كنوز | حكايات مصطفى حسين مع «بيكار» فى ذكراه الثامنة

مصطفى حسين يجثو على ركبتيه ناعيا أستاذه الروحى حسين بيكار
مصطفى حسين يجثو على ركبتيه ناعيا أستاذه الروحى حسين بيكار

8 سنوات غابها عنا - بالجسد فقط لا غير - ناظر مدرسة الكاريكاتير حبيب المصريين القدير مصطفى حسين، الذى تحولت الريشة فى يده إلى «كرباج» يجلد به الفاسدين والمنحرفين، ويفضح فى رسوماته الضاحكة كل أمراضنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بشخصيات التقطها مع رفيق دربه الساخر الكبير أحمد رجب من قاع وسطح المجتمع، فعرفنا «الكحيت» الذى يتفشخر وهو حاله عدم، مثلما عرفنا نقيضه «عزيز بك الأليت»، وعرفنا «قاسم السماوى» أستاذ الحقد والحسد الأزلى، وعرفنا بقية الشخصيات التى بث فيها الحياة ووجدناها تحيط بنا فى الواقع المعاش.

مثل: «كمبورة - عبده مشتاق - فلاح كفر الهنادوة - عبد الروتين - مطرب الأخبار- عباس العرسة - على الكوماندا - عبده بالنفر - عبده مشتاق.. وغيرها». 

8 سنوات مضت لم تغب فيها «ضحكة مصر» التى حرصت صفحة «كنوز» على تقديمها من بحر مصطفى حسين الذى لا ينضب صباح كل خميس، ويشكر الكاتب خالد ميرى رئيس تحرير «الأخبار» على الاستعانة بكاريكاتير «مطرب الأخبار» و«الحب هو» صباح كل يوم بالصفحة الأخيرة التى يضيئها مصطفى حسين بريشته الساحرة الساخرة الخالدة. 

والحكايات عن مصطفى حسين الذى نحيى ذكراه الثامنة كثيرة ولن نعود للوراء كثيرا، نبدأها من خلال كتاب «شخصيات لا تُنسى» الذى قال فيه الكاتب الكبير مصطفى أمين: «بعد نصر أكتوبر 1973 وخروجى من السجن وصدور قرار بإشرافى على صحف ومجلات أخبار اليوم، لاحظت أن جريدة «الأخبار» تنقصها الرسوم الكاريكاتيرية، فكرت فى كاريكاتير بالصفحة الأخيرة، وآخر على عمود بالصفحة الأولى، وجدت السبيل فى تلميذى أحمد رجب الذى بدأ معى محررا فى مجلة «الجيل» وأكد لى أنه مستعد أن يعطى الأفكار للرسامين ليقوموا بتنفيذها، وعرفت أن عندنا رساما اسمه مصطفى حسين يقوم برسم وجوه الشخصيات المصاحبة للقصص الخبرية والأدبية، فاخترته لكى ينفذ الفكرة، بدأ أحمد رجب يفكر ومصطفى حسين يرسم، وفوجئت فى نهاية الشهر الأول بأن توزيع الجريدة زاد 100 ألف نسخة، جاءنى تقرير التوزيع ليؤكد أن سبب الزيادة هو الكاريكاتير الذى ينُشر فى الصفحتين الأولى والأخيرة، وعلى الفور قررت إعطاء 100 جنيه زيادة فى مرتب أحمد رجب ومصطفى حسين، ثار المحررون وغضبوا وانقلبت الدنيا عندما أرسلوا شكاوى إلى الرئيس السادات وقالوا إن مصطفى أمين أعطى 100 جنيه علاوة لمحرر وأنهم يرفضون العمل فى الجريدة، اتصل بى الرئيس وسألنى: «هل صحيح أعطيت علاوة لمحرر 100 جنيه شهريا ؟».

قلت: «حدث هذا فعلا لكن لاثنين من المحررين وليس واحدا»، اندهش الرئيس وقال: «كيف يحدث ذلك ؟»، قلت: «حينما طلبت منى الإشراف على أخبار اليوم قلت لى بالحرف الواحد قم بعملك الذى كنت تؤديه قبل أن تدخل السجن»، فقال الرئيس: «أليس من الأفضل لو أعطيت كل عامل 50 قرشا كل شهر وبالتالى تسعد جميع العاملين بالمؤسسة ؟»، قلت: «هناك فاشلون كثيرون كنت سأسعدهم بالمكافأة إلا أننى فقط أكافئ المجتهدين»، وبعد تلك الحادثة بدأ الرسامون فى كل الصحف يحصلون على مرتبات مجزية نظير عملهم، وأعطيت حرية النشر لأحمد رجب لكى يكتب ما يريد، لأن تجربتى علمتنى أنه لو تم وضع قيود على الكاريكاتير فسوف يفقد قيمته، وأنا أعتبر مصطفى حسين امتدادا للفنان عبد المنعم رخا، وأعتبر أحمد رجب امتدادا لى». 

