في حواره مع الأخبار ..

أحمد القرملاوي: أغلفة روايات نجيب محفوظ نتعامل معها كمشروعا فنيا وإبداعيا

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

دوائر الجدل لم تنته منذ نهاية العام الماضى بعد الإعلان عن انتهاء تعاقد دار الشروق مع ورثة نجيب محفوظ، وحسم التنافس بين دور النشر الكبرى فى مصر والعالم العربى بعد انتقال حقوق النشر الورقية والإلكترونية والصوتية إلى مكتبة الديوان، التى كانت تبدأ آنذاك أولى خطواتها فى عالم النشر، وكذلك تعاقد الورثة مع دار هنداوى لنشر نسخة إلكترونية مجانية، وخلال الأسابيع الماضية بدأ طرح الطبعة الجديدة بعدة روايات منها: اللص والكلاب، ثرثرة فوق النيل، أفراح القبة، الحرافيش، وتجدد الجدل لكنه هذه المرة كان حول أغلفة روايات نجيب محفوظ فى إصدارها الأخير.

بدأ نجيب محفوظ النشر من خلال لجنة النشر للجامعيين التى شكلها سعيد جودة السحار عام 1943، ووافق على نشر كتاب شهريا لأعضاء اللجنة، ومن بينهم محفوظ، وكان لهذا المشروع الفضل فى خروج رواية «رادوبيس» إلى النور، لكن الناشر التاريخى لمحفوظ هو عبد الحميد سعيد جودة السحار صاحب مكتبة مصر حيث ظلت تصدر الطبعات المختلفة بأغلفة الراحل جمال قطب، ثم انتقلت الحقوق إلى دار الشروق بعد خلاف محفوظ مع ناشره التاريخي،

وبدأت الطبعات بأغلفة حلمى التونى منذ عام 2006، أما الديوان فقد بدأت مشروعها لأغلفة تحمل لوحات لشباب فى العشرينات من عمرهم بإشراف فنى لاستوديو الفنان الشاب يوسف صبري، أعتمد التصميم على اسم نجيب محفوظ مكتوب بخط الثلث المملوكي، وكما وصفه الروائى أحمد القرملاوي، مدير النشر بالديوان، فهو أشبه بالختم أو الخرطوشة التى يسجل اسم صاحب السبيل أو التكية أسماءهم عليها..

ويتصدر البوابة التى تتغير تحتها اللوحات المختلفة، كأنها منفذ لدخول عالم محفوظ المتغير من عمل إلى آخر، ورغم وصف القرملاوى بأنه شكل تراثى ثابت أقرب إلى العمارة الإسلامية فى الجمالية وشارع المعز تتغير بداخله اللوحات المنتمية إلى مدارس فنية مختلفة إلا أن هذا الغلاف كان «خلافيا»، وأثار حالة من الرفض بين الكثير من المثقفين وكذلك القراء فى مواقع التواصل الاجتماعي، رغم رفض «أحمد القرملاوى» لوصف الاعتراض لأنه كبير، وإشارته فى حواره مع الأخبار إلى ضرورة اكتمال التجربة حتى يمكن الحكم عليها، ونسأله:

- رأى الكثيرون على وسائل التواصل الاجتماعى أن الأغلفة لا تعبر عن روح أعمال نجيب محفوظ وأنها ليست ابنة عالمه.. ما تعليقك على ذلك؟
- ليست وظيفة الغلاف التعبير عن روح المؤلف كما قد ترينها، بل إن وظيفة الغلاف تعبر عن رؤية فنان لمنجز المؤلف، وروح نجيب محفوظ منفتحة على كل الأساليب الفنية، ولا يمكن حصر عالمه داخل قالب واحد. لا يمكن التساهل واختصار روح مفكر وعبقرى مثل محفوظ فى شكل بصرى واحد. الغلاف مجرد وعاء حاو للرواية يتفاعل مع عالمها وفقا لرؤية الفنان، وقد اخترنا فنانين مصريين شبابا وموهوبين ومعظمهم حاصل على جوائز عالمية، وتصوراتهم غير معتادة، قرأوا أعماله وناقشناهم حولها، وما قدموه تصور بصرى لعالم محفوظ مختلف عما قد يقدمه غيرهم بطبيعة الحال. ورأى الناشر ترك المساحة كاملة لرؤى الفنانين الشباب. التلاقح الذى حدث هو الذى نتج عنه فن معبر عن تصوراتهم لعالم محفوظ، وليس تصوراتنا نحن، ربما ارتبط جيلنا بقراءة نجيب محفوظ بأغلفة جمال قطب فى طبعات مكتبة مصر، وارتبط إحساسنا بها، لكنها لم تكشف عن روح محفوظ بل عن رؤية جمال قطب لعالم الأديب الكبير، وكذلك ما قدمه حلمى التونى فى طبعات الشروق. نجيب نفسه حين نقلت أعماله إلى السينما أو المسرح لم يتعامل بهذه الشراسة بل منح المبدعين حرية تقديم فنه برؤاهم الخاصة.

