من وراء النافذة

من يوليو إلى يناير.. ومنه إلى يونيو

هالة العيسوى
هالة العيسوى

مصادفة جميلة أن يتواكب ميلاد جريدة الأخبار، مع ميلاد ثورة يوليو فى نفس العام يفصل بينهما أقل من شهرين.

كبرتا معًا ونضجتا معًا، كلتاهما تحتفل هذا العام بسبعينيتها.

وكأن القدر أراد أن تولد «الأخبار» أولًا لتشهد ميلاد الثورة، والجمهورية الأولى.

ومع أن شهر يوليو يحفل بأهم الأعياد الوطنية عالميًا، ففى الرابع منه يحل عيد الاستقلال الأمريكى الذى يرمز لاستقلال أمريكا عن بريطانيا، وفى الرابع عشر منه يحل العيد الوطنى الفرنسى، الذى يرمز لاقتحام سجن الباستيل أشهر سجون القمع فى العالم قبل سجن جوانتانامو المعاصر، إلا أن الثالث والعشرين منه يرمز إلى الثورة على الاحتلال البريطانى، ويرمز السادس والعشرون منه إلى جلاء الاحتلال عن مصر. 

ثمة خيط رفيع يربط فى الذاكرة الجمعية المصرية بين شهرى يوليو، ويناير.

فكلاهما شهد ثورة شعبية هائلة بفارق عشرات السنين. وحدة الأهداف والمصير كانت العامل المشترك الأكبر بين الثورتين.

كلتاهما قامت ضد الاستبداد والفساد والمحسوبية، الأولى قام بها الجيش واحتضنها الشعب، والثانية قام بها الشعب واحتضنها الجيش. «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» كانت مطالب الشعب فى 2011 وهى ذاتها المبادئ التى قامت عليها ثورة يوليو 1952.

بمرور الوقت عانت الثورتان كثيرًامن الهجوم، والإنكار، والتجاهل والتخلى عن مكتسباتهما. كانت النقطة الفاصلة فى الانقلاب على ثورة يوليو، هى وفاة زعيم الأمة جمال عبد الناصر مؤسس الجمهورية الأولى، وكأن الثورة بكل معانيها، وقيمها ومفاهيمها التصقت بشخص عبد الناصر، وليس بمكتسبات شعب، ومقدرات أمة.

تم تشويه المنجزات، فالإصلاح الزراعى أتُهِم بتفتيت الملكية الزراعية، وبدلًا من الحفاظ على الثروة الزراعية تم تبوير الأراضى، والبناء عليها. السد العالى الذى حمى مصر من الفيضان، إتهم بتجريف الطمى.

مجانية التعليم التى أتاحت للطبقات البسيطة الحصول على قدر من التعليم المميز، أصبحت فى خبر كان، وتدهور مستوى التعليم إلى أدنى مستوياته، وبات على الراغب فى تعليم أبنائه تعليمًا لائقًا أن يتحول إلى الأنظمة الدولية باهظة التكاليف. حتى العدالة الاجتماعية التى خفضت الفوارق بين الطبقات أطاح بها انفتاح السداح مداح، ونشأت طبقات جديدة تغولت، وابتلعت الطبقة الوسطى التى كان من المفترض أن تمثل غالبية الشعب. الصناعات القومية انهارت وانهارت معها قلاع صناعية كبرى.

قوتنا الناعمة التى كانت تجوب أقطار العالم من دعاة ومدرسين وفنانين ومثقفين تحولت إلى قوة رخوة ليس لها تأثير.

أما ثورة يناير فكانت اللحظة الفارقة فيها، هى قفز الإخوان عليها، ووصفت بالمؤامرة . عزز هذا الوصف اعترافات المسئولين الأمريكيين بالعمل على هدم مقومات الدولة المصرية مستعينة بالإخوان، ومستغلة لأوضاع أثارت حنق غالبية الشعب وثغرات اجتماعية ساعدت على خلق مناخ الغضب الشعبى كظهور فكرة التوريث بديلًا عن مبدأ التداول السلمى للسلطة. 

لم ينقذ ثورة يوليو إلا ثورة يناير. ولم ينقذ ثورة يناير إلا ثورة يونيو 2013 لتعيد الأمور إلى نصابها، وتبدأ فى بناء الجمهورية الجديدة. بين الجمهوريتين الأولى والجديدة سبعون عامًا، وكلتاهما تبنيها سواعد أبناء الوطن.