رفعت الجلسة| خطايا.. لا تغتفر

خطايا.. لا تغتفر
خطايا.. لا تغتفر

«صبراً سيدى القاضى، رجاء لا تصدر حكمك الآن، هى غاضبة منى قليلا، وأنا معترف بخطئى كله، ومطمئن أنها ستهدأ، وستخضع لقلبها الطيب الحنون وتعفو عنى.. فقط اتركنا نتصالح، امنحنا مهلة أخيرة، فما بيننا حياة، تخللتها لحظات فرح وحزن، وسنوات من العشرة كان ثمارها أرواحاً صغيرة صافية نقية بريئة هم أطفالنا، رجاء من أجل كل ذلك اقبل طلبى..

فلا أستطيع العيش بدون أسرتى لحظة واحدة.

أنا هنا ، سيدى القاضى لأخبرها أمام الجميع وأعترف أننى بدون أسرتى يتيم مشرد، أعيش كالطفل التائه الذى يبحث عن أبويه، أحتضن صور صغارى ليل نهار، وأتنفس بذكريات سعادة عايشتها للحظات معهما..

لكن فات الميعاد، وأصبحت لا ألوم إلا نفسى، فما حدث منى أتحمل كل عواقبه، لكننى حضرت على أمل أن تصفح وتعفو عنى زوجتى، وأعود إلى بيتى أستكمل حياتى الأبدية مع أولادى.

كانت الساعة قد اقتربت من العاشرة صباحاً، الزحام شديد أمام محكمة الأسرة بزنانيرى «شبرا» ، وفى زاوية قريبة من القاعة المواجهة للسلالم بالطابق الثالث، جلس ذلك الشاب على الأرض، تتنفس دخان سجائره، كان يتملكه القلق، وتأخذه الرهبة، كلما تشابه إليه شخص ينتظر حضوره، حاول كثيرا أن يتمالك نفسه ويسيطر على عصبيته الزائدة، ألقى بسيجارته على الأرض، داس عليها بقدمه بقوة، وبدأ يتنفس ببطء، بعدها ألقى ببصره الى الأعلى، ثم استدار بظهره بعيدا عن المصعد.

لحظة وعاد الى قلقه من جديد، وفجأة نهض مسرعاً، لقد حضر ذلك الشخص الذى طال انتظاره، رمقه بعينيه وهو يصعد السلالم، حاول الاقتراب منها والتحدث معها، لكن محاميها طلب منه الابتعاد، وحذره بتحرير محضر ضده وإحضار الشرطة للقبض عليه.

استجاب ذلك الضعيف المستسلم لتهديدات المحامى، هو لا يريد صراعا آخر، كفى سنوات من البعد والفراق، عاد بأقدامه الى الخلف، أسقط رأسه إلى الأسفل، وكأن ما ارتكبه هو عار يلاحقه فى كل مكان يذهب إليه، شعر أن المواجهة الأولى فشلت، كان يمنى النفس بابتسامة شوق تبادله زوجته له، لكنها تجاهلته، رفضت حتى النظر إليه، لم يكن أمامه سوى محاولة ثانية، تحرك ببطء إلى قاعة المحكمة، حيث نظر جلسة الطلاق للضرر التى أقامتها زوجته ضده.

كعادته جلس وحيدا فى زاوية بالقاعة، ورغم ذلك لم تفارق عيناه زوجته، كان يراقبها لحظة بلحظة، حتى تناسى أنه هنا لحضور جلسة طلاقهما، فجأة شرد بعقله، تذكر ابناءه، عاد ببصره مرة أخرى إلى حيث تجلس زوجته، حاول البحث عنهما لكنهما لم يحضرا جلسة الحكم.

كان ذلك الأب الحزين يمنى نفسه أن يراهما، كثيرا ما حلم بحضنهما، أراد من تواجدهما اليوم، ان يكونا جسر التصالح مع والدتهما، لكنهما غابا، ولم يعد أمامه سوى القاضى، فهو الشخص الوحيد الذى يستطيع بحكمه أن ينهى الارتباط أو يبقيه.

تنفس الصعداء، وألقى بظهره إلى الخلف، وبدأ يفكر فيما سيقوله للقاضى على أمل أن يعطى له مساحة للتصالح مع زوجته بعد أن حجز القضية للحكم بجلسة اليوم.

على الجانب الآخر، تجاهلت الزوجة وجود زوجها فى قاعة المحكمة، أصرت على إعطاء ظهرها له، فكلما رأته تذكرت سنوات الخيانة ونكران الجميل التى عانتها مع ذلك الزوج، فقد حضرت هنا بعد أن اتخذت قرارها النهائى «لا حياة مع هذا الرجل».

وسط حالة من الترقب سادت قاعة المحكمة، خرج القاضى على المنصة، نادى الحاجب على طرفى الدعوى الأولى، بعدها طلب القاضى من الزوجة أن تشرح أسباب دعواها للطلاق للضرر من زوجها، على أن تقتصر فى حديثها لوقت المحكمة.

قالت الزوجة «الأربعينية «: سيدى القاضى، ترددت سنوات قبل اتخاذ هذه الخطوة، سامحت وغفرت كثيرا، لكن الخيانة كانت حاضرة فى كل مكان يذهب إليه ذلك الزوج القابع خلفى.

نعم سيدى القاضى»لقد تزوجته عن حب، كان زميلى فى الجامعة وقريبى فى النسب، تخرجت فى كلية التربية وعملت مدرسة، وهو تخرج فى كلية التجارة واكتفى بالأعمال الحرة، عشنا سنوات من السعادة معا، وزادها أولادنا بهجة وسرورا، لكن الغرور كان له رأى آخر، ظن زوجى أنه وسيم، استمع إلى كلمات الاستحسان التى كان يتلقاها من زملائه، سلم عقله للشيطان، حول هاتفه وسيلة لاستقطاب الفتيات، ومحله مصيدة للإيقاع بهن.

لقد شاهدت سيدى القاضى الخيانة بعينى، رأيته يتغزل أكثر من مرة مع سيدة عبر الهاتف، ويذم فىّ، ويصفنى بأبشع الألفاظ، حتى يستطيع أن يقنع الفتاة «المخدوعة» أنه مظلوم، ولديه حق فى خيانة زوجته.

ورغم ذلك سامحته وغفرت له، بعد أن توسل لى وطلب عفوى، وقتها أقنعت نفسى أنها نزوة وستنتهى، لكن ما حدث سيدى القاضى كان قاسيا جدا، تزوج زوجى عرفيا بفتاة كانت تعمل معه فى المحل،علمت ذلك صدفة، وجدت ورقة الزواج العرفى فى أحد ملابسه القديمة، وقتها لم أكن أعرف ماذا أفعل؟، أخذت أولادى وذهبت إلى منزل أبى، عشت بعيدة عنه لعدة أشهر، حتى حضر متوسلا ، باكيا ، واعدا بأنه لن يكرر ذلك ثانية، وان اسرته هى كل حياته.

وقتها رفضت كل توسلاته، لكن ابناءنا ضغطوا علىّ، ليل نهار يطلبون رؤيته والحديث معه، حقيقة رغم خيانته إلا أنه حنون على أولاده، صارم وناصح لهم فى نفس الوقت، يعشقهم ، بل يعبدهم ، لايتحمل فيهم شيئا.

لذلك سامحته للمرة الثانية، طلبت منه أن يتوب الى الله، وان يرعى أسرته ويحافظ عليها، لكن تمر السنون، واتفاجأ بهاتف من سيدة غريبة، تخبرنى انها تزوجت من زوجى عرفيا، وأنها تريد الطلاق منه، لأن قريب لها سيتقدم لخطبتها وزوجى يساومها على أموال مقابل تمزيق ورقة العرفى التى بينهما، فى هذه اللحظة جن جنونى، ظللت أصرخ لدقائق معدودة، أمسكت فى ثوب زوجى، وحاولت الاعتداء عليه، لكنه قام بضربى بقوة، جعلنى أفقد الوعى ، لأجد نفسى فى المستشفى، أخبرنى الأطباء أننى مصابة بمرض السكر والضغط.