- ربما الأسلوب الفنى الذى اعتمدت عليه الأغلفة الجديدة يتضمن مغازلة لشريحة عمرية معينة مختلفة عن قراء محفوظ؟
- هذا بعيد تماما عن تخطيطنا، نحن لا نتوجه سوى إلى جمهور محفوظ الحالى والقادم، وليس لعقلية بعينها، وكذلك أرفض التعامل مع عقلية الأطفال والناشئة باستهانة، وكأننا نسعى إلى نشر محتوى كلاسيكى ونضحك عليهم بغلاف ونقدم لهم عملا غير مناسب لهم! لقد انتهيت من قراءة أغلب أعمال نجيب محفوظ فى سن الثالثة عشرة من خلال مكتبة والدي، مما شكل وعيى وجعلنى أحب الكتابة.. نتعامل مع «مسألة» نجيب محفوظ باعتبارها مشروعا فنيا وإبداعيا نسعى لبنائه حول اسم الأستاذ.

- إذا كان الهدف الاستعانة بالشباب، فلماذا لم تنظم مسابقة بين الفنانين الشباب واختيار أكثرها توافقا مع رؤيتكم؟
- مسابقة بهذا الحجم تحتاج إلى آليات ومنطق عادل وقد تعنى عدم وجود رؤية عند الناشر، لكننا لدينا رؤية عامة، ووجدنا أن هذا مناسب لمشروع كبير بهذا الحجم، وأسندنا المهمة إلى مخرج إبداعى شاب حاصل على جوائز عالمية، وقام باختيار فريقه بحرية، ونحن نساند إبداعهم.
- هل يمكن وضع وجهات نظر بعض المثقفين محل الاعتبار؟
- بالطبع كل وجهات النظر تحترم وموضع اعتبار حتى لو بشكل غير واضح للعيان، ومن الممكن أن يجرى بعض التغيير فى الطبعات التالية حتى لا يمل القارئ، لكننا مقتنعون بالشكل الفنى الثابت فى المرحلة الحالية، وبالتأكيد هناك تفاعل مع كل ردود الفعل، والتى أراها صحية، طالما فى أطار إبداء الرأي، لكنى أتعجب لعدم استيعاب بعض المثقفين لفكرة اختلاف الأذواق وهجومهم واستعدائهم ضد فنانين شباب، ومشروع ثقافى طموح، لو كان محفوظ بيننا لما رضى عن حالة الهجوم والسباب والإهانة وكان سيفسح المجال، كما اعتاد لأية معالجة لعمله حتى لو كان التصور ابن عصر آخر.
- وماذا عن أعمال اللجنة التى شكلت لمراجعة النصوص؟
- نحن بصدد إصدار 55 عملا، واللجنة تسعى إلى مقارنة الطبعات السابقة وما توفر من أصول، لإصدار الطبعة الأدق لما كتبه من حيث الاكتمال والتصويب وإعادة ما تم اجتزاؤه فى طبعات سابقة لأسباب سياسية أو دينية، وقد تم الانتهاء من مراجعة 12 عملا بالفعل، على سبيل المثال، الثلاثية بها 1500 اختلاف بين الطبعات، مما يستلزم جهدا كبيرا لإخراج الأعمال بأفضل صورة ممكنة.