إبراهيم عبد المجيد يكتب: الحب والقتل

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

من بين كثير من القضايا الاقتصادية والسياسية المحيطة بنا تأتى حادثة مقتل الفتاة «سلمي» طالبة الإعلام فى جامعة الزقازيق، بالطعن بالسكين سبع عشرة طعنة، من قبل الطالب فى نفس الكلية ويدعى «إسلام».

الذى قال إنه يحبها وأنها تخلت عنه. فى أقواله ردد الكلام نفسه الذى سبق وردده قاتل نيرة أشرف بالمنصورة، من أنه يحبها وساعدها فى الدراسة، لكنها تخلت عنه ولم يقتنع بذلك.

فقرر أن يمشى على نهج قاتل نيرة أشرف. لقد كشفت الحادثة السابقة كيف صرنا مجتمعا مترهلا لا تحكمه ضوابط أخلاقية ولا قانون رغم وجود القوانين، فظهر كم كبير من التعاطف مع القاتل السابق.

وصل إلى درجة محاولة جمع المال ليكون دية لأهلها، ليتنازلوا عن حق الضحية، وطبعا رفضوا. لقد شغلنى وقتها محاولة جمع المال هذه التى تكشف كم كان التعاطف مع القاتل كثيرا. بلا شك كان لهذا تأثيره على فكر القاتل الجديد.

ليس مهما أن يجد المحامى الذى يدافع عنه، فهذا هو القانون وبدونه لا تكتمل المحاكمة، لكن هل فكر المتعاطفون مع القاتل أن ما فعلوه يعنى تشجيعا للقتل؟

سؤال لم يسألوه لأنفسهم، وطبعا ما جرى أخيرا كان أحد تجلياته. قديما كنا نسمع مقولة من الحب ما قتل، لكن كان واضحا منها تماما، أن القتل هنا ليس قتلا حقيقيا، لكن إخفاق فى الحب وحزن يتملك صاحبه، فلا يكرر التجربة ويعيش على الذكريات.

أحيانا سمعنا عن انتحار حبيب أو حبيبة لأن أهلها أو أهله لم يوافقوا على الزواج . أقصى ما فعله الشعراء العذريون هو مخاطبة الأماكن التى كانت فيها قصة الحب بعد فراق الحبيب.

الشعر العربى ذاخر بذلك.

كذلك عشنا الأغانى العاطفية عن الفراق، التى كانت زادا للأحباء إذا فشلت القصة، ولم نسمع عن شخص استعاض بالقتل، بدلا من أن يسهر مع عبد الحليم حافظ يغنى «فى يوم من الأيام كان لدى قلب» أو «تخونوه» أو أغانى لفايزة أحمد أو فيروز أو نجاة الصغيرة عن ألم الفراق.

كانت هذه الأغانى زادا عند الفراق، ويستطيع المحبون بعد الفراق أن يجددوا قصص حبهم مع الآخرين، وتستمر الحياة، بل كان الحفاظ على أسرار الحب من أهم ما يفعله الأحباء.

طبعا لن أدخل فى أسباب ما جرى ويجري، وأتمنى واهما ألا يستمر، فالثأر لا يكون أبدا فى الحب.

لكنى أشعر أن صوتا من السماء يسألنا ما الذى جرى فى بلادكم . عند من الإجابة؟ والله زهقت .

لا أحد يستمع إلينا إذا تكلمنا عن قضايا سياسية أو اقتصادية، فهل سيسمعنا أحد فى الحديث عن قضايا الحب والنفس البشرية؟ للأسف أشعر أننى غريب فى زمن صارت فيه الحقائق أوهاما والأوهام حقائق.

ورحم الله «سلمى» ضحية هذا الكاره.

المحبون لا يقتلون الأحباء أبدا. القتلة دائما كارهون.