هبة سلامة تكتب: رسالة إلى بابا العزيز

هبة سلامة
هبة سلامة

بابا حبيبي.. لم أكن أدرك يوماً أني سأكتب هذه الكلمات عنك ولا تقرأها..  ونضحك سوياً كالعادة قائلا امدحي فيا زيادة شوية .. اعتدت أن أكتب بعض عبارات المدح أو العرفان العادية التي تحكي عن فضل الآباء على أولادهم أو جميل عملهم لهم أو دعوات لهم.. وغيرها، لكنها الآن ليست كتلك العبارات السابقة، فمداد كلماتي الآن الألم وكسرة القلب ولوعة الفراق مغموسة بالحنين والشوق إلى نظرة منك تزيل الهم وتنقي الروح وترمم القلب المكسور لفراقك،  كم أفتقد بشدة دفء المشاعر وأنا أرتمي بين ذراعيك داخل أحضانك، ألقي بهموم الدنيا ولا أحمل هما للعقبات التي تعرقل مسيرتي، وأستمد منك القوة للعودة إلى حياتي وكأن شيئا لم يكن..

 
أتعلم يا بابا.. اليوم في ذكرى وداعك أيقنت أنك كنت معونا لا ينضب من الطاقة الإيجابية التي أستمد منها قوتي لأعارك الحياة، فأنت ما زلت مرشدي ودليلي، تشير إلي للطريق الصواب، وأكمل مسيرتك بما أردت أن تجدني عليه، ورغم قسوة الحياة بدون أن أستظل بظلك إلا أنك دائما فى كل حركاتي وسكناتي، ويقظتي ومنامي، تسكن القلب وستظل ساكنه، فقد ترعرع بدفء مشاعرك وسمو حنانك، ورقة أناملك وهي تزيل ما علق بداخل روحي وهي تمسح على كتفي.. 


بابا العزيز..

 
 لا أعرف لماذا أكتب اليوم هل ليقيني أنك لن تقرأ فتتلاشى معاني الكلمات، أو لأنك لا تراها فليس هناك هدف من هذه العبارات.. فمداد البحور لن يستطيع أن يعبر عما أعانيه الآن من إحساسي وأنت غير موجود بجواري.. مرارة شديدة في حلقي، وألم شديد يعتصر قلبي، تاه الأطباء في وصف الأدوية حتى يزول ألم الجسد، لا يعلمون أن لمسة من يديك ونظرة حانية من عينيك كانت كافية لإزلة كل هموم وآلام الدنيا.


 ‏بابا العزيز.. وجع شديد يتملك ضلوعي، يغلق علي أنفاسي، ورجفة شديدة تعتريني واستغربوني ثم وضعوا علي أغطية حتى يعم الدفء أوصالي، لم يعلموا أن لحظة واحدة في حضنك الدافئ كافية لإزالة ما كنت أشعر، وأعلم جيدا أن روحك تطوف الآن حولي، أشم رائحة عطرك في كل جنبات البيت، أشعر بأنفاسك وأنت تضمني إلى صدرك، فأنت هنا ما زلت تملأ الدنيا عبيرا بروحك، وتحمينا بدفء مشاعرك التى افنيتها فى رعايتنا.. 


 ‏أنتظرك كل يوم في لقاءنا في أحلامي، نسطر معا ما بدأناه وأنا أتعلم معك أن أحبو أولى خطواتي في هذه الدنيا، وكيف تكون مواجهة معارك الحياة.. 


بابا الغالي..  دائما ما كنت توصيني، وتطلب مني وتسألني.. وتطمئن على كافة أحوالي في معارك الحياة، وعن كثير من الأشياء بيننا،  وكنت دائما تحفزني إلى المجاهدة والصبر، بعذب كلماتك، قائلا:  "بنتي بميت راجل" واعتدت سماع كلمتك وتنفيذ ما تريده "ده انا بميت راجل"،  واتفقنا على كل شيء حتى أنك كنت تأخذ رأيي في كل شيء، لكن لم نتفق على ما فعلت بي يا أبي،  مرضت قليلا واتفقنا أن نذهب كالعادة للطبيب ونعود سويا لنطبق نظامه وتقول لي كالعادة "أنا مسؤوليتك" وأرد عليك من عيوني..


ورغم أن صوتي كان دائما كافياً ليجعلك تتنبه رغما عن أي شيء بك وتفتح عينيك وتبتسم لي كي أطمئن، إلا أنني لأول مرة صدمت لأنك لم تجبه لدرجة - سامحني يا حبيبي- أغضبتني .. وسامحتك لأنه لم يعد بيدك أن تجيبني لأنك أصبحت بين يدي الله.. ولأول مرة تخلف اتفاقك معي يا بابا!! 


أدركت الآن أن مرارة حلقي وآلام ضلوعي اليسرى ورجفتي التي أشعر بها لن تزول لأنها لم تكن أعراض مرض كما ظننت.. 
بل كلها أعراض فقد.. فقدتك يا أبي ولا أزكيك يا حبيبي على الله بل أتلمس طريق اعتيادي على هذه الآلام الظاهرة التي لا تفارقني وغيرها،  التي لا تستطيع عباراتي مهما استرسلت أن تصيغها وتوصفها. 


بابا الحبيب الغائب..  مر عام على ضياع روحي منذ فقدتك لكني أشعر وكأن ما حدث كان بالأمس، كل يوم يمر علي وأنت لست معي يترك بصمة سوداء على قلبي، لم أكن أتمنى أن أكتب لأرثيك يوما ما.. لكنها إرادة الله التي تعلو كل إرادة.. فاللهم اربط على قلبي وأجرني في مصيبتي وارحم أبي رحمة عرضها السموات والأرض وموتانا وموتى المسلمين أجمعين..