أسرار الغجر في مصر.. شراء العرائس وعلاج الأمراض بـ«النار»| صور

غجرية حسناء في قلب القاهرة
غجرية حسناء في قلب القاهرة

خلال فترة الأربعينيات، وفي منطقة فم الخليج بالقاهرة تحديدًا، كانت توجد دولة داخل الدولة وهي «مدينة الغجر»، وكان يحكمها رجل في الخمسين من عمره يدعى الشيخ سيد إبراهيم سلمان، الذي ورث إمبراطور الغجر عن أبيه، وهو صاحب الرأي فيهم.

 

ومدينة الغجر كانت محاطة بأسوار عالية من الطوب النئ، بها بيوت ودكاكين كلها من الصفيح والقش، والبيت عبارة عن حجرة واحدة ليس بها نوافذ.

 

من هم الغجر؟

 

كان كل رجل وامرأة وطفل في هذه المدينة يؤدي عملا مدربا عليه منذ نعومة أظفاره، وليس فيها من لا عمل له سوى رب الأسرة الذي كان يجلس أمام عشته عند الغروب ينتظر زوجته وأولاده من الصبية والفتيات وكل منهم قد صر النقود التي حصل عليها في منديل ثم يلقى به في حجر أبيه، وكان يبلغ دخل رب الأسرة من 5 إلى 10 جنيهات في اليوم الواحد.

 

ونشرت مجلة آخر ساعة بتاريخ 13 أبريل 1949 قصة الغجر على لسان الشيخ سيد إبراهيم سلمان الذي بلغ إيراده الشهري في ذلك الوقت 100 جنيه؛ حيث قال: لسنا غجرا إننا عرب من سلالة الزير سالم، إنما الغجر هم الذين لا صناعة لهم ولا حرفة، إنما قومي ليس فيهم رجل أو امرأة أو طفل ألا يؤدي عملا يرتزق منه.

 

ومضى في حديثه وقال: الرجل الغجري إما أن يكن مداحا كأولئك الذين يطوفوا بالموالد أو مبيض نحاس أو ماسح أحذية ومنهم طائفة تمارس الصناعات الميكانيكية الخفيفة مثل تصليح الأقفال والمفاتيح، أما الشاب الغجري فهو الذي يعرض ألعابه في الطرقات كأكل النار والنوم على المسامير وسائر الألعاب المختلفة التي تكون في الموالد، والأطفال يجمعون أعقاب اليانصيب.

 

والمرأة الغجرية قال عنها الشيخ سيد: تقوم بطهارة الأطفال والوشم وضرب الرمل وغزل الصوف والغناء في المقاهي وهم يسمى بالغوازي، أما الفتيات فيقمن ببيع أوراق اليانصيب.

 

علاج الروماتيزم بالكي 

 

كان الغجر لا يعرفون الطب فهم يعيشون عيشة بدائية يعتمدون فيها على أنفسهم ويعالجون أمراضهم بالأعشاب فإذا شعر أحدهم بالروماتيزم أو بالرطوبة على حد تعبيرهم قديما فعلاجه الوحيد كان الكي بالنار.


كما كان يكتب الغجر لأولادهم وبناتهم السعادة بشفرات الحلاقة في المهد لأنهم كانوا يحرصون على مستقبلهم منذ ولادتهم، فهم يتخيرون طفلا منهم وغالبا ما كان ضعيف البنية ويقطعون يديه بشفرة حلاقة ثم يضمون الجرح بتراب الفحم، فبهذا يضمنون له حياة الرغد، لأنه سوف يتسول بيده.

 

مدرسة للشحاذين

 

وفي مدينة الغجر مدرسة للشحاذين يتخرج فيها الصبية والفتيات بعد أن يتدربوا تدريبا عمليا على الشلل والعرج والعمى وسائر العاهات.

 

وكان أول دليل الحب بين الغجر هو أن ينقش الفتى الغجري صورة الفتاة الغجرية على صدره وفوق قلبه بالوشم الأخضر حتى تتأكد الفتاة على صدق حبه ثم تطلب أن تشتريها من أبيها، لأن الزواج والطلاق لا يصاغ فيهما عقد على يد المأذون ولا تستعمل العبارات المتداولة بين الناس، فالزواج لديهم أن يذهب الغجري إلى والد الغجرية ويطلب أن يشتري منه ابنته.

 

 ويتفاوت ثمن الغجريات ليس بجمالها إنما بما تكسبه، فكلما زادت دخل الفتاة من عملها التي تمارسه كلما ازدادت ثمنها عند أبيها، وهذه هي المرة الأولى والأخيرة التي يدفع فيها العريس نقودا.

 

وفي حالة الطلاق لا يدفع الغجري مؤخر أو نفقة إنما يطالب زوجته بمبلغ من المال يحدده هو ثمنا للطلاق حتى ولو كان هو الراغب عن المعيشة.

 

الخصام بين الغجر

 

وكان إذا تخاصم أو تنازع اثنين من الغجر لا يلجآن إلى البوليس ولا يتقاضيان أمام المحاكم، إنما يذهبون إلى الزعيم ثم يطلبان منه دعوة أقطاب المدينة لأن أحدهما يريد أن يعادي الثاني.

 

ويجلس الجميع حول النار ويدور عليهم الشاي الأسود وفي أثناء ذلك يكون المتنازعان قد وضع كل منهما جميع ما يمتلك من نقود أمامه، ويتناول المتحدي ورقة مالية من أمامه ويلقيها في النار ويتناول زميله ضعف المبلغ ويلقيه هو الآخر طعمة للنار وهكذا يظل كل منهما يحرق ضعف ورق الآخر إلى أن تفرغ النقود أمام أحدهما فينهض مهزوما، ويمشي بعد هذه الهزيمة مطأطئ الرأس إلى أن يجمع ثروته مرة أخرى.

 

أما الفائز فإنه يتقبل التهاني ويخرج مرفوع الرأس، فكان للغجر فلسفة خاصة بهم يعتقدون أن المادة هو كل شيء في الحياة والرجل يوزن  في عقيدتهم بما يملك من مال، فكان من الغجر يشعل سيجارة بمائة جنيه ومنهم من يعود من سهرته آخر الليل راكبا تاكسي.

 

الأغاني والمديح

 

 كما كان للغجر تقاليد وعادات موروثة فكانت لهم أغاني وموسيقى خاصة مثل الأغنية التي كان يتغنى بها أهل الصعيد وعنوانها "في الأودة الجوانية" من وضع وتلحين الغجر: وقالت تعالى حدادى .. حبك ساكن في حشاي

اعمل لك براد شاي .. في الاوده الجوانيه

وقالت تعالي وبات .. يا مبرم الشنبات

افرش لك الكنبات .. في الاوده الجوانية

 

ومن أغانيهم المشهورة أيضا "أحمد ويا أحمد يا بو الود يا غالي" و "يا عم يا بو الحسن ما تحوش حسن عنا".

 

المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم