بألوان قوس قزح| إلحقونا.. شيطان «المثلية» وصل لأدب الأطفال

ابنة وأمان.. وابن وأبوان.. نماذج لقصص مترجمة تكرس المثلية فى عقول الصغار
ابنة وأمان.. وابن وأبوان.. نماذج لقصص مترجمة تكرس المثلية فى عقول الصغار

كتب: حسن حافظ

عاد أدب الطفل إلى الواجهة، ليس لأنه يحقق أعلى المبيعات أو أن أحد كتابه حصل على جائزة دولية مرموقة، بل إن استدعاء هذا النوع من الأدب الذى لا يلقى الاهتمام الكافى عادة، جاء من زاوية ضيقة، بعد هجمة مؤسسات عالمية فى النشر للأطفال، والتى تبنت خطاب الترويج للمثلية بين الأطفال، وبالتالى كل أعمال الكارتون المبنية على هذه النصوص، وهو ما تجلى بوضوح فى إعلان شركة ديزنى الأمريكية نيتها الدفع بمزيد من الشخصيات المثلية بنسبة تصل إلى النصف فى أعمالها.

وأعمال ديزنى تعد من ضمن الأعمال الأشهر فى العالم مثل عالم ميكى ماوس وعالم مارفل، وغيرها من الأعمال التى يقبل عليها الأطفال سواء فى شكل مكتوب ومرسوم أم عبر الوسائط التلفزيونية، الأمر الذى يطرح سؤال المقاومة والدفاع عن قيم المجتمع المصرى والعربى، والتى تحتاج إلى وسائل فاعلة لإنعاش أدب الطفل لتقديم البديل الجاهز والناجح فى تحدى هذه الهجمة التغريبية.

الترويج للمثلية عبر كتب الأطفال أصبح ظاهرة، إذ أثارت سيدة أردنية ضجة حول تلك القضية الأخيرة، بعدما اكتشفت عند شراء بعض كتب أدب الأطفال المترجمة، لتجد فيها إشارات صريحة للترويج لقيم مثلية تحت عنوان الاختلاف، إذ قدمت الصور عائلة مكونة من ابنة وأُمّين، وأخرى من ولد وأبوين، لتكتب عبر فيسبوك: «اليوم فى ظل الهجمة الفجة والشرسة من قبل أصحاب الفِطَر غير السليمة التى يريدون فيها بوقاحة فرض أنفسهم بين العالم والناس دون أدنى اعتبارٍ للدين والعرف والأخلاق والفطرة، وما نحاوله كأهالى من أخذ الحيطة والحذر وحماية أطفالنا من كل ما هو مشبوه من قنواتٍ وأفلام ورسوم متحركة وألعاب تأتينا فجأة القصص والمكتبة ومن دار نشر عربية أردنية - بقصدٍ أو دون قصد»، ما زاد من اللغط أن الكتاب فى طبعته الأصلية غير المترجمة يشير صراحة إلى أن الأسر الموجودة فى الكتاب أسر مثلية.

المواجهة
وسبق أن تحدثت الكاتبة سماح أبوبكر عزت، المتخصصة فى مجال أدب الأطفال، عن هذه الأزمة، وقالت: من الواضح إن شركة «ديزنى» إحدى كبرى شركات إنتاج الرسوم المتحركة، تسعى إلى تكثيف مثل هذا المحتوى فى الفترة المقبلة، وهو أمر لا يتناسب مع قيم المجتمع المصري والعربى إطلاقا، ودعت إلى توفير البديل لأطفالنا عبر تقديم أدب طفل قوى بمحتوى هادف، وكذلك التفكير فى إنشاء قناة مصرية مخصصة للأطفال وتقدم محتويات هادفة وتعبر عن قيم المجتمع بدلا من نظيرتها الأجنبية، إذ يوجد الكثير من النماذج الأدبية الناجحة التى كتبت للطفل، على مدار فترات طويلة، لكن لا يتم تسليط الضوء عليها بشكل كاف.

