أديب والزفة الكاذبة للجماعة

د. خالد قنديل
د. خالد قنديل

حالة من المد والجذب انتشرت مؤخرًا بعد نشر الكاتب والإعلامى عماد الدين أديب مقالا له بعنوان (14 سببًا لسقوط الحكّام والأنظمة)، تساءل فيه لماذا تسقط الأنظمة بشكل تراجيدي؟ ولماذا لا ينتقل الحكم سلميًا دون أن يتمّ ذلك بأكلاف باهظة فى المال والأرواح؟

ومؤكدا أنه يبدو وكأنّ هناك فرقاً زمنياً بين عصور الإصلاح السياسى فى أوروبا وزمننا الحالى، وأن الفساد أحد هذه الأسباب المؤدية لسقوط الأنظمة.

وقبل أى إشارة إلى المقال والأسباب البديهية المعروفة لكل مطلع أو متابع والتى ذكرها أديب لسقوط الأنظمة، تجدر الإشارة إلى نقاطٍ مهمة تتعلق بهذا اللغط الذى دار بعد المقالة، حيث كانت القطرة الأولى التى حركت دلاء جماعة الإخوان والأهم للاحتفاء بمقاله فى مواقعهم وعلى صفحات السوشيال ميديا قاطعين بأن المقال برمته إسقاطٌ على الحالة المصرية.

وعلى الرغم مما ذكره الكاتب بأن المقال الذى أثار موجة من الجدل وسط انتقادات من إعلاميين بأنه «ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالحالة المصرية»، فإن تعليق أديب بعد ذلك ليس جديدًا أيضًا وهو أمرٌ مقطوعٌ به من حيث الواقع الآنى المعيش، غير أن هذه الجماعة المفسدة فى الأرض لا تترك فرصةً إلا واستغلتها لتعكير نهر الحياة المصرية.

ومع ذلك فإن محاولات انتقاد المقال والردود عليه أسهمت بحسن نية فى زيادة توجيه أفواه الإخوان وذيولهم الهاربين للمزيد من الإسقاطات حيث انبرت وقد نفت الردود والتعقيبات ما هو منفيٌ بشكل بديهي، وما يعلمه القاصى والدانى بأن مصر فى ظل أقسى الظروف التى مرت بها وما أضيف إليها من ظروف طالت العالم كله.

استطاعت أن تضع بناء الدولة الحديثة ولا تزال رغم كل شيء تستكمل مسار تنميتها، وتعيش واقعًا مغايرا تمامًا عما عاشه المواطن فى عقودٍ طويلة مضت، واقعًا لم يعد يخفى على أحد حول الدولة التى تسعى لتحقيق الإنجاز بكل ما أتيت من إصرار جميع مكوناتها قيادة وشعبا وحكومة.

والجميع شاهد حى على كل ما اتخذ من إجراءات جادة وجريئة فى سياق المسيرة التنموية والتى تضمنت الضرب على رقبة الفساد بيد من حديد دون الأخذ بأى اعتبارات، واستطاعت مصر ولا تزال على الرغم مما تعانيه مثل غيرها من دول كثيرة فى العالم أن تواصل ما بدأته بكل عزم وحزم وإصرار.

فاختلف الواقع على مستويين واقع المصريين الذين عاشوا عقودًا سابقة طويلة من التهميش ليشهدوا الآن طفرة باتجاه الحياة الكريمة اللائقة بمواطن فى دولة هى أم الحضارة فى العالم، واختلف كذلك واقع الصراعات والظروف العالمية التى نتج عنها مشاكل اقتصادية جمة للعديد من الدول وحتى الدول الكبرى، غير أنها لم تمنع الدولة المصرية من المضى قُدمًا فى مسيرة التحدى بكل صورها.

لكن ومع ما تقدم من صورة ومشهدٍ موازٍ، يبقى السؤال: هل كان مقال عماد أديب بحاجة إلى توضيح ما هو واضح؟ أم أنه احتاج إلى أحد أمرين إما عدم الالتفات، أو توجيه نصيحة لقلم يُفترض فيه الخبرة بألا يكون أولًا ذريعة واهية وورقة يلوح بها أعداء الوطن بالتناول والتأويلات والتحليل وما إلى ذلك، وكذا أن يرقى المقال لمستوى المقال الصحفى الذى يضيف جديدا بلغة صحفية لها اعتبارها، لا أن يكون ورقة محاضرة لدرس من دروس التاريخ الذى قُتل بحثا وخبرة به ومعرفة ودراية ليس فقط من الدارسين والأكاديميين ولكن من الشعوب التى تعلمت فى كتاب الحياة وصارت مدركة تماما لبديهيات الأمور التى لن تضيع وقتها فى الاطلاع على ما لا يُجدي.

وكان الأجدر بالأستاذ عماد الذى أعاد نشر نتائج أبحاث تاريخية تقليدية فى صورة مقال على مستوى الشكل الذى يخبو من مضمون أن يشير مثلا إلى اشتراك شعوب العالم كله فى مصير واحد فى ظل الأزمات العالمية المعقدة والتى أثرت على اقتصاديات العالم، وأن لكل حالة ظروفها، وأن يحفز روح تحمل المسئولية والوعى لدى قارئه، وربما وقتها يكون مقالا مواكبا للمكان والزمان ويستحق تفاعلا لم يكن ليجده لدى الجماعة المنبوذة التى لا تبحث عن القيمة أو الإضافة.