ روسيا الحديثة، بينما طالب بطريرك موسكو وسائر روسيا الجميع بالابتهال يومين بالدعاء ليمد الله بوتين "بالصحة والعمر المديد".

وتضرع كيريل بالدعاء قائلا "ندعوك، يا إلهنا، لرئيس الدولة الروسية، فلاديمير فلاديميروفيتش، ونسألك أن تمن عليه برحمتك الواسعة وأن تتفضل عليه بكرمك، وأن تمنحه الصحة والعمر المديد، وأن تنجيه من المكائد ما ظهر منها وما بطن، وأن تجعله من الراسخين في الحكمة والقوة الروحية".

نسرد خلال هذا التقرير أبرز المحطات في حياة القيصر الروسي .

ولد فلاديمير بوتين في مدينة لينينجراد التي عانت من آثار الحصار الذي استمر 872 يوماً خلال الحرب العالمية الثانية.

كان فتى شرساً ومقاتلاً في المدرسة، يتذكره أقرب أصدقائه ويقول: "كان يتعارك مع أي شخص لأنه لم يكن يخاف من أي شيء".

إلا أن هذا الصبي الصغير النحيل لكن شديد العزم، كان يحتاج الى شيء آخر ليستطيع مواكبة الحياة في مدينة اجتاحتها عصابات الشوارع، فالتحق بأول درس له في رياضة السامبو (أحد فنون القتال الروسية) بمجرد بلوغه الثانية عشر من العمر، ثم التحق بدروس الجودو.

كان الطفل بوتين حازماً ومنضبطاً، وببلوغه سن الـ 18 عاماً، نال الحزام الأسود في لعبة الجودو وفاز بالمركز الثالث في المسابقة الوطنية للناشئين.

دخول الـ" كي جي بي"

دخل بوتين مكتب الاستعلامات في المبنى الذي كان مغطى بالسجاد الأحمر الخاص بالمخابرات الروسية "كي جي بي"  ولم يكن يتجاوز سن الـ 16، ليسأل الضابط الجالس خلف المكتب عن متطلبات الانضمام إليهم.

قيل له إنه بحاجة إلى إكمال الخدمة العسكرية أو الحصول على شهادة علمية، فسأله عن الشهادة الأفضل، فكان الجواب دراسة القانون.

ومنذ تلك اللحظة، عزم بوتين على الدراسة والتخرج في كلية الحقوق، وبعد ذلك تم تجنيده على النحو اللازم.

بالنسبة لبوتين، ابن الشارع الذكي، كانت المخابرات الروسية، توفر الأمن والتقدم حتى لشخص ليست لديه صلات بالحزب.

لكن ذلك كان يمثل أيضاً فرصة للترقي والدخول في أوساط أكثر نفوذاً، كما قال بنفسه في إحدى المرات عن أفلام التجسس التي شاهدها في مراهقته: "يمكن لجاسوس واحد أن يقرر مصير آلاف الأشخاص".

مغادرة الخدمة

ترك بوتين المخابرات الروسية عندما انهار الاتحاد السوفيتي، لكنه سرعان ما حصل على منصب مساعد لرئيس البلدية في مدنية سانت بطرسبرج.

كان الاقتصاد في حالة من السقوط الحر، وكُلف بوتين بإدارة صفقة لمحاولة مساعدة سكان المدينة على تدبر أمورهم، والقيام بمبادلة ما قيمته 100 مليون دولار من النفط والمعادن، بالطعام.

وفي التسعينيات كانت البلاد تمر بأوقات عصيبة، أدرك بوتين أن النفوذ السياسي كان عبارة عن سلعة نقدية، وأن رجال العصابات يمكن أن يكونوا حلفاء مفيدين، وإذا كان المحيطون به يستفيدون من مناصبهم، فلمَ لا يفعل هو ذلك أيضاً؟

بوتين الرئيس 

هيمن بوتين على المشهد السياس الروسي لنحو 23 عاما منذ أن اصطفاه الرئيس بوريس يلتسن ليكون خليفته المفضل في إعلان مفاجئ في ليلة رأس السنة عام 1999.

ومهدت تعديلات دستورية عام 2020 الطريق له ليظل حاكما لبلاده ربما حتى عام 2036، ولا يوجد مرشح منافس واضح ليخلفه.

