بداية

السلفيون.. من سفك الدماء إلى تسعير الجريمة

علاء عبد الكريم
علاء عبد الكريم

مصر‭ ‬وعبر‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬مضت‭ ‬تعرضت‭ ‬خلالها‭ ‬لغزو‭ ‬سلفي‭ ‬باسم‭ ‬الدين،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬ثقافتنا‭ ‬غنية‭ ‬بالتسامح‭ ‬والحب،‭ ‬وحب‭ ‬الشعب‭ ‬المصري‭ ‬قمة‭ ‬صوفية‭ ‬يرددها‭ ‬أناشيد‭ ‬وتراتيل‭ ‬للحرية‭ ‬والسلام،‭ ‬إيمانه‭ ‬وسطي‭ ‬بسيط‭ ‬لكنه‭ ‬يحرك‭ ‬الجبال،‭ ‬فجأة‭ ‬تحولت‭ ‬ثقافتنا‭ ‬إلى‭ ‬أشبه‭ ‬بمسخ‭ ‬بفعل‭ ‬هذا‭ ‬الغزو‭ ‬السلفي‭ ‬الذي‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬فصرنا‭ ‬فريسة‭ ‬مهداة‭ ‬لطيور‭ ‬الظلام‭ ‬نحيا‭ ‬بأفكارهم‭ ‬الظلامية،‭ ‬نردد‭ ‬في‭ ‬بلاهة‭ ‬ما‭ ‬يقولونه،‭ ‬بعدما‭ ‬أغلقنا‭ ‬نوافذ‭ ‬عقولنا‭ ‬وقلوبنا‭ ‬وسرنا‭ ‬وراءهم‭ ‬ونحن‭ ‬مخدرين‭ ‬هائمين‭ ‬ودون‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬نترك‭ ‬بابًا‭ ‬مواربًا‭ ‬في‭ ‬عقولنا‭ ‬نسمح‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬لنور‭ ‬المعرفة‭ ‬أن‭ ‬تتسلل‭ ‬الى‭ ‬أدمغتنا‭ ‬التي‭ ‬للأسف‭ ‬امتلأت‭ ‬بهذا‭ ‬الجهل‭ ‬المقدس‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭.‬

فقيمة‭ ‬الروح‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬خلق‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬مخلوقات‭ ‬العلي‭ ‬القدير‭ ‬شرفها‭ ‬الله‭ ‬وكرمها‭ ‬غاية‭ ‬التشريف‭ ‬والتكريم‭ ‬فنسبها‭ ‬لذاته‭ ‬العلية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬كتبه‭ ‬السماوية،‭ ‬لا‭ ‬مانع‭ ‬في‭ ‬ثقافتهم‭ ‬الفاسدة‭ ‬–‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬الشهيدتين‭ ‬نيرة‭ ‬أشرف،‭ ‬وسلمى‭ ‬بهجت‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مجرمين‭ ‬تفوقوا‭ ‬بإجرامهم‭ ‬على‭ ‬عتاة‭ ‬الإجرام،‭ ‬أن‭ ‬تسعّر‭ ‬جريمتهما‭ ‬الشنعاء‭ ‬بالدية،‭ ‬فكيف‭ ‬نقبل‭ ‬بهذا‭ ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬فيه‭ ‬استهانة‭ ‬للروح‭ ‬الإنسانية؟‭!‬،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬تغلغلًا‭ ‬للفكر‭ ‬الإخواني‭ ‬والسلفي‭ ‬الظلامي‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬–‭ ‬للأسف‭ ‬–‭ ‬الدعاة‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬الفتيات‭ ‬أن‭ ‬يرتدين‭ ‬‮«‬أفة‮»‬‭ ‬حتي‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬مصيرهن‭ ‬مثل‭ ‬نيرة‭ ‬أشرف‭ ‬ودون‭ ‬أي‭ ‬تعاطف‭ ‬مع‭ ‬ضحية‭ ‬ذُبحت‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬مثل‭ ‬الدجاج‭.‬

للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬تغييب‭ ‬العقل‭ ‬والإغراق‭ ‬في‭ ‬الجهل‭ ‬استمر‭ ‬عقودًا‭ ‬طويلة‭ ‬كان‭ ‬المجتمع‭ ‬خلالها‭ ‬أسري‭ ‬لتفكير‭ ‬العصور‭ ‬الوسطي،‭ ‬نتأرجح‭ ‬بين‭ ‬الخرافات‭ ‬والأساطير،‭ ‬وتعثرت‭ ‬مسيرتنا‭ ‬نحو‭ ‬التقدم،‭ ‬وصار‭ ‬السؤال‭: ‬‮«‬هل‭ ‬نتبع‭ ‬طريق‭ ‬العلم‭ ‬أم‭ ‬لا»؟‭!‬،‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬أهل‭ ‬البدع‭ ‬والمشعوذين‭ ‬ومن‭ ‬احتكروا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬الفضيلة‭ ‬والحقيقة‭ ‬المطلقة‭ ‬من‭ ‬الظلاميين‭ ‬هو‭ ‬تجرأ‭ ‬علي‭ ‬الله،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬العقيدة‭ ‬الإسلامية‭ ‬لم‭ ‬تنتصر‭ ‬لشئ‭ ‬مثلما‭ ‬انتصرت‭ ‬للعقل،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فما‭ ‬نزال‭ ‬نجد‭ ‬اليوم‭ ‬مثلًا‭ ‬من‭ ‬يدافع‭ ‬بشدة‭ ‬عن‭ ‬كرامات‭ ‬ينسبونها‭ ‬الي‭ ‬أشخاص‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬عنهم‭ ‬شيئا‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬عنهم‭ ‬أية‭ ‬مكانة‭ ‬خاصة‭ ‬بين‭ ‬الصالحين‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬هؤلاء،‭ ‬وبدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬طريقنا‭ ‬هو‭ ‬التفكير‭ ‬العلمي‭ ‬نتهيأ‭ ‬للترويج‭ ‬للتفكير‭ ‬الخرافي‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬علي‭ ‬إنكار‭ ‬العلم‭ ‬ورفض‭ ‬مناهجه،‭ ‬فالله‭ ‬قادر‭ ‬–‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬–‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬من‭ ‬مسار‭ ‬الطبيعة‭ ‬كما‭ ‬يشاء‭ ‬فهذه‭ ‬قدرته‭ ‬وحده‭ ‬يقول‭ ‬للشئ‭ ‬كن‭ ‬فيكون،‭ ‬لكنه‭ ‬تعالي‭ ‬اختار‭ ‬لنا‭ ‬طريق‭ ‬العقل‭ ‬لا‭ ‬الخرافات‭ ‬والخزعبلات‭ ‬والأساطير‭ ‬والجهل‭ ‬ذلك‭ ‬العدو‭ ‬الأول‭ ‬للإنسانية‭ ‬وهي‭ ‬أخطر‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬من‭ ‬القنبلة‭ ‬الذرية‭. ‬

