منير مراد.. نجم فى الظل

الفنان منير مراد
الفنان منير مراد

محمد كمال

“سبع صنايع” لكن البخت “مش ضايع”.. فنان متعدد المواهب.. ممثل ومطرب وموسيقار ومنولوجيست ومؤلف ومساعد مخرج ومنتج.. عشق السينما وعمل بها من الصفر، من عامل كلاكيت إلى بطل، أغرم بالموسيقى وبدأها من أول السلم، تاريخ فني طويل أمتد لخمسة عقود، حيث بدأ المشوار عام 1950 حتى 1992.. أنه الفنان منير مراد الذي برغم موهبته لكنه كان دائما في الظل لم تسلط عليه الأضواء كثيرا، لدرجة أن الكثيرين يعتبرونه من أهم “المظلومين” في تاريخنا الفني، وظل هكذا طوال مسيرته، وحتى أيضا في وفاته التي كانت في 17 أكتوبر عام 1981، حيث وقتها كان كل الاهتمام ينصب على حادثة اغتيال الرئيس أنور السادات التي وقعت في يوم 6 أكتوبر من نفس العام، مما كان سببا رئيسيا في انشغال الجميع عن خبر وفاته أو حضور جنازته، فلم يشيعه إلى مثواه الأخير سوى أثنين فقط من أبناء شقيقته الفنانة ليلى مراد.

برغم تميز منير مراد في كل المجالات التي قدم خلالها موهبته، إلا أن يظل اسمه أكثر اقترانا بالموسيقى بحكم ظهور الجزء الأكبر من موهبته معها، فقد كانت بداية الموسيقار منير مراد مع الجيل الذي ظهر مع عبد الحليم حافظ، وقدم ما يزيد عن ثلاثة آلاف لحن فى مشواره الطويل. وعاصر الذين تربعوا على عرش الأغاني لفترات طويلة، وهم بجانب منير مراد الثلاثي الشهير محمد الموجي وكمال الطويل وبليغ حمدي، وخلال فترتي الخمسينيات والستينيات تحديدا سيطر الرباعي على سوق الأغنية تماما، وتألقوا مع كل المطربين، ومن بينهم منير مراد الذي له مسيرة مهمة مع الثنائي شادية وصباح اللتان شاركتا أفضل ألحانه وموسيقاه، بجانب مشواره مع “العندليب الأسمر”، عبد الحليم حافظ.

ورغم الأقاويل والشد والجذب الذي انتشر مؤخرا بعد إعلان مهرجان الاسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط عن إقامة احتفالية بمناسبة مئوية الموسيقار منير مراد، وهذا قبل إعلان المهرجان منذ أيام إلغاء تلك الاحتفالية مبررين بأن الأمر برمته غير دقيق حول مسألة ميلاده، لكن في كل الأحوال فكل هذا اللغط لا يمكن أن يؤثر على مسيرة ونجومية منير وموهبته الكبيرة.

ومعظم المصادر تتفق على أن منير ولد في 13 يناير 1922 لأسرة يهودية، وهو الشقيق الأصغر للمطربة الراحلة ليلى مراد، والاسم الحقيقي لمنير هو موريس زكي مراد، لكن اسم شهرته وسط العائلة وأصدقائه كان منير والده هو زكي مراد ملحن اشتهر في أوائل القرن الماضي ووالدته جميلة روشو ابنة متعهد الحفلات الشهير في فترة العشرينيات إبراهيم روشو.

درس منير في المدارس الفرنسية، ثم التحق بالكلية الفرنسية، لكنه لم يكمل دراسته حيث ترك الكلية عام 1939 بسبب عشقه وولعه بالسينما، حيث بدأ العمل كعامل كلاكيت، حتى وصل إلى العمل كمساعد مخرج مع كبار المخريجن وقتها مثل توجو مزراحي في “سلامة”، وكمال سليم في “البؤساء” و”إلى الأبد”، ومع حلمي رفلة في “البطل” و”ليلة العيد”، ومع إبراهيم عمارة في “مسمار جحا” ثم مع أنور وجدي أكثر مخرج عمل له منير كمساعد في أفلام 7 أفلام هم “عنبر” و”غزل البنات” و”ياسمين” و”ليلة الحنة” و”قطر الندى” و”حبيب الروح” و”بنت الأكابر”، وظهر في دور صغير في فيلم “ليلة العيد” عام 1949.

على التوازي ومن خلال قربه من السينما بدأ منير في تنمية مسار آخر في موهبته في التلحين والتأليف الموسيقي فقد اتجه في البداية إلى موسيقى الجاز التي كانت رائجة في أوروبا وقتها، لكنه واجه صعوبات كبيرة في فرضها على المستمعين المصريين والترويج لها على مستوى السينما مع المنتجين، وكان أنور وجدي أيضا هو أول من أعطى الفرصة لظهور الموسيقار منير مراد من خلال تقديم الموسيقى التصويرية لفيلم “ياسمين” عام 1950، ثم في العام التالي قدمه أنور وجدي مرة أخرى في فيلم من إخراجه بعنوان “ليلة الحنة”، وكان الظهور الأول لاسم الملحن منير مراد، حيث قدم لحن أغنية “واحد أثنين” التي قامت بغنائها شادية، وهذان الفيلمان كانا نقطة انطلاق لمسيرة موسيقية مميزة لمنير مراد.

شكل منير ثنائي فني عظيم مع شادية، حيث يعتبر الكثير من نقاد الموسيقى أن أفضل الأغنيات في مسيرة شادية تلك التي كانت من تلحين منير مرادـ على سبيل المثال “ان راح منك يا عين”، “على عش الحب”، “القلب معاك”، “دبلة الخطوية”، “أوعى تسيبني”، “سوق على مهلك”، “شباك حبيبي”، “مقدرش أحب أتنين” و”دبلة الخطوبة”، وقدم منير للسينما فيلم واحد فقط من تأليفه حمل اسم “أنا وحبيبي” وشارك في بطولته مع شادية، ويبدو أن منير كان يسرد في الفيلم سيرته الذاتية، حيث أن البطل كان اسمه “منير” وكان فنان متعدد المواهب، والفيلم من إنتاج عام 1953 وكتب له السيناريو والحوار السيد بدير ومن إخراج كامل التلمساني.

وقدم منير العديد من الأغنيات لعبدالله الحليم حافظ، مثل “أول مرة”، “حياة قلبى وأفراحه”، “حاجة غريبة”، “ضحك ولعب وجد وحب”، “بكرة وبعده”، “بأمر الحب” و”بحلم بيك”، كما قدم منير العديد من المقطوعات التي رقصت عليها العديد من أشهر الراقصات على غرار تحية كاريوكا وسامية جمال ونعيمة عاكف.

حملت مسيرة منير مفاجأتين من العيار الثقيل، الأولى أنه من الملحنين القلائل في مرحلتي الخمسينيات والستينيات ممن لم يقدموا أغنيات لأم كلثوم رغم أن زملاء جيله الثلاثي الموجي والطويل وبليغ قدموا أغنيات لها، وقال وقتها الموسيقار المعروف باسم موريس أن الألحان التي يقدمها والتي يرى أنها تعتمد على الأغنية الخفيفة والقصيرة لا تتناسب مع “كوكب الشرق”، وأنه ليس لديه إستعداد لتغيير نمط وشكل الألحان التي يقدمها.

أما المفاجأة الثانية في مسيرة منير الفنية أنه قدم ألحان قليلة جدا لشقيقته الكبرى المطربة الشهيرة ليلى مراد، وأشهرها “يا رايح على صحراء سيناء”، وهي الأغنية الوطينة التي عادت بسببها ليلى مرة أخرى للغناء بعد اعتزالها 12 عاما، لكن جاءت هزيمة يونيو 1967 لتقرر ليلى العودة مرة أخرى لتقدم تلك الأغنية للجيش المصري.

محفوظ عبد الرحمن و حكاية لقاء عابر

ذات يوم من أيام صيف عام ١٩٧٩م كنت في زيارة عمل لإحـدى شركات الإنتاج، وعند دخولي فوجئت بأصحاب الشركة يقدمون لي الفنـان الشامل “منير مراد” الذي لم أكن قد التقيت به من قبل، والذي لم أتوقع أيضا أن أراه، لأنه يعمل في مجال فني بعيد بعض الشيء عن مجالي، ولأنه كان في تلك الفترة نادر النشاط ولا يسمع عن أخباره الكثير، حيث لم يعد يذكره أحد إلا عند الحديث عن ماضيه كممثل سينمائي ومغن وملحن، وكذلك لكونه من أسرة فنية عريقة، أشهر أفرادها هي السيدة ليلى مراد ساحرة الشاشة السينمائية، والتي كانت – وأظنها ما زالت - أسطورة فنية بحق.

ويعرف المهتمون بتاريخ الفن المصري رب هذه الأسرة، وهو الفنان الكبير “زكي مراد” الذي كان مطربا مهما قبيل بزوغ نجم محمد عبد الوهاب، وقد يعرف البعض كذلك ابنته سميحة التي ظهرت على الشاشة الفضية كممثلة في دور سينمائي وحيد، وبالطبع فإن هؤلاء ليسوا كل أعضاء هذه الأسرة الموهوبة.

أعود إلى ذلك اللقاء بيني وبين “منير مراد” والذي أظنه قد ذهب بدعوة احد مديري شركة الإنتاج وهو الموسيقي الكويتي يوسف المهنا الـذي كانت تربطه علاقات صداقة بمعظم (أهل المغنى) في مصر في تلك الفترة.

ولأسباب لها علاقة بالعمل استأذن المضيفون لدقائق امتدت إلى أكثـر من ساعة، ولم أعرف وقتها كيف أبدأ حواري معه، إلا أن الحديث ساقنا إلى رأيه في الفن أنذاك، حيث قال إنه بعد وفاة كل من “أم كلثوم” و”عبد الحلـيم حافظ” أخذ الغناء في الانحدار ، لكنه لم يمت لأن الفن لا يموت، إلا أنه لم يعد متألقا كما كان.

ولأنني أعرف أنه سؤال ثقيل على النفس، فقد استفسرت منه على حذر عن أسباب قلة نشاطه الفني؟ فأجاب على الفور قائلاً إن الوسط لم يعد كسابق عهده، فمشكلاته أصبحت أكثر بكثير من ذي قبل، ثم بدأ يتحدث عن عزلته، وهو الموضوع الذي استغرق معظم الساعة، بل وامتد حتـى بعـد عـودة المضيفين إلينا.

قال “منير مراد” فيما قال إن بيته هو قلعته كأقوى ما يحملـه التعبيـر الإنجليزي من معنى، يعيش فيه كل أيامه، ولا يخرج منه إلا لسبب قهـري، يمضي يومه في سماع الموسيقي بكل أنواعها، وفي القراءة، والاتصالات التليفونية بأصدقاء زمانه، وعندما يحل المساء يجلس في شـرفة بيتـه مـع ضيف أو أكثر، لكنه في أغلب الأوقات يكون وحده.

ولما كنت آنذاك قريبا من ذلك الأمر سألته: ألا تحس بالوحدة ؟ صاح فورا: لا طبعا! إنما أكون مع نفسي أحاورها وأستعيد ذكرياتي ... . وفـي نهاية اللقاء تبادلنا رقمي التليفون، ولكن أحدنا لم يتصل بالآخر .

ومنذ فترة أتاح لي “وسام الدويك” قراءة مخطوطة كتابه “التياترجي ... منير مراد” فعرفت عن ذلك الفنان الشامل الكثير الذي كنت أجهله، و وسـام شاب موهوب جاد أقرب – على الأقل في الظاهر - إلى الشعراء (وهـو شاعر فعلاً) أو القصاصين أو الرسامين، لكنه باحث جاد، ويقدم كتابا مهما. 

والأبحاث التاريخية الجادة نادرة، فنحن لم نهتم بتاريخ الفن بالقدر الذي اهتممنا فيه بالتاريخ السياسي، والهوة بين هذا وذلك مفزعة، في حين أن الفن كان سمة مهمة من سمات المجتمع المصري منذ زمن “الخديوي إسماعيل” على الأقل وحتى الآن، إن لم يكن في كل العصور.

وبالطبع فإن ندرة المراجع والمصادر تعد عائقا كبيرا في طريق مؤرخ الفن، وها نحن نرى وسام الدويك” في كتابه هذا يلجا حتى إلى الحـوارات الإذاعية التي أجراها “منير مراد” وإلى الحكايات التي حكاها عنه من عرفوه وعاصروه، وياتي إلى ما كتبته عنه الصحف العربية.

 أظن أنني – بما أكتبه هنا أيها القارئ العزيز - أمثل سدا أمامك وأنت في طريقك إلى هذا الكتاب المتميز ... معذرة ... وتفضل.

 

محفوظ عبد الرحمن

من كتاب التياترجى .. منير مراد

التياترجى

في كتابه “التياترجي” والذي صدر عن المجلس الأعلى للثقافة بتقديم الكاتب الكبير الراحل محفوظ عبد الرحمن، يكشف المؤلف وسام الدويك، أسراراً تعلن لأول مرة عن الفنان والموسيقار الراحل منير مراد.

وبمقدمة كاشفة لأسرار جديدة عن حياة منير مراد، يرتحل بنا الكاتب محفوظ عبدالرحمن في ذكريات لقاءاته معه سارداً العديد من المواقف التي دارت بينهما بما لهما من قرب العلاقة.

ويكشف عبد الرحمن في مقدمته للكتاب عن أسباب ابتعاد منير مراد في أواخر أيامه عن الوسط الفني وقلة أعماله وأسباب عدم خروجه من منزله إلا نادراً.

ليبدأ الكتاب في أخذنا إلى عالم منير مراد السري الذي يجهله الكثيرون حيث يكشف العديد من الأسرار التي تعلن للمرة الأولى عن حياة الفنان الراحل، سواء الشخصية أو الفنية والأعمال التي خاضها والفنانين الذين عملوا معه وزيجاته وحقيقة ديانته والشائعات التي دارت حوله.

كما يستعرض الكتاب علاقته بشقيقته الفنانة الكبيرة ليلى مراد، وكيف عاش حياته مظلوماً فنياً وكيف طاله الظلم بعد مماته، ولماذا كان تميزه في فنه السبب الرئيسي في هذا الظلم.

ويستعرض الكتاب الأكاذيب التي نالت منير مراد بعد وفاته وكيف تسبب الإنترنت في انتشار تلك الأكاذيب.

ويغوص الدويك في كتابه عن أسرة منير مراد فيخصص فصلاً للحديث عن والده المطرب الراحل زكي مراد، وشقيقته ليلى مراد وباقي العائلة ليبدأ بعدها في سرد حياة منير مراد بشكل تفصيلي وأعماله التي ظلت خالدة حتى الآن.

اقرأ أيضأ l بسبب تاريخ الميلاد.. «الإسكندرية السينمائي» يأجل الاحتفال بمئوية منير مراد