ولدى بوتين جدول مزدحم بالاجتماعات والفعاليات العامة ويظهر واثقا في جميع خطاباته، ويستطرد في أحاديثه في مؤتمرات الفيديو حول مواضيع تتنوع من الطاقة إلى التعليم. وأنكر الكرملين تكهنات متكررة بمعاناته من مشكلات صحية مزعومة.

ومع تقدمه في العمر، بدا أن استغراق بوتين في التفكير في إرثه يتصاعد، ففي يونيو الماضي قارن أفعاله في أوكرانيا بحملات القيصر بطرس الأكبر، وأشار إلى أن كليهما انخرط في مهام تاريخية لاستعادة الأراضي الروسية.

وازداد شغف الرئيس الروسي بالاقتباس من الفيلسوف الروسي إيفان إيليين، الذي قال إن لدى روسيا مسارا روحيا مقدسا واستثنائيا عليها أن تتبعه حتى تعيد في نهاية المطاف النظام إلى عالم يفتقر إلى المثالية.

وأظهر بوتين، في لقاء تلفزيوني مع معلمين هذا الأسبوع، اهتماما كبيرا بحلقة أخرى من حلقات التاريخ، وهي ثورة للفلاحين في القرن الثامن عشر على الإمبراطورة كاترين العظيمة، وحمل "ضعف السلطة المركزية في الدولة" مسؤوليتها.

منقذ روسيا

ويقول أنصار بوتين إنه أنقذ روسيا من الدمار على يد الغرب المتغطرس العدواني.

وقال رمضان قديروف زعيم الشيشان: "اليوم، قائدنا الوطني، وأحد أهم وأكثر الشخصيات تأثيرًا في عصرنا هذا. الوطني الأول في العالم، رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين، يتم عامه السبعين".

وأضاف: "غيَّر بوتين وضع روسيا العالمي وأجبر العالم على أن يحسب حسابًا لبلدنا العظيم".

عودة الأمجاد الروسية

في أوقات سابقة كادت روسيا تفقد كل تأثيرها على مجريات الأحداث في المشهد الدولي، بل وهددت بعض توجهات السياسة الخارجية الروسية التي كانت موجهة بشكل حصري نحو الغرب، بتحويل روسيا إلى تابع لما تمليه السياسات الغربية وتحديدا الأمريكية.

وكانت خطورة ذلك تنبع من كون روسيا عضوا في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ولها حق النقض "الفيتو".

تمكن بوتين من استعادة الدور الروسي، وأصبحت روسيا بحق شريكا متساويا، ومؤثرا في تحالفات دولية رئيسية كثيرة، إضافة إلى إنشاء تحالفات بديلة للهياكل الغربية، تعمل حتى يومنا هذا بفعالية، وأظهرت دورها البارز في خضم الأزمة الأوكرانية الأخيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: منظمة شنجهاي للتعاون، منظمة معاهدة الأمن الجماعي، بريكس، وغيرها.

عودة القرم لأحضان روسيا

في مارس من عام 2014، عادت شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول إلى وطنهما الأم روسيا، بعد رحلة طويلة دامت عشرات السنين، وعلى الرغم مما يدعيه النظام في كييف، و"أسياده في واشنطن"، على حد تعبير بوتين، إلا أن الغرب أشاد، على استحياء، بالسيناريو الذي تم تنفيذه ببراعة، وجعل من الممكن إنفاذ إرادة سكان القرم، والحفاظ على الأمن والسلامة والاستقرار لصالح إرادة الأغلبية التي أرادت ربط مصيرها بروسيا، دون نقطة دم.

جيش قوي متتطور وحديث

في عهد فلاديمير بوتين، ظهرت صورة جديدة للقوات المسلحة الروسية القوية والحديثة والمدربة جيدا والمجهزة بأحدث الوسائل والتقنيات، حيث تبنى الرئيس برنامج تسليح الدولة وتم تنفيذه وتحديث ترسانات التشكيلات والوحدات العسكرية وبناء معسكرات حربية جديدة.

وأصبح الوفاء بالالتزامات الاجتماعية التي لم يكن من المنطقي تصورها حتى في زمن الاتحاد السوفيتي أمرا معتادا، وأصبح الجيش الروسي ثانيا بعد الجيش الأمريكي على مستوى العالم، على الرغم من أن الإنفاق العسكري الروسي أقل بكثير من نظيره الأمريكي.