أغلقت سيدى القاضى أبواب العودة أمام زوجى، لم أنس ما فعله معى، وضربه وخيانته وإهانته لى، طلبت منه مغادرة المنزل، فأنا من أسدد إيجاره، جهزت له حقائبه، وطلبت من شقيقى انهاء الأمر معه نهائيا، لكنه رفض الطلاق، عاد الى جنونه، واخذ يلاحقنى فى كل مكان، يتوسل ويبكى ويندم، لكننى رفضت، وعندما تمادى فى رفضه بتطليقى، قررت اللجوء للقضاء للخلاص منه.

نهاية سيدى القاضى «لا أريد سوى حريتى، منحت ذلك الزوج فرصا كثيرة، عفوت و تغافلت عن كثير من فظائعه، لكنه لم ينظر مرة واحدة مع كل خيانة إو إهانة الى مصير أسرته، بل بحث عن إشباع رغباته، جرى وراء غروره وجماله الباهت.

قدمت الزوجة للمحكمة مستندات شملت ورقتى الزواج العرفى للزوج من أخريات، وصور من محادثاته مع إحدى السيدات عبر الهاتف، ومحاضر الضرب والتعدى عليها من قبل الزوج.

فى تلك الأثناء، كان الزوج يراقب حديث زوجته أمام القاضى والدموع تنهمر من عينيه، يؤم برأسه بالندم بعد كل كلمة ترمقه بها، كل ما كان يفكر فيه هو أن يحتضنها ويتوسل إليها أن تغفر له وتسامحه، لكن فات الميعاد، فأى قرار خاطئ أمام المحكمة قد يقوده الى السجن، فقد حررت الزوجة ضده 7 بلاغات لعدم التعرض.. انتظر الزوج حتى انتهت الزوجة من حديثها.. بعدها نهض مسرعا فى اتجاه المنصة، طلب من القاضى الحديث فسمح له.

قال الزوج «هى صادقة سيدى القاضى فى كل ما ذكرته، أنا زوج خان زوجته مرات كثيرة ، حاولت اصلاح نفسى لكننى لم أستطع، أعترف أمامك أن بعدى عن الله وترك نفسى مطية فى يد الشيطان كان السبب، لكن هناك أمور اخرى تعلمها زوجتى جيدا، كانت أسبابا أخرى فيما أنا فيه اليوم.

وتابع الزوج «ولدت سيدى القاضى مدللا، كنت وحيد أبى وأمى، الجميع يغدقون علىّ بالأموال والهدايا، لم يسمح والدى لأحد بإهانتي او رفض طلبي، أثرت هذه النشأة فى حياتى بعد وفاة ابى وامى بحادث سير، غرتنى وسامتى وبدأ الشيطان يمهد لى الطريق للخطيئة»

نعم أعترف، تزوجت عرفى مرتين دون علم زوجتى، وأنفقت عليهم كل أموالى، فى حين تحملت زوجتى الأنفاق على الأسرة وتعليم الاطفال.

هذا لكونها ابنة أصول حافظت على أبنائنا، أصبحوا متفوقين فى دراستهم وأخلاقهم» ، لذلك أنا هنا سيدي القاضى لطلب العون، منذ أن فارقتنى زوجتي والأولاد ، وانا لا حول لي ولا قوة، أهملت عملى، وبارت سلعتى، وأغلقت محلى منذ ايام، أصبحت أتحدث مع نفسى كثيرا ، مجرد التفكير فى عدم وجودهما يشعرنى بالجنون، أضرب رأسى فى الحائط، ولا أتركها إلا وانا فاقد الوعى.

سيدى القاضى أولادى بالنسبة لى هم كل حياتى، لا أتحمل فراقهم لحظة، فكيف العمر كله.. رجاء أجّل حكمك، وامنحنى فرصة للتصالح مع زوجتى.

نظر القاضى إلى الزوجة، سألها هل تقبلين فرصة اخرى، قالت «لا سيدى القاضى، منحته فرصا كثيرا، واختار نفسه» .

حاول الزوج أن يتحدث لكن طلب منه القاضى أن يصمت.

قال له، كفى ما ذكرت، المحكمة لديها دعاوى أخرى لنظرها، وبعد ساعة من الانتظار، أصدر القاضى حكمه بقبول الدعوى وتطليق الزوجة للضرر من زوجها.

إقرأ أيضاً|«شريفة» تلتمس من «وزيرة التضامن» الحصول على مساعدة نقدية من تكافل وكرامة