د. هبة جمال الدين تكتب: قراءه في كلمات القادة العرب بمؤتمر جدة

د. هبة جمال الدين
د. هبة جمال الدين

كانت الاجواء المتخوفة والمشككة تحيط بقمة جدة للأمن والتنمية ما بين التصريحات والتكهنات، والغضب الذي صاحب زيارة الرئيس الأمريكي للكيان الصهيوني، ووصفه لنفسه في المطار بأنه قد لا يكون يهودي، ولكنه صهيوني" والرسائل المرفوضة عربيا واسلاميا التي ارسلها من داخل إسرائيل، تمخضت بوعود اشبه بوعد بلفور.. وعد من لا يملك لمن لا يستحق" وأسمتها بإعلان القدس، الذي وعد خلاله إسرائيل بتكامل اقليمي وتطبيع عربي واسلامي أكبر وأكبر في إطار اتفاقات ابراهام او استكمالا لها، وتلميح عن ناتو شرق اوسطي لمجابهة الخطر الايراني، ووصفه لإسرائيل بالدولة الحرة المستقلة مسقطا القضية الفلسطينية برمتها من أيه حسابات.

وتعالت الاستفزازات الصهيونية للمشاعر العربية والإسلامية للتشكيك في القادة العرب، وتثبيط الهمم حتي أن البعض اعتبر فلسطين قضيه شعبها فقط، ثم جاءت القمة العربية لترسل عده رسائل مدويه لأمريكا وإسرائيل؛ سأطرح أبرزها في الاتي:

أولا: الاستقبال السعودي للوفد الأمريكي كان صدمه لبايدن نقرأ ملامحها من خلال لغة الجسد للرئيس الامريكي، فظهر رافضا لأن يسير جنبا بجانب مستقبليه، وهرول لركوبه السيارة هربا من الاعلام، ثم استقبال سريع عبر سلام الكورونا علي بوابة القصر، حينما استقبله الامير محمد بن سلمان، وكأن بايدن لم يتماسك من صدمته. في المقابل استقبال دافئ للوفود العربية من قبل ولي العهد. وكأن الرسالة أن العالم يتغير سيدي الرئيس وكفي استعلاء على العرب.

ثانيا: رسائل قوية كامنة بكلمة ولي العهد السعودي: حملت كلمة الامير بن سلمان قنابل مدويه. بدأت بدحض الخطر الايراني عبر تغيير لغة الخطاب في وصف ايران بدوله جاره ، ووجهه سموه الدعوة لها للتعاون ، ومن ثم فمبرر الحلف العسكري مع إسرائيل غير قائم، الامر الذي كررته الكويت في كلمتها ، وارتباطه بقضيه المصالحة اليمنية اليمينة المتشابكة بالطبع مع الدور الايراني، فأعلنت السعودية أن المصالحة رهنا بالإرادة اليمنية،  ثم انتقل للصفعة الأمريكية التي تحرك لها بايدن منتفضا ناسيا كاميرات التلفاز والاقمار الصناعية ألا وهي انتاج البترول فرغم زياده انتاج السعودية من ١٠.٢٣ مليون برميل الي ١٣ مليون برميل يوميا كنوع من الاستجابة لمطالبات الرئيس بايدن، لكن الامير كان حازما في قوله ولن يمكننا زياده الانتاج اكثر من ذلك الحد في اعلان الإرادة العربية الحرة التي تحركها المصلحة القومية دون سواها.

وكانت الرسالة الاهم في الصدارة القضية الفلسطينية قضيه كل العرب العادلة فأعلن ، كأول كلمه عربيه أن فلسطين عادت لصداره الموقف

ثالثا: قضايا محورية فاصله ومشتركه في كلمات القاده العرب:

- كانت فلسطين هي القضية التي احتلت الصدارة وحظت بالإجماع العربي فشغلت النقطة الاولي في مبادرة سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وكل القادة العرب الذين طلبوا حق الكلمة اعلنوا موقف عربي واحد.

الحل العادل للقضية الفلسطينية علي ضوء مبادرة السلام العربية وفقا لحدود ٦٧ والقدس الشرقية عاصمه فلسطين، الأمر المخالف للطرح الامريكي المعلن في إسرائيل المحطه الاولي للزياره . ولم ترد كلمه اتفاقات ابراهام من قريب او بعيد. حتي ان البحرين احد دول الاتفاق الابراهيمي اعلنت موقفها المتطابق مع رؤيه السلام العربيه، واعلن أمير قطر اننا نملك رؤيتنا للسلام فلماذا نتبني رؤيه اخري للسلام وان رفضتها إسرائيل بسبب الراي العام لديها فنحن أيضا لدينا رأي عام لدينا. وكان نتيجة التنسيق المصري قبيل الزيارة واضحا في تصريحات الامير تميم فكان معارض للاستيطان وسياسه القمع والعنف وفرض الامر الواقع وربما تم الاتفاق ان يوجه هو ذاته الاتهامات لاسرائيل لتكون رساله مدويه للدعم والوحده العربيه ودحض اي وقيعه حدثت من قبل ساهمت في تأجيجها إسرائيل.