إقرأ أيضًا

«فطرة».. حملة فيسبوكية لمواجهة الجنسية المثلية

المواجهة مع الهجمة الجديدة، تبدأ بتنفيذ الأفكار على الأرض، وهو ما نجده عند هويدا حافظ، رئيسة تحرير مجلة «فارس» للأطفال، التى تمتلك ذخيرة من الأفكار لمواجهة الأفكار الشاذة، إذ تقول لـ«آخرساعة»: «الأزمة الأولية هى من الأسرة، لذلك أقول لكل أسرة: اقرأوا قبل أولادكم، وليس فقط أن تقرأوا معهم، لكى تعرف الأسرة ما إذا كانت كتب الأطفال بها قيم لا تناسب قيم مجتمعاتنا وديننا، فبعض القيم السلبية تتسرب إلينا دون انتباه فمثلا شخصية بطوطة هى صديقة بطوط وليست زوجته، وميمى ليست زوجة ميكى بل صديقته، وقد مرت هذه الأفكار دون مراقبة أو متابعة أو وعى بخطورة هذه الأفكار، فى حين هناك بعض الأسر المفككة التى تجعل الطفل ينشأ فى أسرة لا تمتلك المقومات الأساسية، فلا تهتم الأم بأن تربى الطفل على أن الأساس هو أسرة مكونة من أب وأم، حتى ألوان قوس قزح أصبح له مدلول سلبى يجب أن يتم التنبيه عليه».

وتابعت: «لابد أن يكون هناك وعى من الجميع، فمثلا الإعلام مطالب بدور عند تناول هذه القضايا، وكذلك الأسرة مطالبة بدور، فعلى الوالدين عند شراء كتب لأطفالهم أن يقرأوا هذه الكتب أولا، لأن التجربة أثبتت أن هذه الكتب يمكن أن تحمل رسائل لا تنتمى إلى مجتمعنا مثلما هو حال الواقعة الخاصة بالكتاب الذى تسبب فى أزمة بالأردن، الذى لم يتوقع أحد أن يتضمن كتاب مطبوع للأطفال بالإسبانية مترجم إلى العربية بألوان جذابة ويضم مثل هذه الأفكار، فالشخص البالغ يستطيع أن يستنكر هذه الأفكار لكن الطفل عندما تربيه عليها فعندما يكبر ستكون هذه الأفكار الغريبة والشاذة عنا عادية بالنسبة إليه، والمدرسة كذلك لها دور فى المواجهة لأنها تربى الأطفال وتزرع فيهم القيم الخاصة بنا، وتنبيه الأطفال بصورة غير مباشرة على القيم الخاطئة، وكذلك دور الدين مهم لأن كل الأديان ضد هذا الأمر».

دور الإعلام
وأشارت هويدا حافظ إلى أن الإعلام عليه دور بعدم الترويج لهذا الفكر حتى ولو فى صورة سلبية، وشددت على أن قنوات الأطفال مكلفة جدا لذا «فهى مهمة رجال الأعمال مع الدولة، كما يتم دفع ملايين للاعبى كرة القدم، فيجب توفير الدعم لهذه القنوات لأن هنا العملة الجيدة ستطرد العملة الرديئة، خصوصا أن عندنا رسامين كُثراً من كليات الفنون الجميلة على درجة عالية من الاحتراف، ولدينا تجارب ناجحة مثل مسلسل بكار، وبوجى وطمطم، ودخلت إلى وجدان الشعب كله، فالأمر لا يتوقف عند الرسوم الكارتونية فقط بل هناك العرائس الأقل تكلفة والتى حققنا فيها الكثير من النجاحات، لذلك على الدولة أن تتبنى مثل هذا الأمر، لأن موضوع الإنتاج للأطفال يحتاج لدعم الدولة، فكما دعمت مشاريع مثل مسلسل «الاختيار» الذى حقق نجاحا وتجاوباً كبيرا، يجب تكرار التجربة مع الأطفال، لتعريفهم الصواب من الخطأ، وترسيخ قيمة الأسرة الطبيعية المكونة من أب وأم وأبناء، ولا يعنى هذا أننا نلقى المسئولية على جهة ما بل هى مسئولية جماعية للمجتمع كله، لأن الوضع خطير فابنى يجلس أمامى لكنه فى الحقيقة هو فى عالم آخر ومعرض لأخطار شديدة عبر ما يأتى من الإنترنت دون رقابة».

