صدى الصوت

صديق المقريزى!

عمرو الديب
عمرو الديب

أذهلتنى جهوده المضنية لإنقاذ العديد من آثارنا الخالدة التى تهددتها أخطار الضياع أو الأسر فى ظلمة السراديب المهملة، فقد حشد العلامة الكبير د.أيمن فؤاد سيد طاقاته وأدواته، ليخوض معركة البقاء ومكافحة الضياع لبصمات فريدة فى الضمير العربى الإسلامى، وعلامات بارزة على جبين الحضارة العربية الإسلامية، وتوفر عالمنا الكبير على تحقيق عدد من النصوص الباهرة التى تمثل جزءا عزيزا من الذهن العربى، بل من المنجز الإنسانى كله، وقد ألزم نفسه أثناء عمليات التحقيق المعقدة بشروط مرهقة، منها مثلا البحث عن كل المتاح من الأثر المختار لتحقيقه، وقد أدى ذلك إلى التفتيش الحثيث فى كل مكتبات الدنيا عن نسخ النص المراد نفض الغبار عنه، وإتاحته للأجيال فى نشرات علمية مدققة، ولا تتوقف التزامات العلامة الفذ عند حد تجميع نسخ المخطوط

المتاحة فى مكتبات العالم للمقارنة بينها لاستخلاص أدق نص يطابق عمل المؤلف فى صورته النهائية، وقد تميز المحقق البارز بمقدماته الرائعة ودراساته المتعمقة الوافية وقد تضمنت قائمة منجز العلامة البارز استعادة واحد من أهم وأشهر عيون تراثنا العربى وهو أثر المؤرخ الكبير تقى الدين المقريزى «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» المعروف -اختصارا- بخطط المقريزى، وقد بذل أيمن جهدا خارقا بعد أن اعتمد الباحثون طويلا على طبعة سقيمة مليئة بالأخطاء، وقد صدر مؤرخنا الكبير نشرته العلمية المذهلة بمقدماته بالغة العمق والأهمية وهو نفس النهج الذى شهدته عملية تحقيقه لأثر المقريزى

الأشهر «اتعاظ الحنفا بذكر الأئمة الفاطميين الخلفا» الذى يعد المرجع الأشمل لدراسة تاريخ الدولة الفاطمية، ويبدو أن المقريزى وعالمه استهويا عالمنا القدير فتوفر مؤخرا على تقديم نشرة علمية لرسائل مؤرخ مصر الأشهر الصغيرة، وعلى الرغم من استحواذ المقريزى على جانب كبير من اهتمام محققنا النابه إلى حد اننا اطلقنا عليه صديق المقريزى إلا انه حقق أيضا عددا من النصوص الأخرى الرائعة، والآن وقد تخفف عالمنا الفذ من أعبائه الإدارية، وتفرغ لإنتاجه العلمى، فهل ننتظر منه المزيد من العطاء على طريق استعادة عيون تراثنا من فم الإهمال؟