- صمت الامارات وعمان يمكن ترجمته بموقف عدم الانحياز . فالامارات القطب المحرك لاتفاقات ابراهام وما تضمنته من اتفاقات اقتصادية وسياسيه معلنه وهي عضو رئيسي في الخليج العربي.  فكان عدم الانحياز هو الخيار الافضل الامر الذي توافق مع عمان صاحبه الموقف الاقدم في هذا الصدد ، ويحسب لها ذلك فهي لم تشق الصف العربي بأيه مواقف مغايره او مناوئه.

- حمايه المقدسات ورعايتها اردنيا يلغي محاولات إسرائيل لتصفيه النفوذ الاردني علي المقدسات الاسلاميه بالقدس ، لتستكمل مخططها التهويدي الامر الذي كشفه امير قطر في حديثه عن انتهاكات إسرائيل بالقدس وهذا ما اجهض في البيان الختامي للقمه الذي أكد علي دعم الدور الأردني في حمايه المقدسات

- مخطط إسقاط الدول القومية كشفه سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في حديثه عن مخططات تعلي من الطائفية على حساب الهوية الوطنية لتعود بنا لما قبل عصر الدول القومية وهذا ما طرحته مجلة foreign affairs  الامريكية في ديسمبر ٢٠٢١ تحت عنوان نهايه الشرق الاوسط ، في رساله قويه لامريكا والغرب اننا نقف علي ما تفكرون وتخططون اليه.

- كما وضع سيادة الرئيس المجتمع الدولي امام مسؤليته بسبب دعم قوي كبيرة للجماعات الارهابيه والميليشيات التي تتحرك بدعم دولي واضح كاحد أدوات  تقويض الدول القوميه.

- وكانت قضيه سد النهضه مطروحة في التحديات الكبيره التي نواجهها خلال كلمه سياده ألرئيس وحظت علي دعم عربي بلا منازع .

وجاءت قضيه تغير المناخ لتمثل محل اتفاق بين الدول العربيه ككل والولايات المتحدة التي اشار اليها بايدن في خطابه ، ولكن اتمني الا تتخذها امريكا وفق طرح مركز EMergy بجامعه فلوريدا انه المحرك للتحكم المركزي في الموارد لصالح من يمتلك تكنولوجيا ترشيد المورد.

- وكان لفظ الوطن العربي حاضرا في خطب القاده العرب ، خاصه سياده ألرئيس السيسي حيث ذكره اكثر من مره مما يجهض ايه محاولات لتغير هويه المنطقه.

ولكني اتمني ان يتم تحويل اقتراح العراق من بنك شرق اوسطي لبنك عربي كي لا تدخل فيه مستقبلا دول غير عربيه.

نجحت قمه جده فيما تم الاعلان عنه من قبل القاده العرب في اعاده القضيه الفلسطينيه للصداره ، وتقديم دعوه لايران للتعاون ورأب الصدع ولكن مع حمايه السياده العربيه وعدم التدخل في شؤون الدول. فحافظت الدول العربيه علي هويتها،

ولكن المحك هو المستقبل هل ستقف امريكا دون تهديدات ووعيد هذا ما علينا الانتظار بشأنه .

وعلي الصين وروسيا تقديم الدعم والموازنه فيما ستضغط بصدده الولايات المتحدة

مما يطرح تساؤلات حول :ماذا بعد :

- هل يمكن استثمار التعاون والتنسيق العربي العربي لاحياء الجامعه العربيه؟

- هل يمكن أن ينتقل التعاون العربي العربي الي فاعلين من غير الدول كالجامعات ومراكز الفكر العربيه؟

- هل يمكن للصين وروسيا التدخل نحو مزيد من الدعم للدول العربيه لتقليل الضغوط الصهيو امريكيه المتوقعه بقوه لدعم اعلان القدس المزعوم؟

لابد أن تكون القمه بدايه لحقبة تعاون عربي عربي أكثر وعيا بالمصلحه العربية.

د. هبة جمال الدين

الاستاذ المساعد بمعهد التخطيط القومي وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية