خواطر الإمام الشعراوي : باب التوبة

 الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى

يواصل الإمام الشعراوى خواطره حول سورة البقرة فى قوله تعالى:»فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ بقوله: « لقد سألونى فى أمريكا: لماذا لم يظهر الإسلام فوق كل العقائد برغم أنكم تقولون: إن الله يقول فى كتابه: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ».

مع ذلك لم يظهر دينكم على كل الأديان، ولم يزل كثير من الناس غير مسلمين سواء كانوا يهودا أو نصارى أو بلا دين؟ قلت: لو فطنتم إلى قول الله: «وَلَوْ كَرِهَ الكافرون» و»وَلَوْ كَرِهَ المشركون» لدلكم ذلك على أن ظهور الإسلام قد تم مع وجود كفار، وظهوره مع وجود مشركين، وإلا لو ظهر ولا شيء معه فممن يُكرَه؟ إن العقيدة التى يكرهها أهل الكفر هى التى تعزز وجود الإسلام. إذن «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المشركون» يدل على أن ظهور الإسلام يعنى وجود كافر ووجود مشرك كلاهما سيكون موجودا وسيكرهان انتشار الدين.

وعندما نرى أحداث الحياة تضطر البلاد الغربية عندما يجدون خطأ تقنينهم فيحاولون أن يعدلوا فى التقنيات فلا يجدون تعديلا إلا أن يذهبوا إلى أحكام الإسلام، لكنهم لم يذهبوا إليه كدين إنما ذهبوا إليه كنظام، إن رجوعهم إلى الإسلام لدليل وتأكيد على صحة وسلامة أحكام الإسلام، لأنهم لو أخذوا تلك الأحكام كأحكام دين لقال غيرهم: قوم تعصبوا لدين آمنوا به فنفذوا أحكامه. ولكنهم برغم كرههم للدين، اضطروا لأن يأخذوا بتعاليمه، فكأنه لا حل عندهم إلا الأخذ بما ذهب إليه الإسلام. إذن قول الله: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المشركون» قوة لنظام الإسلام.

لا لتؤمن به وإنما تضطر أن تلجأ إليه، وكانوا فى إيطاليا على سبيل المثال يعيبون على الإسلام الطلاق ويعتبرونه انتقاما لحقوق المرأة، ولكن ظروف الحياة والمشكلات الأسرية اضطرتهم لإباحة الطلاق، فهل قننوه لأن الإسلام قال به؟ لا.

ولكن لأنهم وجدوا أن حل مشكلاتهم لا يأتى إلا منه. وفى أمريكا عندما شنوا حملة شعواء على تناول الخمور، هل حاربوها لأن الإسلام حرمها؟ لا، ولكن لأن واقع الحياة الصحية طلب منهم ذلك. إذن «وَلَوْ كَرِهَ الكافرون»، «وَلَوْ كَرِهَ المشركون»: معناهما أنهم سيلجأون إلى نظام الإسلام ليحل قضاياهم. فإن لم يأخذوه كدين فسوف يأخذونه نظاما. «فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ البينات فاعلموا أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ» أى إياكم أن تظنوا أنكم بزللكم أخذتم حظوظ أنفسكم من الله، فإن مرجعكم إلى الله وهو عزيز وعزته سبحانه هى أنه يَغلب ولا يُغلب، فهو يدبر أمورنا برحمة وحكم.


وحول قوله تعالى:»هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِى ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» يقول الشعراوي: أى ماذا ينتظرون؟ هل ينتظرون أن تداهمهم الأمور ويجدوا أنفسهم فى كون وإن أخذ زخرفة فهو يتحول إلى هشيم تذروه الرياح، ويصير الإنسان أمام لحظة الحساب.

وقوله: «هَلْ يَنظُرُونَ» مأخوذة من النظر. والنظر هو طلب الإدراك لشيء مطلق. وطلب الإدراك لأى شيء بأى شيء يُسمى نظرا. ومثال ذلك أننا نقول لأى إنسان يتكلم فى أى مسألة معنوية: أليس عندك نظر؟ أى هل تملك قوة الإدراك أم لا؟ إذن فالنظر هو طلب الإدراك للشيء، فإن طلبت أن ترى فهو النظر بالعين.

وإن طلبت أن تعرف وتعلم؛ فهو النظر بالفكر وبالقلب. وأحيانا يُطلق النظر على الانتظار، وهو طلب إدراك ما يتوقع. و»هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله»، يعنى هل ينتظرون إلا أن تأتيهم الساعة وتفاجئهم فى الزمن الخاص؟ لأنها لن تفاجئ أحدا فى الزمن العام، فسوف يكون لها آيات صغرى وآيات كبرى.

ومعنى أن لها آيات صغرى وكبرى، أن ذلك دليل على أن الله يمهلنا لنتدارك أنفسنا، فلا يزال فاتحا لباب التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها. وساعة نسمع قوله تعالى: «هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله»نقول: ما الذى يؤجل دخولهم فى الإسلام كافة؟ ما الذى ينتظرونه؟ تماما كأن تقول لشخص أمامك: ماذا تنتظر؟ كذلك الحق يحثنا على الدخول فى السلم كافة وإلا فماذا تنظرون؟ و»إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِى ظُلَلٍ مِّنَ الغمام والملائكة» .

اقرأ ايضا | خواطر الإمام الشعراوي.. مدرسة النبى