علينا‭ ‬أن‭ ‬نراجع‭ ‬ماضينا،‭ ‬لنعرف‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬كسبناه‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬بالية‭ ‬باسم‭ ‬الإسلام‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬خطرها‭ ‬عند‭ ‬حد‭ ‬التشويه‭ ‬وتزييف‭ ‬الوعي،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬عنفًا‭ ‬دمويًا‭ ‬وخوفًا‭ ‬وارتباكًا‭ ‬باسم‭ ‬الدين،‭ ‬ثقافة‭ ‬طائفية‭ ‬خرافية‭ ‬تعادي‭ ‬العقل،‭ ‬وتقاطع‭ ‬العلم‭ ‬والتقدم؛‭ ‬فـ‭ ‬أوروبا‭ ‬عبرت‭ ‬العصور‭ ‬الوسطي‭ ‬الي‭ ‬النور‭ ‬وعصر‭ ‬النهضة‭ ‬بفضل‭ ‬الرشدية‭ ‬نسبة‭ ‬الي‭ ‬الفيلسوف‭ ‬العربي‭ ‬ابن‭ ‬رشد،‭ ‬وبقي‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬الي‭ ‬اليوم‭ ‬يسير‭ ‬بتعاليم‭ ‬الفقيه‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭ ‬الذي‭ ‬يعلن‭ ‬بوضوح‭ ‬أنه،‭ ‬‮«‬ممنوع‭ ‬إعمال‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬الديني‮»‬،‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬هنا‭ ‬فيلسوف‭ ‬مصر‭ ‬والمفكر‭ ‬الكبير‭ ‬الدكتور‭ ‬مراد‭ ‬وهبة‭: ‬‮«‬حاولت‭ ‬إحياء‭ ‬فلسفة‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬فكر‭ ‬ابن‭ ‬تيمية،‭ ‬لكنني‭ ‬قوبلت‭ ‬بهجوم‭ ‬شرس،‭ ‬واتهموني‭ ‬بأنني‭ ‬‮«‬سيئ‭ ‬النية‮»‬‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬ابن‭ ‬رشد،‭ ‬كما‭ ‬جاءتني‭ ‬تهديدات‭ ‬بالقتل‮»‬،‭ ‬فـ‭ ‬للأسف‭ ‬نجح‭ ‬ابن‭ ‬تيمية‭ ‬في‭ ‬التأسيس‭ ‬للوهابية‭ ‬والأصولية‭ ‬الدينية،‭ ‬وجاء‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬لتبرز‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬الفكر‭ ‬ذاته‭.‬

نعم،‭ ‬الدجل‭ ‬والشعوذة‭ ‬والخرافة،‭ ‬لا‭ ‬تبني‭ ‬الأوطان،‭ ‬والمخرفون‭ ‬والظلاميون‭ ‬والمشعوذون‭ ‬والدجالون‭ ‬ليسوا‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الدين،‭ ‬ولن‭ ‬تخرج‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬غيبوبتها‭ ‬إلا‭ ‬بالبحث‭ ‬والتفكير‭ ‬والمنهج‭ ‬العلمي،‭ ‬لا‭ ‬بالأحلام‭ ‬والتخاريف‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬باستمرار‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسي،‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬‮«‬أن‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬هى‭ ‬جمهورية‭ ‬الحلم‭ ‬والأمل،‭ ‬جمهورية‭ ‬العلم‭ ‬والعمل،‭ ‬المسالمة‭ ‬وليست‭ ‬المستسلمة،‭ ‬هنبنيها‭ ‬مع‭ ‬بعض،‭ ‬أي‭ ‬تحدي‭ ‬وأي‭ ‬صعاب‭ ‬تهون‭ ‬لو‭ ‬كنا‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬واحد‮»‬‭.‬

يقينًا‭ ‬لن‭ ‬نكون‭ ‬أبدًا‭ ‬معصوبي‭ ‬العينين‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬الظلامي،‭ ‬فطريقنا‭ ‬هو‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة،‭ ‬وسوف‭ ‬نصل‭.‬