إنهــا مصـــــــر

الثورة والأغانى الوطنية

كــــــــــــرم جبــــــــــــر
كــــــــــــرم جبــــــــــــر

«وصحيت على ثورة بترج الدنيا

ولقيت أوطانى حكمها فى ايديا

وجمال قدامى بينادى عليا

قوم ارفع راسك واشبع حرية

كنت فى صمتك مرغم

كنت فى حبك مكره»

وما أروع صوت عبدالحليم حافظ والشاعر أحمد شفيق كامل والموسيقار العظيم محمد عبدالوهاب.

كان الفن أهم الأسلحة الناعمة لثورة 23 يوليو، وجعل المصريين يتغنون بإنجازاتها، واستلهمت الموسيقات العسكرية الألحان الوطنية، ليتغنى بها الجنود والضباط بجانب المواطنين فى سيمفونية واحدة، شهدت صعود المشاعر الوطنية إلى السماء.

عبدالحليم كان زعيماً لأغانى ثورة 23 يوليو، ورسم صوتها على الشفاه، وزود الجماهير المشتاقة بالحماس والأمل، وأهم مزايا ثورة يوليو أنها رفعت الفن فى مكانة عالية، فوضعتها الفنون فى قلوب الجماهير.

وأبدع فنانو مصر فى الاحتفاء بمناسباتهم الوطنية، أم كلثوم وعبدالوهاب ومحمد قنديل وغيرهم، وكان حفل أضواء المدينة فى احتفالات الثورة، مولداً جديداً لفنانين، وأغنيات مازالت رابضة فى الوجدان، واعتاد الموسيقار محمد عبدالوهاب على أن يقدم ملحمة وطنية كل عام، يشدو فيها كبار نجوم الفن المصريين والعرب.

 لم تكن الكلمات الوطنية للتسلية، ولكنها ملأت الفراغ الوجدانى لأجيال بأكملها، وعلمتهم حب العلم والنشيد والأرض والسماء والمياه، وشيدت بينهم وبين قوى الشر جداراً عازلاً، واختفى المشككون فى حب الأوطان، وكلما ارتفعت المشاعر الوطنية، انحسرت فى مواجهتها دعاوى الطائفية والتشرذم والتطرف.

ذكاء جمال عبدالناصر أنه لم يشهر سيف الإقصاء، لنجوم السياسة والفن والأدب والثقافة، الذين تربوا فى أحضان الملكية، وامتدحوا الملك ونعمه وفضله.
لم يقطع رقبة محمد عبد الوهاب، الذى غنى لفاروق " ياللى آمال الشباب ترويها ايدك.. الليلة عيد الشباب.. الليلة عيدك"، وأصبح عبدالوهاب ملهماً للثورة، وعازفاً أمجادها ألحاناً حماسية على كل لسان.

عبدالوهاب مطرب الملك، هو الذى لحن لجمال عبدالناصر "تسلم يا غالى ألفين سلامة.. كانت ليالى مجد وكرامة.. صحّيت بلادك من نوم طويل.. وكان جهادك ملوش مثيل".

عبدالناصر هو الذى جمع القطبين، أم كلثوم وعبدالوهاب، وأنهى سنوات القطيعة والخلاف والعداء، وحدث لقاء السحاب فى رائعة "أنت عمري".. وكانت ليلة أحلام أسعدت المصريين جميعاً.

أم كلثوم هى التى ارتجلت كلمات بديعة فى أغنية "يا ليلة العيد"، عندما دخل الملك فاروق النادى الأهلى وهو يقود سيارته بنفسه، وجلس فى الصف الأول، فغنت له "يا نيلنا ميتك سكر.. وزرعك فى الغيطان نور.. يعيش فاروق ويتهنى.. ونحيى له ليالى العيد".

أم كلثوم التى منحها الملك فاروق نيشان الكمال، وهو أول إنعام ملكى تحظى به فنانة مصرية فى التاريخ، وأصبح لقبها "صاحبة العصمة"، هى أيضاً التى لقبها عبدالناصر "الهرم الرابع"، وغنت له "يا جمال يا مثال الوطنية".

ويبقى من ثورة يوليو، الشدو القادم من أعماق الذكرى، فما زلنا نشعر بالحنين لأغانى الثورة.. ليس مهماً أن نستدعيها فى أيام الذكرى، ولكن أن نتذكر أننا شعب كان يتوج أفراحه بالألحان، كلمات ليست كلمات، ونجوم عاشوا فى زمن الإبداع.