هجمة منظمة
بدوره، قال الشاعر والكاتب عبده الزراع، رئيس شعبة أدب الطفل باتحاد الكتاب: «بلا أدنى شك هى هجمة منظمة تتولاها مؤسسة والت ديزنى الأكثر شهرة فى العالم، وهذه الهجمة جزء من مخطط خبيث يقوم به الغرب من خلال هذه الشركة العملاقة، لنشر الفسق والفجور، وتدمير أجيال من أطفالنا الذين يتعرضون لمثل هذه الأفلام التى لا تتفق بحال مع قيمنا ولا ثقافتنا ولا عاداتنا وتقاليدنا الشرقية، ولكى نتصدى لهذه الهجمة أرى لابد من تضافر الجهود الحكومية والأهلية لخلق مناخ من الوعى بخطورة هذه الميديا ومحاربتها ومقاطعتها، مع صعوبة هذا لأنه لا يوجد للأسف البديل المصرى ولا العربى لهذه الأفلام التى تقوم على الإبهار بشكل كبير».. وتابع: «كذلك لابد من إنشاء قناة مصرية خاصة بالأطفال لتقديم ثقافتنا وهويتنا وتقديمها للأطفال عن البرامج الترفيهية والتعليمية والثقافية، ومسلسلات هادفة ومسلية، وإنتاج أفلام كارتون مصرية عالية الجودة كى نجذب أطفالنا من أفلام ديزنى المليئة بالعنف، والمكر والخداع، والعنصرية، والتحرش، والعرى، وأخيرا المثلية.. مع خلق إعلام واع للترويج لهذه القناة ومحاربة هذه الثقافة الأجنبية والغريبة عنا.. وإعادة مهرجان سينما الأطفال بعد إلغائه، وإنتاج أفلام قصيرة للأطفال تحمل قيمنا وثقافتنا العربية.. والاهتمام بمسرح الطفل ورسوم الأطفال وغيرها من الأنشطة الثقافية والفنية».

وأكد الزراع أن «أدب الطفل المصرى والعربى يشهد مؤخرا طفرة كبيرة على مستوى جودة المنتج (كتاب الطفل) من حيث شكل الكتاب، وإخراجه، ورسومه، وقطعه، ونوع الورق، وأيضًا على مستوى النصوص من قصص، وأشعار، ومسرح، ووجود مناخ الآن يسمح أن نكتب قصصا ومسرحا ترسخ لهويتنا الثقافية، وتزرع فى نفوس أطفالنا حب الوطن والانتماء للأرض، وأن يكون لدينا الوعى الكافى لما يواجه مجتمعنا المصرى والعربى من حروب خبيثة تريد تدميره لسهولة السيطرة على عقول أطفالنا واحتلالها، وهذا ما تسعى إليه منذ سنوات طويلة بتخطيط متقن، وأن نبدع نحن كتاب الأطفال ما يحصن أطفالنا من وقوع فى براثن كل ما هو غربى، الموضوع جد خطير ويحتاج إلى عمل جاد وخالص لوجه الله والوطن، لإنقاذ الأجيال الطالعة التى نراهن عليها لأنها الحاضر وكل المستقبل، فتطوير كتاباتنا أصبح أمرا حتميا وواجبا وطنيا، لا يقل بحال عن دور الجندى على الجبهة».

المبدأ المرفوض
من جهته، لم يتوقف الدكتور محمد القاضى، أستاذ العلوم اللغوية بجامعة حلوان وكاتب الأطفال، عند ظواهر الأزمة بل عمل على تحليل أسبابها العميقة فى مجتمعاتنا قائلا: «الغرب من حقه أن يدخل قيمه وأفكاره فى أدب الطفل الذى ينتجه، لأنه يوجه هذا الأدب لمجتمعه ويخاطبه بقيمه بغض النظر عما إذا كانت هذه القيم سلبية أو إيجابية بالنسبة إليّ، وذلك عبر رسوم معبرة وألوان زاهية وطبعات فاخرة، فالحل بالنسبة إلينا هو تقديم إنتاج أدبى يرقى للعالمية ويحمل قيمنا»، وأضاف: كل عمل للطفل هو عمل موجه فى النهاية لكن فى حدود معينة، لافتا إلى أن «فيلم مثل (الملك الأسد) كلنا نحبه، لكن به قيمة سلبية واحدة، إذ إنه يحبب الطفل فى حيوان معين بصورة غير منضبطة، فالقصص والبرامج الموجهة للطفل والقائمة كلها على أدب الطفل، تقوم على تمرير قيمة واحدة فى العمل الواحد وبطريقة غير مباشرة، أحيانا تكون القيمة إيجابية وأحيانا تكون سلبية لا ننتبه لها ولا نحس معها أن العمل موجه».

