هذا هو سبب زيارة «الشيخ الشعراوي» ليوسف شعبان في المسرح

يوسف شعبان
يوسف شعبان

مايسة أحمد

رغم أنه طوال مسيرته الطويلة لم يهتم بالحصول على البطولة، أو تصدر التترات، لكن يبدو أن ذلك كان جزء مهم من نجاحه، حيث كان تركيزه في الأساس على الدور الذي يجسده، وهو ما جعله بطل لكل عمل حتى ولو لم يتصدر التترات أو الأفيشات، بل ولو حتى ظهر كضيف شرف أو في مشاهد قليلة بالعمل كما الحال في فيلم كشف المستور.. في السطور التالية نتناول قصة الرائع والمتألق، يوسف شعبان

تلقى يوسف شعبان تعليمه الأساسي في مدرسة الإسماعيلية، والتعليم الثانوي بمدرسة التوفيقية الثانوية، بمنطقة شبرا حيث ولد ونشأ، وكان والده مصمم إعلانات مشهور في شركة “إيجبشان جازيت”، وبسبب تفوقه في الرسم قرر الإلتحاق بكلية الفنون الجميلة، لكن عائلته رفضت بشدة وخيرته بين كلية البوليس - ليلتحق بأبناء أخواله - أو الكلية الحربية - ليلتحق بأبناء أعمامه - أو كلية الحقوق، ونتيجة للضغط الشديد عليه قرر الإلتحاق بالكلية الحربية، لكن في اختبار الهيئة “سقط عمدا”، لكن عائلته علمت بما دبره، فأجبرته على الإنضمام لكلية الحقوق جامعة عين شمس، وهناك تعرف على أصدقاء عمره، كرم مطاوع وسعيد عبد الغني والكاتب إبراهيم نافع، وقرر بناء على نصيحة مطاوع الإلتحاق بفريق التمثيل في الكلية، ثم قدّم أوراق اعتماده للمعهد العالي للفنون المسرحية، وبسبب ضغط الدراسة في الكلية والمعهد، قرر التركيز في دراسة المعهد، وسحب أوراقه من كلية الحقوق، وهو في السنة الثالثة، ليتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1962.

بدأ شعبان مسيرته السينمائية عام 1958 في فيلم “سهم الله”، وفي عام 1961 قدم “في بيتنا رجل” مع عمر الشريف والمخرج بركات، بعدها توالت أعماله السينمائية، والتي تجاوزت 133 فيلمًا، لكنه لاقى في بداياته السينمائية منافسة شرسة، لكنها شريفة من أبرز نجوم فترة الستينات وهم رشدي أباظة وصلاح ذو الفقار وكمال الشناوي وشكري سرحان وحسن يوسف وكان بعضهم يغري المنتجين بتخفيض الأجر الذي يحصل عليه للتأثير عليهم لاختيارهم وعدم اختياره.

غيرة العندليب

قبل بدء تصوير فيلم “معبودة الجماهير” عام 1967، حدث خلاف في تصوير الفيلم، بسبب أن عبد الحليم حافظ كان غير مقتنع بوجود يوسف شعبان ضمن فريق العمل، فيما دعمت شادية وجوده، وذلك لأنه شاركها عدد من الأفلام الناجحة قبل “معبودة الجماهير”، بل وهددت بترك الفيلم إذا لم يتم التعاقد مع شعبان، وبدوره قرر شعبان ترك الفيلم حلا لهذا الخلاف، وقال شعبان عن ذلك: “كانوا بيقولوا عليا بسرق الكاميرا والعين بتروحلي في الفترة دي، وحليم كان يريد أن يكون هو مركز الإهتمام والنجومية، وكان مُصمما على وجود محسن سرحان، لكن شادية أصرت على وجودي، وهذا ما جعلني أقول لعبدالحليم: (إنت مش عاوزني في الفيلم عشان تاخد أحسن ممثل من غير مجهود)، مضيفًا أن المخرج في هذا الخلاف أبلغهم بأن يلجأوا لكاتب القصة والمؤلف، والذي أكد لهم أن الدور مناسب ليوسف شعبان، فحسم الأمر وقتها، وحاول شعبان التقرب لحليم وقال له: “أنت أحسن مطرب، بس مش لازم تبقى أحسن ممثل كمان”، واجتمعت جميع الأطراف في منزل “العندليب”، وتم حل المشكلة ودياً، ووافق على مشاركة شعبان معه في الفيلم، بل وأصبحا صديقين حميمين.

رجل شاذ

في فترة السبعينيات، قدّم شعبان شخصية مثيرة للجدل لرجل شاذ في فيلم “حمام الملاطيلي”، ورغم الانتقادات التي طالته لجراءة الدور، لكنه حصل عنه على العديد من الجوائز المحلية والعالمية، وتقرر تدريس أدائه في هذا العمل بمعهد السينما وأكاديمية الفنون.

وفي سنة 1995، قرر شعبان الإبتعاد عن السينما، والاكتفاء بتقديم مسلسل واحد أو أثنين في العام، للتركيز في مهمته الجديدة كنقيب للممثلين، لكن بداية شعبان مع الدراما التليفزيونية كانت عام 1963، ليقدم بعدها أكثر من 130 مسلسل وسهرة تليفزيونية.

