«السلفيون الجدد».. السوشيال ميديا بدلًا من المنابر

صورة موضوعية
صورة موضوعية

كتب: عمرو فاروق 

تعرضت المجتمعات العربية لحالة من التغريب الفكري والثقافي منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، تحت رعاية بعض الأنظمة السياسية التي مررت وعممت خطابًا سلفيًا وهابيًا، تبدلت فيه معالم الشريعة الوسطية، ووجُهت في إطاره الكيانات الدينية الرسمية وهامت منابر المساجد في مناطه ومقاصده.

تمتعت التيارات السلفية بمساحة كبيرة من الحرية والتمدد في العمق العربي، وتغلغلت في مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والدعوية، وصنعت جيتوهات داخل الدولة، وتحكمت (ماليًا) من خلف الستار في حسم مشاهد الصراع داخل المجتمعات لصالح مموليها.
لا تنسى أجيالا عديدة ما فعله هذا التيار السلفي في حياتهم من التكفير والتجهيل والتبديع والقتل، وتحريم أنماط وسلوك الحياة، والتحذير من كل مستحدث يخدم البشرية تحت مزاعم الحفاظ على الدين.

يحاول السلفيون الآن بأدوات جديدة السيطرة على الفضاء الإلكتروني، سعيًا في الاستحواذ على «العقل العربي» بخطاب غير تقليدي، لضمان عدم خروجه من حلبة السيطرة والتوظيف والتحكم، ومن ثم الإفول الفكري والتراجع الثقافي.

ممولو أو صانعو جيتوهات «السلفيون الجدد»، عبر منصات التواصل الاجتماعي، يعتمدون على رموز شبابية حديثة، لضمان تماهي رسالتهم مع القطاعات العريضة من المراهقين، وتأثيرها على مخليتهم العقلية، بعيدًا عن الرسالة الفوقية أو الأبوية، التي ربما تصنع حالة من النفور أو تؤدي إلى علاقة متوترة.

مثلما تحدثنا من قبل في مقالات سابقة، عن أن معركة «الإسلام السياسي»، لم تعد ترغب في الهيمنة على المساجد أو الأندية الرياصية والاجتماعية، أو المؤسسات الفاعلة في الدولة، في ظل انتقال الداوئر المجتمعية وحياتهم العامة والخاصة إلى ساحة الفضاء الإلكتروني ومنصاته، لا سميا «السوشيال ميديا»، ومن ثم تحولت المعركة من الميدان الواقعي إلى الميدان الافتراضي.

التمعن في ظاهرة «السلفيون الجدد» (الحالة المصرية نموذجًا)،  نجد أنهم يرتدون أقنعة شتى ومتعددة تخفي حقيقة مشروعهم الممول والمنسق داخليًا، ما بين الاحتماء بجدران المؤسسة الأزهرية الأشعرية، أو «اليتوبرية الدعوية»، أو منظري «التنمية البشرية»، أو مناهضي «التمدد الإلحادي»، أو صانعي «إفيهات السخرية المحافظة»، وغيرها من اللافتات التي تعمل على تقديم النموذج السلفي في شكله العصري المواكب للعولمة الرقمية، والمعني بالإشكاليات والقضايا المجتمعية.

أكثر ما يلفت الانتباه حول ظاهرة «السلفيون الجدد»، أنهم في منتصف الثلاثينات من عمرهم، ويركزون على احتلال مجال الميديا والإعلام، وساحة التدريب على الكتابة الأدبية والسيناريو والتأليف الروائي، فضلاً عن استغلال شهرتهم التي حققوها من خلفياتهم الدعوية، في دعم مشاريعهم التجارية الخاصة.