وأضاف: «أصدرت منذ حوالى 7 سنوات كتابا بعنوان (دور البرمجة اللغوية العصبية فى تربية الأطفال)، وأقصد بها مدخلات التربية: الوالدان والأصدقاء والمدرسة والشارع والإعلام، وأكدت أن الإعلام أخطر الروافد لأن الطفل تلازمه الوسائل الإعلامية المختلفة سواء كانت تليفون أو تلفزيون أو كتاب طوال الوقت، فهل نملك القدرة على المواجهة سواء بدبلجة الأفلام المقدمة للأطفال والنشء وقطع الأجزاء التى لا تناسب قيمنا؟ فالأمر هنا أكبر من أن يواجه بتحركات أفراد، بل نحتاج إلى تحرك المؤسسات بل إرادة المجتمع كله الذى استشعر الخطر من الرسائل التى يتم بثها للطفل من سموم خلال الأوعية الأدبية التى تقدم للطفل بغض النظر عن نوعية الوعاء الأدبى، فالخطورة لا تخفى على أحد، لكن العلاج لا يملكه أفراد، بل تملكه مؤسسات».

وعن طرق المواجهة يرى الدكتور القاضى أنه لا يجب أن نعتمد مبدأ المنع كحل وحيد، لأنه يكاد يكون مستحيلا، لأن الممنوع مرغوب، وتابع: «أنا ضد مبدأ حرمان الطفل من شيء، لأنك عندما تمنعه سيبحث عن وسائل أخرى للوصول لهذا الممنوع، والذى منعته عنه بسلطة القهر وليس بقوة الإقناع، فالمنع فى حد ذاته ليس حلا طالما لم توفر البديل القوى القادر على جذب انتباه الطفل، وهنا نضع أيدينا على صلب الأزمة وهو ضعف مستوى أدب الطفل فى مصر والعالم العربى، فهو أدب ضعيف وهزيل جدا، لا يرقى لوضعنا وواقع مجتمعنا، فهو إعادة صياغة لأفكار قديمة بالية لا تناسب الطفل وواقعه الحالى، فلا يوجد عندنا أفكار حديثة لأدب الطفل».

جودة أدب الطفل
وأشار إلى ضعف أدب الطفل العربى عموما: «عندما حكمتُ فى إحدى مسابقات أدب الطفل منذ فترة قريبة وجدت أن معظم الأعمال لا ترقى إلى مستوى الطموحات، لأنها إعادة تقديم لأفكار قديمة، فى مقارنة بما يقدم فى العالم حاليا من أدب طفل شيق وجذاب وممتع. وهنا على مؤسسة مثل اتحاد الكتاب أن ينظم مؤتمرات وندوات لتوعية الكتاب بأهمية أدب الطفل، وأهمية الدور الذى يضطلعون به، وعلى المؤسسات أن تستكب كبار الكتاب ممن لديهم القدرة على تقديم كتابات تنافس على مستوى العالمية ولها دور أساسى فى مواجهة تلك الأفكار السلبية بقيم مجتمعنا فلدينا قيم مجتمعية رائعة لكن الأزمة فى ضعف أدب الطفل بشكل أساسى فى العالم العربى كله، بعدما حصرنا مفهوم أدب الطفل فى كتاب ملون وبه بعض صور الحيوانات والطيور، أى بناء شكلى بلا مضمون».

وشدد على أنه إذا أردت تقييم أدب الطفل فى مصر فى العشرين سنة الأخيرة فستكون الحصيلة هزيلة جدا، وهو أدب ليس بأدب أطفال، لأن البعد التجارى هو الحاكم، وليس البعد التربوى، بمعنى أن أى دار نشر تريد العمل فى أدب الطفل، ستقول لك سننتج قصص الأنبياء، على الرغم من أن قصص الأنبياء قدمت عشرات المرات، أو قصص عن الصحابة أو الصحابيات، أى أن الأمر يقتصر على إعادة الصياغة ومخاطبة الطفل بمثل قديمة، وهنا علينا أن نعى أننا لكى نقنع الطفل يجب أن نخاطبه بلغة عصر وليس بمثل قديمة حتى ولو كانت رائعة، بل أستطيع القول إننا نتراجع على مستوى الإنتاج الأدبى للطفل، فمثلا المكتبة الخضراء التى أصدرتها دار المعارف فى إطار المكتبة الخضراء القديمة، وشغل كامل كيلانى رائد أدب الطفل فى مصر، لم نستطع أن نصل إليه الآن على الرغم من أنه كان الخطوة الأولى التى كان يجب أن نبنى عليها فى أدب طفل حقيقى.