أبو الفنون

بدأ شعبان مسيرته في مسرح التليفزيون، من خلال عرض “الطريق المسدود” إخراج نور الدمرداش، ثم قدم عدة مسرحيات أهمها “شيء في صدري” و”أرض النفاق”، وعندها قرر تقديم إقتراح جريء بانشاء 6 فرق مسرحية تليفزيونية بدلا من فرقة واحدة، لإستيعاب الأعداد الكبيرة التي تخرجت من المعهد المسرحي، لكن رفض إقتراحه، وتم إيقافه عن العمل لـ3 سنوات، لكن عام 1970 تم الغاء القرار والتفاوض معه للعمل في مسرح التليفزيون مرة أخرى، لكنه رفض، وقرر تقديم عمل مسرحي للقطاع الخاص بعنوان “مطار الحب” بمشاركة عبد المنعم مدبولي وميرفت أمين.

العائلة المالكة

أثناء تصوير مسلسل “الحب الكبير”، قرر شعبان الإعتراف علنًا لكل الموجودين بزواجه من زميلته ليلى طاهر، لكنه زواج أستمر 4 سنوات فقط، وحدث خلالها الطلاق 3 مرات، مما أدى لانفصال نهائي، لكن ظل الحب والإحترام يسود علاقتهما.

بعدها تزوج شعبان من نادية إسماعيل شيرين أبنة الأميرة فوزية بنت فؤاد الأول، وأخت الملك فاروق، وقال عنها: “في بداية تعارفنا مكنتش أعرف دي مين، كل اللي كنت أعرفه إني اتعرفت بالصدفة على بنت كويسة ودماغها كويسة وبتدرس في الجامعة الأمريكية، وأنا عرفتها في حفلة بالجامعة وأعجبتني وعرضت عليها الجواز، وقتها كنت صغير لسه، وقالتلي أفكر، وعشان كنت مغرور قلت مين دي اللي تفكر تتجوزني أو لا، وطبعا لما عرفت أنها بنت مين حمدت ربنا إني ماتقدمتش بجدية، لأني ماليش دعوة بالناس دي خالص، هي متربية في قصور وأنا متربي في شوارع وحواري شبرا، لكن سبحان الله ربنا أراد بعدها وأتجوزنا”.

ومن فترة قريبة كشفت سيناء يوسف شعبان، عن تفاصيل طلب والدها الزواج من والدتها – حسبما قالا لها -: “العيلة كانت رافضة جدا، وكان عندهم حق، مش عشان حاجة، بس عشان في الزواج لازم الشخصيات تبقى متكافئة، هو راح أتقدم لجدي إسماعيل بك شيرين، آخر وزير حربية في عهد الملك فاروق، وكان مقيم بالإسكندرية، لكنه رفض، وقال له: (مش هينفع.. وفرق السن كبير بينكم.. ده 20 سنة تقريبًا)، بس هما حبوا بعض، وأصروا على الزواج، ومعملوش فرح خالص، بل كان احتفال بسيط في المنزل”.

أبو سيناء

وعن سبب تسمية أبنتهما “سيناء”، قال شعبان: “فكرت في الاسم، لأنهم وقتها كانوا يهاجموا العائلة المالكة ويقولوا (إنهم مش مصريين.. وألبان من سلالة محمد علي)، في الوقت الذي يصنف جدهم محمد علي بأنه مؤسس مصر الحديثة، لذلك أطلقت عليها اسم جزء عزيز من أرض مصر، فأخترت لها اسم سيناء”، لكن بعد فترة إنفصلا، ثم كانت آخر زوجاته سيدة كويتية تُدعى إيمان الشريعان، وأنجب منها زينب ومراد المقيمين حاليًا بالكويت.

عام 1997 فاز شعبان بمنصب النقيب، في انتخابات نقابة الممثلين، واستطاع خلال فترته تسديد جميع الديون المترتبة على النقابة، وأنشأ ناديا كبيرا في القاهرة لإجتماع الممثلين، وعالج العديد من الممثلين غير القادرين على نفقة النقابة، واستطاع أن يستمر في منصبه دورتين متتاليتين، قبل أن يخسرها عام 2003 أمام د. أشرف زكي.

دماء على ستار الكعبة

في 28 يوليو عام 2017، أعلن شعبان إعتزاله بعد أن شارك في بطولة أكثر من 250 عمل فني، وكشف عن قصة لقائه بالشيخ محمد متولي الشعراوي، والموقف الذي لا ينساه خلال عرض مسرحيته “دماء على ستار الكعبة” للشاعر فاروق جويدة، والتي شاركت في بطولتها القديرة سميحة أيوب، حيث فوجئ شعبان بوجود الشيخ الشعراوي في الصف الأول للحضور، ولم يصدق عينيه وقتها.

وأضاف شعبان، أنه كانت هناك شائعات بأنه يُحرم الفن ويدعو الفنانات للإعتزال والحجاب، ليجد نفسه بعد انتهاء العرض يسرع هو وسميحة للترحيب بالشيخ الكبير، والنزول له حيث يجلس، وهنأه الشعراوي بالعرض، وقال له: “الله عليك يا يوسف بارك الله فيك”.

وحينما سأله شعبان عن سر حضوره هذا العرض بالتحديد، رد مازحا: “لما يجيني حد فاكر إن الفن لبس وعربيات بس ويبقى معندوش موهبة فلازم أبعده عنكم وعن الفن”.

آخر أعمال شعبان كان مسلسل “ملوك الجدعنة” عام 2021، مع مصطفى شعبان وعمرو سعد وإخراج أحمد خالد موسى، حيث توفى شعبان في 28 فبراير في نفس العام قبل أن يعرض المسلسل، وعن عمر ناهز 90 عامًا، متأثرا بإصابته بفيروس “كورونا” بمستشفى العجوزة بالجيزة.