الشهيد ابن الشهيد

ممدوح الصغير
ممدوح الصغير

الموت  هو الحقيقة الثابتة فى هذه الدنيا، لا أحد يعلم كم كتب الله له من العُمر، عاش العليل ومات السليم المعافى، قديماً ورثنا المثل الشعبى من أجدادنا العرب، حيث طرق خِيمهم أبناء العمومة يسألون عن صحة مريضهم، فكانت الإجابة الصادمة بأن  سليمهم هو الذى مات؟

مرة أخرى يتجدَّد الحزن فى قرى المطاعنة، حزناً على اسشتهاد طالب الشرطة  محمود عاصم صبرى، الذى كان ينتظر تخرُّجه من الكلية بعد أسابيع قليلة، قدَّر الله له أن يُكتب له الشهادة فى حادث سير على طريق الأقصر أسوان الشرقى "طريق الموت"، حاصد أرواح العشرات من الشباب.

بكاه كل مَنْ كان فى وداع جثمان الشهيد  الشاب، بعد أن تذكَّر معظمهم أنهم كانوا من قبل فى وادع والده الشهيد العميد عاصم صبرى، الذى صعدت روحه لخالقها منذ 7 سنوات، وبسبب الدموع الساخنة لم يشعر المودِّعون ببرودة الجو. وكأن أسرة الشهيد ورثت الابتلاء والتضحية للوطن، الابن ووالده شهيدان، مما  تسبَّب فى حالة حزن لم تشهدها القرى الجنوبية التى تُجيد الاحتفاء بطقوس الحزن، واخترقت صرخات النسوة حاجز صمت  أصفون، تساقطت  دموع الرجال، لم يخجل بعضهم فى أن يرى الناس بكاءه، لديه الحق وهو يُودِّع شهيدًا يلحق بوالده فى مساء الليلة بالجنة، بكاه الجميع، لأنهم كانوا ينتظرون منه أن يكون خير سلف لوالده الراحل الذى عُرف عنه الشهامة وخدمة مَنْ لا يعرف قبل أقاربه، كان سنداً لكل بسيط.

أصدقاء طالب الشرطة الشهيد جف كلامهم، ليس لديهم سوى كلمة لا إله إلا الله، سبحان الحى الباقى، وسكن الحزن أهداب عيون   أعمام الشهيد، وعجزت ألسنتهم عن أن تخرج منهم كلمات رثاء.. أما الأقارب الذين منحهم الخالق  قوةً وثباتاً كانت كلماتهم "لحق بوالده  وجده فى الجنة"، الشيخ الراحل صبرى عبداللطيف الذى كان واحداً من أفضل الأئمة فى جنوب الصعيد، يُحسب له أنه نجح فى أن يعرف البسطاء الذين لا يُجيدون القراءة والكتابة أمور دينهم دنياهم، لم تعرف قرى المطاعنة، بسبب خطابه الدينى، الأفكار المتطرفة، ولم تغزو أفكار الإرهاب عقول شباب القرى، الذين   حصلوا على العلم من عَالمٍ لم يخرج كلامه عن كتاب الله وسُنة  رسوله.

لجده الراحل محبون ومريدون من كل سكان إسنا، كنت واحداً منهم،  فى سنوات الصبا حتى كنت أحرص على صلاة الجمعة فى المسجد العتيق، حفظت سيناريو الهجرة النبوية من  خلال خُطبه، أحببت آل  بيت النبى من حكاياته المُبسَّطة، كان يرويها كأننا نشاهد فيلم كرتون  للصغار، حفظناها بعدما  نُقشت فى عقولنا.

كلمات الرثاء لن تُخفف الحزن الذى سكن قلوب مَنْ أحب الشهيد ابن الشهيد، رحمة الله عليه وعلى والده  وجده، وألحقنا الله بهم وأحسن خاتمتنا.