الخبراء : الاكتفاء بالاحتياجات الأساسية سلوك حضارى والأوروبيون يشترون الضروريات فقط

رجيم اقتصادى للحد من تضخم الأسعار.. «الفرط».. اتجاه إجبارى والغلاء يقهر «الوجاهة»

تضخم الأسعار-- د. عالية المهدى  -- د. رشاد عبد اللطيف
تضخم الأسعار-- د. عالية المهدى -- د. رشاد عبد اللطيف

عبد الصبور بدر

فلتت الأسعار، لا تجد من يحكمها، أو يقنعها بالتوقف عن القفز وافتراس راتب الموظف الشهرى فى أيام معدودة!.

بدخله البسيط وجد المواطن نفسه أمام غول ضخم يلتهم كل محاولاته التى يقوم بها للنجاة من الإفلاس والاقتراض وهو لا يدرى ماذا يفعل بجنيهاته التى فقدت قوتها الشرائية..

لم يعد فى مقدرة الأسرة الفقيرة شراء كيلو من اللحم بـ 180 جنيها أو فراخ، تجاوز سعر الكيلو منها 33 جنيها..

أو حتى زجاجة الزيت التى وصلت لـ34 جنيها إضافة إلى الارتفاع الجنونى فى أسعار الطماطم والبطاطس والبصل والخضراوات والأرز والفاكهة..

أمام هذه التحديات اضطر المواطن إلى أن يشترى القليل جدا من هذه الأشياء ليضمن حقه فى تذوقها بعد أن يأس من الحصول عليها كاملة..

سجائر فرط وزيت فرط وسكر فرط ولحوم فرط وخضار فرط ودواء فرط بالحباية وشبكة عرائس فرط يكتفى فيها العروسان بدبلة نحيلة وكان الله بالسر عليم.

لم يخترع المصريون الذرة فهذا السلوك تطبقه منذ عشرات السنين دول أوروبية يؤمن مواطنوها بعدم التبذير وشراء ما يلزمهم من احتياجات فقط، إلا أن الفارق هو أن ممارسة المصريين لهذا السلوك إجباري، كما أنه لا يفى باحتياجاتهم المطلوبة!

أمام أكشاك السجائر تستطيع بسهولة ملاحظة شباب ورجال لم يستطيعوا الامتناع عن عادة التدخين السيئة حتى بعد ارتفاع أسعار السجائر فلجأوا إلى الشراء بالفرط.

أما سوق إمبابة فيكتظ بمواطنين فقراء جدا يشترون بقايا الطعام الذى كان فى طريقه إلى القمامة بأسعار زهيدة والغريب أنهم يشكون أيضا من أرقام الأسعار التى تتضاعف وجعلتهم مكتوفى الأيدى أمام فتات الطعام.

بجنيهات قليلة يمكنك الحصول على عبوة صغيرة من الزيت يفرغها لك البقال فى كيس شفاف.

ليس الزيت فقط هو ما يبيعه عم محمد فرط للغلابة ولكنه أيضا يبيع لهم عدة أصناف بنفس الطريقة مثل الخل والعسل الاسود والطحينة.

لدى محمد قناعة أنه يساهم فى حل مشكلة بسطاء لا يملكون قوت يومهم ويتحدث عن حالات يعرفها ويحكى قصصا مؤلمة لأشخاص ينامون بدون عشاء لأنهم لا يجدون ثمنه.

فى سوق إمبابة تستطيع مشاهدة أشياء تباع وتشترى وأنت تظن أن مكانها الوحيد هو صندوق القمامة فداخل السوق تباع هياكل الدجاج وهى عبارة عن عظم الصدر والرقبة والأجنحة والتى يتزاحم عليها هؤلاء الفقراء كبديل للحوم أو الدواجن عن طريق استخدامها فى عمل شوربة.

تصف سعاد أحمد (ربة بيت) الأسعار بأنها نار، وتقول: الست الشاطرة تعرف كيف تدبر أمورها فى أصعب الظروف، وتضيف: عندما يعلو سعر سلعة معينة بشكل مبالغ فيه فليس من الصعب الاستغناء عنها، وتضرب مثالا بالأرز الذى رفضت دخوله البيت وفكت عنه الحظر حين هبط سعره، ولذلك فإنها عندما تذهب إلى السوق تختار دائما أنواع الطعام الرخيصة وتترك الطعام الغالى لمن يملكون ثمنه، ولا تنكر أنها تقف عاجزة أمام السلع الضرورية التى لا يمكن الاستغناء عنها مثل السكر.

ويعترض محمود إسماعيل على الأسعار التى تقفز يوما بعد آخر ولا يستطيع ملاحقتها لكونه موظفا بسيطا بالتربية والتعليم ولديه أسرة مكونة من 5 أفراد لديهم من الطلبات ما يقصم الظهر..

يشهر يده الخالية فى وجوهنا وهو يقول: هاجيب منين، والمدارس عايزة طلبات قد كده وهدوم ودروس، والمرتب ما بيكفيش عيش حاف!

ويصف عبد الجليل عوض (موظف بالصحة) معادلة المرتب والأسعار بأنها من أعقد المعادلات، ومجرد خطأ بسيط فيها يؤدى إلى انفجارات غير محسوبة، ويقول إنه يحسبها بالورقة والقلم ويستغنى عن أشياء ضرورية جدا ويستبدل المنتجات الجيدة بالرخيصة حتى يتمكن من إطعام أولاده وسد احتياجاتهم الضرورية.