غالبية مروجي «السلفية المعاصرة»، استعانوا بشركات متخصصة في تسويق المحتوى الإعلامي، لضمان الوصول إلى أكبر شريحة مجتمعية ممكنة من القطاعات الشبابية التي ظنوا انهم وقعوا تحت تأثير فيديوهاتهم ومنصاتهم، لكن اغلبهم انكشف بمغامراتهم العاطفية

يتقدم صفوف مروجي «السلفية المعاصرة»، عبد الله رشدي، الممنوع من الخطابة بوزارة الأوقاف المصرية، والموجه إليه مؤخراً تهماً مخلة بالشرف من إحدى السيدات العراقيات التي تقدمت ببلاغ للنائب العام، والذي يلتحف بعباءة الأزهر الشريف، ويوقع دائما بصياغة «الأزهر قادم»، ويروج لفكرته تحت لافتة «السلفي الرياضي الروش».

يدخل حلبة السباق مع رشدي، الداعية السلفي محمد جعباص، الذي يقدم نفسه على أنه كاتب وسيناريست، وليس داعية بالمعنى التقليدي، ويعمل في صناعة العطور، ولا يغفل عن توظيف شهرته في دعم منتجات شركته والترويج لفروعها المنتشرة في عدد من المدن المصرية. 

قدم الداعية السلفي محمد جعباص، برنامج «كلاكيت تانى مرة»، وبرنامج «أسلمت جديدًا»، على مواقع التواصل الاجتماعي، وبرنامج «فاهم مش حافظ» على قناة «الندى»، السلفية التي يشرف على محتواها الشيخ أبو اسحاق الحويني، وكذلك طرح مجموعة من الكتب والروايات مثل كتاب»مسلم بالبطاقة»، ورواية «ليلى»، و»الحارس»، و»شيخ الطبول»، انتهاء برواية «يوم واحد تاني» والتي يسعى إلى تحويلها إلى عمل سينمائي، بعد تعاقده مع إحدى شركات الإنتاج السينمائية. 

بعض الإعلاميين مع الأسف يروجون بشكل غير مباشر، لهذه النماذج باستضافتهم في برامجهم، يأتي من ضمن مروجي «السلفية المعاصرة»، الداعية الشاب حازم الصديق، خريج هندسة القاهرة عام 2013، الذي يطرح منهجه من خلال صفحاته وقنواته على السوشيال ميديا، فضلاً عن «البودكاست» الخاصة به، HazCast on Apple Podcasts، وتوسعه في تأسيس قنوات أجنبية تخاطب المسلمين في الغربAlienBeard،(على حد قوله)،  ويعمل في صناعة الملابس، وتمكن من خلال شهرته من الترويج لشركته.

يتشارك حازم الصديق مع كل من الداعية السلفي أحمد عامر، والداعية السلفي شريف علي، في عمل برنامج على اليوتوب تحت عنوان «وعي»، وصلت عدد حلقاته إلى أكثر من 44 حلقة متلفزة تتناول إشكاليات التدين الظاهري، بجانب اعتياده استضافة عدد من رموز ودعاة التيارات السلفية المنتشرين في دول العالم.

يعتلى قمة مشهد مروجي»السلفية المعاصرة»،مدرب التنمية البشرية، أمير منير، الشهير بالداعية المودرن، ومؤلف كتاب «إلى الله في خمسة أيام»،  ويتابعه أكثر من 5 ملايين شخص.
يظهر منير في حلقاته التي تتعدى الخمس دقائق في خلفية «فيلته» بإحد الكمبوندات الفاخرة، كنوع من مغازلة شباب الطبقات الثرية، مثلما فعل عمرو خالد، الذي استطاع اختراق أعلى الطبقات المجتمعية في الشارع المصري، وتمكن من تحويل منازلهم لمقرات لإلقاء دروسه الدينية، والتأثير في شريحة عريضة من ذويهم، حتى تفوق عليهم ماليًا وحظى بشهرة عالمية.

لا يقل شهرة عن سابقيه من مروجي «السلفية المعاصرة»، الداعية محمد الغليظ، مؤلف كتب»قلب عجوز» و»هرم بل قمة»،و»سلم نفسك»، و»لا تندهش»، ويقطن مدينة الأسكندرية، وقد تخطت شهرته المنطقة العربية، رغم عدم تجاوزه الخامسة والثلاثين من عمره، ويروج للفكر السلفي  من خلال برنامج «فضفضة»، عبر قناته على اليوتيوب، ويتكسب من مجال  التدريب والدورات والدبلومات الشرعية، رغم أن دراسته بعيدة تماماً عن الجانب الديني، إذ تخرج في كلية الصيدلة بإحدى الجامعات الخاصة.