هذا ما رواه الكاتب الكبير مصطفى أمين مع أنه بالتأكيد كان يعرف مصطفى حسين عندما بدأ يرسم فى مجلة «الاثنين والدنيا» التى كانت تصدر عن «دار الهلال» والتحق بها مصطفى حسين للرسم بالقطعة عام 1952، ونستأذن أستاذنا مصطفى أمين بشأن مسألة أن مصطفى حسين امتداد للكبير عبد المنعم رخا لاختلاف المنهج والمدرسة، مصطفى حسين تأثر كثيرا فى «البورتريه» وفن الكاريكاتير بأستاذه الفنان القدير «حسين بيكار» الذى قال عن مصطفى حسين أنه ليس فقط أحسن رسام كاريكاتير فى مصر والشرق بل هو واحد من القلائل فى العالم الذين بلغوا هذا المستوى الرفيع فى هذا الفن الذى يداعب مشاعر الملايين، ووصول الإنسان إلى النجومية ليس بالأمر اليسير، لأن العبقرية شىء نادر الوجود مثل الحجر الكريم، وقال أيضا إن الحديث عن مصطفى حسين فنياً وإنسانياً يتطلب حيزاً لا يدركه هذا الركن الصغير، فالسهل الممتنع لا تجد ما يقربه للأذهان مثل رسوم هذا الفنان القدير، فأنت تحس بخطوطه تنساب بسلاسة ورقة دون تعثر أو ثأثأة لتسكب فوق الصفحة حياة كاملة».

مصطفى حسين «عبقرى» من وجهة نظر أستاذه حسين بكار رغم أنه رسب مرتين بالفنون الجميلة لكثرة تغيبه عن الدراسة، ويوضح حسين بيكار قائلا: «كان مصطفى حسين يتميز عن بقية زملائه بأنه يجعل من لوحة الكاريكاتير عملا فنيا متكاملا خاصة إذا عالجها بالألوان والظلال وكل ما يتطلبه التصوير من أصول وقواعد، كان طالبا متفوقا على جميع زملائه، كان الطلبة يزوغون من الكلية ليلتقوا بالطالبات فى السينما، لكن مصطفى كان واقعا فى غرام معشوقته الصحافة التى كان على موعد معها كل يوم برسوماته، كان إغراؤها له لا يقاوم فكثر تخلفه عن الحضور للكلية، ولم أستطع رغم تحذيرى المستمر أن أثنيه عن الجرى وراء معشوقته، وكان لابد من تطبيق اللائحة وحرم أحسن الطلبة من دخول الامتحان وكان عليه أن يعيد السنة، ولو كان الأمر بيدىّ لكنت قد منحته البكالوريوس، بل الدكتوراة، وأعفيه من دراسة ليس فى حاجة إليها، فكم من حملة الشهادات لا يستحقون أن يغسلوا الفراجين التى يرسم بها مصطفى حسين، فاعتذر له عن تعسف اللوائح وأشعر أننى اغتسلت من عقدة الذنب التى ظلت تقلقنى طويلا وليغفر الله لى وللوائح!!».

ولمصطفى حسين حكاية مصيرية أخرى مع أبيه الروحى حسين بيكار رواها لى عندما تقابلنا فى مؤتمر الإعلام العربى بالمملكة الأردنية، قال إنه لا يحب محمد حسنين هيكل لأنه كان بصدد «فصله» من أخبار اليوم عندما أسند إليه الإشراف عليها بجوار عمله بالأهرام بعد سجن مصطفى أمين، والقصة تبدأ وتنتهى عند أستاذه حسين بيكار الذى صُعق عندما علم من «هيكل» أنه بصدد الاستغناء عن عدد من العاملين بأخبار اليوم وعلى رأسهم مصطفى حسين، يومها قال له «بيكار»: «إلا مصطفى حسين..

أرفدنى أنا ودع مصطفى»، نظر له «هيكل» بدهشة وهو يقول «ياه.. للدرجة دى؟!».

أستاذه وأبوه الروحى أنقذه من الفصل من أخبار اليوم، ويتجسد الوفاء الحقيقى الذى كان يتسم به مصطفى حسين عند رحيل أستاذه «بيكار» فرسم نفسه وهو يجثو على ركبتيه أمام صورة أستاذه وهو يكفكف دموعه ويقول: «أبكيك أبا عطوفا عفيفا مبدعا عادلا متواضعا رقيق الحس وأيضا فارسا لا يجود الزمان بمثلك».
رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته، كانا على قمة كتيبة القوة الناعمة، وسوف نتذكرهما ما حيينا لأن قوة مصر الناعمة..

لا تموت. 

 اقرأ أيضاً | في ذكراه السابعة.. لماذا فكر «هيكل» في فصل مصطفى حسين من «أخبار اليوم»؟