«صلعة» أنتونى كوين العرب

محمود المليجي
محمود المليجي

عنما تسلط الأضواء على رأسى أمام الكاميرا تلمع تماما كالأصلع الذى تساقط شعره، ومن هنا ظن الناس أننى أصلع، والحقيقة غير ذلك، لست أصلع بالوراثة فأبى عاش حتى الثمانين ومات وشعر رأسه أغزر ما يكون، ولكنى لا أستطيع أن أنكر حكاية «الصلع» التى جاءت صدفة فى أعقاب «سكرة ينى» وأكلة «جمبرى»، واسمعوا الحكاية من أولها.

كنت فى شبابى أتزعم «شلة» من الشبان العابثين، كنا نطوف القاهرة فى الليل، نتنقل من حانة إلى حانة، ونطوف بأكثر الملاهى الليلية ، نفعل ما تمليه علينا طبيعتنا العابثة ورغباتنا التى تركنا لها الحبل على الغارب، وفى إحدى جولاتنا الليلية عرجنا على بار صغير فى حى عابدين، وأخذنا نشرب حتى الثمالة، وفجأة شعرنا بالجوع، دخل البار رجل مسن يحمل صحفة مليئة «بالجمبرى»، انتزعنا منه الصحفة وتسابقنا فى التهام «الجمبرى» وأتينا على كل ما كان مع الرجل ودفعنا له حسابه، وفى نهاية سهرتنا افترقنا كل إلى منزله، وأعترف بأننى كنت ثملا إلى حد أننى كنت أترنح فى سيرى، وفجأة ظهر أمامى رجل يحمل جوالا فوق كتفه، شعرت بدافع ملح إلى أن أسقط «الجوال» من فوق كتفه، كان دافعا شريرا مبعثه الشراب، اقتربت من الرجل مدفوعا برغبتى وما أن شرعت أنفذ ما دار فى خلدى حتى التفت إلىّ الرجل، وقد ارتسمت على وجهه المسن علامات الرعب والفزع، مما جعلنى أتسمر فى مكانى محجما عن إيذائه، وسألته عما يحمله فى جواله، أنزل الرجل الجوال ومد يده ليخرج منه بعض ثمار الليمون، اشتريت منه كمية ومضيت فى طريقى وأنا امتصها واحدة بعد الأخرى، كنت أقطن وحيدا فى تلك الفترة، وما إن وصلت إلى بيتى حتى شعرت بآلام حادة فى أمعائى، كأنما سكين محمى انطلق يقطعها، كانت الآلام تتزايد بشكل جعلنى أضرب الحائط برأسى أكثر من مرة، ولم أكن أجد خيرا من «حبات» الليمون أمتصها واحدة بعد الأخرى، ولم يغادرنى الألم لحظة واحدة، خفت حدة الألم قليلا فى الصباح الباكر، أسرعت إلى المستشفى للحصول على علاج لهذا الألم المفاجئ، وهناك قال لى الطبيب بعد عمل غسيل للمعدة إننى نجوت من الموت بأعجوبة بسبب ما تناولته من حبات الليمون لأننى أصبت بحالة تسمم شديدة كانت كفيلة بأن تذهب بحياتى، قضيت فى المستشفى 15 يوما تماثلت بعدها للشفاء، وعندما عدت لمنزلى  علمت أن ثلاثة من أفراد الشلة دفعوا حياتهم ثمنا لأكلة «الجمبرى» الفاسد.

إقرأ أيضًا

تريند زمان .. قصة رحيل محمود المليجى

ولاحظت بعدها تساقط شعرى كلما جرى فيه المشط، وأخبرنى الطبيب أن التسمم أفقدنى كمية من شعر رأسى، وعلمت أن خبراء المعمل الجنائى يعرفون جرائم القتل بالسم من شعر رأس المتسمم، وحمدت الله أن حبات الليمون أنقذتنى من الموت وقبلت قضاء الله أن أحيا برأس أصلع يلمع عندما تنعكس عليه أضواء الكاميرا!
محمود المليجى
«الكواكب» 30 يناير1959