أما عادل فخرى (محاسب) فيقول: إنه لا يستطيع الاستغناء عن متطلباته الضرورية فى حين أن مرتبه لا يكفيه وهو ما جعله يحل تلك المعادلة الصعبة بالبحث عن عمل آخر يمنحه راتبا إضافيا يسمح له بالحياة بكرامة، وقد وجد بالفعل وظيفة بائع فى أحد المحلات بالعتبة قائلا: الشغل مش عيب..

العيب أمد أيدي.

تصف د. عالية المهدى أستاذ الاقتصاد بجامعة الاقتصاد والعلوم السياسية، سياسة الفرط انها سلوك متحضر وتقول: فى أوروبا يقومون به لأنهم أشخاص يمتلكون رشادة، اعتادوا على ألا يشتروا شيئا لا يحتاجون له، فلماذا يشترى الفرد الواحد مثلا 12 مثلثا من الجبن وهو يحتاج لأربعة فقط، ولماذا أشترى كيلو موز بينما احتياجى كله لثمرتين فقط، ونفس الشيء يطبق على أشياء كثيرة جدا.

وتضيف: لا يوجد أى شيء فى أوروبا صالحا يلقى فى صناديق القمامة، بينما يختلف الأمر لدينا فأغلب الأسر تعودت على أن تملأ الأطباق وفى نهاية الانتهاء من تناول الوجبة نجد الكثير من البقايا فى الأطباق.

وتستطرد: من الممكن أن تؤدى سياسة الشراء بالفرط إلى حل الأزمة فقد يحدث عن طريقها تخفيض فى الأسعار نظرا لعدم إقبال المواطنين على الشراء بكميات كبيرة، وقلة الطلب فى السوق على البضائع مرتفعة السعر، وسيحدث شيء من اثنين إما ان الشركات ستقوم بتقليل أسعارها لكى تبيع منتجاتها بشكل أكبر أو ان الكمية المنتجة ستقل بالفعل.

وتوضح: السيدة المصرية مدبرة بطبعها ولا تحتاج لخبير اقتصادي، فأى أم مصرية هى اقتصادية بطبعها، وسوف تبحث عن البضائع الجيدة قليلة الثمن وتترك الأشياء الغالية، ومن ثقافة السيدة المصرية الاستغناء عن السلع الباهظة وصنعها بالمنزل مثل المربى وغيرها.

ويؤكد د. رشاد عبد اللطيف أستاذ علم الاجتماع أن سلوك الفرط مرتبط كليا بالغلاء ففى كل وقت يقابل فيه المصريون مشاكل وأزمات اقتصادية وغلاء فى أسعار السلع يلجأون مباشرة إلى الفرط وشراء ما يسد احتياجهم فقط، ويتمنى أن يستمر هذا السلوك طوال الوقت.

ويتذكر الأزمة الاقتصادية عام 1930 عندما حدث كساد اجتاح العالم كله وتأثرت به مصر وبدأ أغلب الشعب المصرى يتجه لهذه السياسة ويقلص المصروفات، أما فى زمن خلافة سيدنا عمر بن الخطاب حدث وأن بدأ الشعب يأخذ ما يكفى احتياجاته فقط حتى على مستوى الجيش نفسه، ونفس الشيء حدث فى حرب 67 أيضا كنا نقول إننا يجب أن نقتصد فى مأكلنا وملابسنا فكنا نشترى ملابسنا من المناطق الشعبية.

ويقول: ومن المجتمعات الأوروبية التى تمارس هذا السلوك فرنسا وانجلترا وأمريكا وإيطاليا وغيرها الكثير، واصفا سلوك الفرط بالمتحضر وبأنه وسيلة توفير الكثير من الموارد المتواجدة فى مجتمعنا، ولو تم تعميمها فبإمكانها أن تجعلنا فى غنى عن مساعدات البنك الدولى أو صندوق النقد الدولي.

ويوضح: أن الشعب المصرى يحب وطنه وهو ما يعنى أنه على الدولة إعادة حساباتها خاصة بالنسبة للفئات الفقيرة المطحونة، لأن تأثير الغلاء عليهم هو الأصعب.

ويضيف: تحت شعار (بـ ناقص) يحاول المصريون الهروب من الإحساس المهين بالغلاء، وهو ما يجعلهم يستغنون عن الكثير من السلع التى تربك حساباتهم المادية، فبالنسبة للأكل فبدلا من الطعام الذى يفيد الجسم يتم التركيز على الأصناف التى تملأ المعدة.

ويقول د. أحمد عبد الله أستاذ علم النفس بجامعة الزقازيق: ليس كل المصريين شخصا واحدا، فمثلا هناك فئة ترى أن الغلاء يقتصر على أنهم لا يستطيعون شراء ملابس جديدة لأولادهم على العيد، أو عدم تناولهم للحوم والفراخ بشكل معقول، أو شعورهم بالحرمان من أشياء بسيطة تكون متاحة لغيرهم، فالشعور بالغلاء يختلف من شخص لآخر وفق ظروفه، وحسب مستواه الاقتصادي، ومن حيث الاستهلاك، فالأولويات نفسها تختلف، ومن يستطيع الاستغناء عن شيء ليس بالضرورة أن الآخر يستطيع الاستغناء عنه بنفس الكيفية، وهو ما يعنى أن التأثير ليس واحدا، فهناك رد فعل متباين، حينما ترتفع أسعار السيارات فهذا لا يهم الشخص العادى على عكس شخص فى طريقه لشراء سيارة، ولذلك تختلف نظرات المترددين على السوبر ماركت إلى سلعة معينة، فمنهم من لا يشتريها ومنهم من لا يتصور حياته بدونها.

إقرأ أيضاً|رئيس شعبة الدخان يكشف مفاجأة عن ارتفاع أسعار السجائر| فيديو