مصر وعبر عقود طويلة مضت تعرضت خلالها لغزو سلفي باسم الدين، وبعد أن كانت ثقافتنا غنية بالتسامح والحب، وحب الشعب المصري قمة صوفية يرددها أناشيد وتراتيل للحرية والسلام، إيمانه وسطي بسيط لكنه يحرك الجبال، فجأة تحولت ثقافتنا إلى أشبه بمسخ بفعل هذا الغزو السلفي الذي تعرضت له مصر في سبعينيات القرن الماضي، فصرنا فريسة مهداة لطيور الظلام نحيا بأفكارهم الظلامية، نردد في بلاهة ما يقولونه، بعدما أغلقنا نوافذ عقولنا وقلوبنا وسرنا وراءهم ونحن مخدرين هائمين ودون حتى أن نترك بابًا مواربًا في عقولنا نسمح من خلاله لنور المعرفة أن تتسلل الى أدمغتنا التي للأسف امتلأت بهذا الجهل المقدس على مدار العقود الماضية.
فقيمة الروح التي هي خلق من أعظم مخلوقات العلي القدير شرفها الله وكرمها غاية التشريف والتكريم فنسبها لذاته العلية في كل كتبه السماوية، لا مانع في ثقافتهم الفاسدة – بعد مقتل الشهيدتين نيرة أشرف، وسلمى بهجت على يد مجرمين تفوقوا بإجرامهم على عتاة الإجرام، أن تسعّر جريمتهما الشنعاء بالدية، فكيف نقبل بهذا المبدأ الذي فيه استهانة للروح الإنسانية؟!، فإن لم يكن هناك تغلغلًا للفكر الإخواني والسلفي الظلامي ما كان واحد من هؤلاء – للأسف – الدعاة يطلب من الفتيات أن يرتدين «أفة» حتي لا يكون مصيرهن مثل نيرة أشرف ودون أي تعاطف مع ضحية ذُبحت في الشارع مثل الدجاج.
للأسف الشديد تغييب العقل والإغراق في الجهل استمر عقودًا طويلة كان المجتمع خلالها أسري لتفكير العصور الوسطي، نتأرجح بين الخرافات والأساطير، وتعثرت مسيرتنا نحو التقدم، وصار السؤال: «هل نتبع طريق العلم أم لا»؟!، في نظر أهل البدع والمشعوذين ومن احتكروا لأنفسهم الفضيلة والحقيقة المطلقة من الظلاميين هو تجرأ علي الله، رغم أن العقيدة الإسلامية لم تنتصر لشئ مثلما انتصرت للعقل، ومع ذلك فما نزال نجد اليوم مثلًا من يدافع بشدة عن كرامات ينسبونها الي أشخاص لا نعلم عنهم شيئا ولا نعرف عنهم أية مكانة خاصة بين الصالحين اللهم إلا في نظر هؤلاء، وبدلًا من أن يكون طريقنا هو التفكير العلمي نتهيأ للترويج للتفكير الخرافي الذي يقوم علي إنكار العلم ورفض مناهجه، فالله قادر – بلا شك – علي أن يغير من مسار الطبيعة كما يشاء فهذه قدرته وحده يقول للشئ كن فيكون، لكنه تعالي اختار لنا طريق العقل لا الخرافات والخزعبلات والأساطير والجهل ذلك العدو الأول للإنسانية وهي أخطر في نظري من القنبلة الذرية.
علينا أن نراجع ماضينا، لنعرف ما الذي كسبناه من ثقافة بالية باسم الإسلام لم يقف خطرها عند حد التشويه وتزييف الوعي، بل أصبح عنفًا دمويًا وخوفًا وارتباكًا باسم الدين، ثقافة طائفية خرافية تعادي العقل، وتقاطع العلم والتقدم؛ فـ أوروبا عبرت العصور الوسطي الي النور وعصر النهضة بفضل الرشدية نسبة الي الفيلسوف العربي ابن رشد، وبقي العالم الإسلامي الي اليوم يسير بتعاليم الفقيه ابن تيمية الذي يعلن بوضوح أنه، «ممنوع إعمال العقل في النص الديني»، وكما يقول هنا فيلسوف مصر والمفكر الكبير الدكتور مراد وهبة: «حاولت إحياء فلسفة ابن رشد في مواجهة فكر ابن تيمية، لكنني قوبلت بهجوم شرس، واتهموني بأنني «سيئ النية» في تبني ابن رشد، كما جاءتني تهديدات بالقتل»، فـ للأسف نجح ابن تيمية في التأسيس للوهابية والأصولية الدينية، وجاء القرن العشرين لتبرز جماعة الإخوان المسلمين التي تتبنى الفكر ذاته.
نعم، الدجل والشعوذة والخرافة، لا تبني الأوطان، والمخرفون والظلاميون والمشعوذون والدجالون ليسوا جزءًا من الدين، ولن تخرج مصر من غيبوبتها إلا بالبحث والتفكير والمنهج العلمي، لا بالأحلام والتخاريف.
وهذا ما يؤكده باستمرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، حين قال: «أن الجمهورية الجديدة هى جمهورية الحلم والأمل، جمهورية العلم والعمل، المسالمة وليست المستسلمة، هنبنيها مع بعض، أي تحدي وأي صعاب تهون لو كنا على قلب رجل واحد».
يقينًا لن نكون أبدًا معصوبي العينين أمام هذا الفكر الظلامي، فطريقنا هو السير في طريق الجمهورية الجديدة، وسوف نصل.