يليهم الدكتور أبو بكر القاضي، الحاصل على بكالوريوس طب الأسنان من جامعة الإسكندرية، والمحسوب على حزب «النور السلفي»، والذي يؤكد عبر فيديوهاته، أن السلفية منهج ملزم وطوق النجاة للبشرية، وكذلك كريم اسماعيل (لاعب المنتخب المصري السابق)، وحاتم الحويني، ومؤمن ندا، ومحمود داوود، ومحمود قمصان، خريج كلية التجارة بجامعة عين شمس ، وهيثم طلعت، وعمرو مهران، وشريف علي خريج كلية الهندسة بجامعة الزقازيق، وياسر ممدوح، ومحمد إبراهيم، وعمرو بسيوني، وأحمد سالم الشهير بـ» أبو فهر السلفي».

اقرأ أيضًا

«الأزهري» يحلل سبب تشويه التيارات المتطرفة للعلاقة بين الشريعة والحاكم

وكذلك الداعية السلفي أشرف قطب، مؤسس مدونة «علم بجد»، المعنية بطرح القضايا الشرعية، رغم أن صاحبها خريج كلية العلوم بجامعة بنها، وتلقى تعليمه الديني إلكترونيًا من إحدى الدكاكين السلفية، المسمى بـ»معهد الإمام البهوتي للتفقه الحنبلي»،والداعية السلفي، أحمد سالم خبير التنمية البشرية، والداعية السلفي محمد عبد الهادي، عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، والدكتور أحمد عبد المنعم، المدرس بكلية الطب جامعة المنصورة.

دعاة السلفية المعاصرة، تبدو عليهم مظاهر الترابط، في شكل مجموعات متصلة ببعضها، يتحركون في إطار شبه منظم دون غطاء محدد (يظهر هذا من خلال لقاءاتهم المتكررة)، ويعملون على صناعة دوائر شبابية متأثرة بالتوجه السلفي على مستوى الرؤية والفكر والسلوك، في محاكاة قريبة من مرحلتي الثمانينات والتسعينات، من خلال التغلغل في مناحي التفاصيل الحياتية واليومية للجماهير المستهدفة، رغبة في تغيير نمط تفكيرهم.

يمثل مروجو «السلفية المعاصرة»، جسرًا بين المواطنين وبين الدكاكين الفكرية السلفية المنتشرة عبر الشبكة العنكبوتية، التي تعمل على خلق دوائر مجتمعية موازية، مرتبطة فكرياً وعقائدياً بالتيارات الأصولية، ومؤمنة بإشكالياتها وقضاياها ومواقفها من النظم السياسية ومؤسسات الدولة التشريعية والسيادية والدينية، فضلاً عن قيامها بدور تعليمي وتأهيلي بديل ومنوط بالمؤسسة الأزهرية والأوقاف المصرية في تجهيز وتدريب الدعاة، بما يتفق مع الإسلام الوسطي والعصري بعيدًا من الانحراف الفكري والتطرف الديني.

يرجع الكاتب وائل لطفي، صعود ظاهرة دعاة التريند في كتابه «دعاة السوبر ماركت»، إلى الانتشار السّرطاني لوسائل الاتصال، إذ أن كل الدعاة الجماهيريين الذين عرفتهم مصر كانوا أبناء وسائل الاتصال في عصرهم، فكانت شهرة الشيخ الشعراوي، نابعة من انتشار التليفزيونات فى بداية السبعينيات، ونجومية الشيخ كشك كانت نتيجة دخول الكاسيت مصر عام 1975، وشهرة عمرو خالد أصبح، نابعة من انتشار الفضائيات فى بدايات الألفية.