نجل زعيم تنظيم القاعدة من العيش في كهوف أفغانستان إلى الحياة في فرنسا

عمر داخل معرضه
عمر داخل معرضه

كتب: مي السيد 

 لم تغره نفوذ وسلطات والده، ورغم أنه كان يمكن أن يكون خليفته فى رئاسة أخطر منظمة إرهابية خلال العصر الحديث، إلا أنه ومع أول فرصة هرب من مصير غامض كان ينتظره لو استمر فى السير خلف والده، وشق لنفسه طريقًا مختلفًا تمامًا، جعله حديث العالم خلال الأيام القليلة الماضية.

 

خلال فترات الحجر المنزلى عندما كان فيروس كورونا المستجد مسيطرًا على العالم، حاول عمر بن لادن نجل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، اكتشاف نفسه بعد أن استقر فى فرنسا، بعد جولة شملت العديد من الدول الأوروبية، عقب خروجه من عباءة أبيه وانفصاله عنه وهو فى سن التاسعة عشر تاركًا أفغانستان بكل ما فيها، ووجد من الرسم ملاذه للتعبير عن أحلك الفترات التى مر بها فى حياته.

 

ومن أجل معرفة الظروف التى مر بها عمر بن لادن والتى أوصلته إلى العالمية، لابد من إلقاء الضوء على طفولته ووالده الذى كان سببًا رئيسيًا فى إطلاق دول العالم ما سمي بالحرب على الإرهاب، حيث كانت تلك الكلمة سببًا فى إلحاق الأذى بملايين المسلمين المسالمين حول العالم، من بينهم عمر نفسه.

 

الطريق المر

ولد عمر البالغ من العمر الآن 41 عامًا  فى المملكة العربية السعودية، وسافر فى شبابه مع عشيرة بن لادن إلى باكستان، ومن هناك إلى السعودية، ثم إلى السودان، وأخيرًا إلى أفغانستان، إلى أن استقر الأمر فى فرنسا يعرض لوحاته التى يتكالب عليها غالبية عشاق فن الرسم.

 

يروى عمر بن لادن رحلته الصعبة التى تشكلت فيها أفكاره بعيدًا عن والده حيث أكد أنه كان من بين 9 أشقاء لزعيم تنظيم القاعدة من زوجته السورية الأولى والتى تزوجها فى سن صغير، واستمرت الأسرة فى الهجرة، فبعد تركهم للسعودية قرروا التوجه إلى السودان وأعطى والدى لأشقائى وثائق قانونية تفيد بأن أبناءه الثلاثة الأكبر سيُمنحون سلطة التصرف نيابة عنه عند وفاته، ولم يظهر اسمه فى القائمة، وعلم وقتها أنه سيرحل مع والده إلى المجهول.

 

حتى فوجئ بوالده يقول لهم؛ «سأرحل غدًا ومعى عمر، وعلمت وقتها أن المحطة التالية كانت أفغانستان، حيث  قرر والدى تأسيس تنظيم القاعدة مع أيمن الظواهرى عام 1998، عقب سحب الجنسية السعودية منه، بهدف محاربة ما أسماهم باليهود والصليبيين، انتقل بالفعل مع والده إلى أفغانستان وهو طفل صغير.

وهناك وصلوا إلى وادى سافان جار الأفغانى الذى يسمى الجبل الأبيض، وأصبح منزلهم الجديد هو كهف، يعيشون فيه بلا كهرباء ولا مياه، وعن هذا قال؛ «أتذكر عندما وصلت الكهف لأول مرة تساءلت عما إذا كانت والدتى ستضطر للذهاب مع إبريق من الماء على رأسها، وتكافح لتسلق جبل صخرى لجلب الماء للشرب والطهى؟ ثم تذكرت أنه لا يوجد مطبخ، ولا حمام».

عام كامل ظل عمر متواجدا بين الجبال، واصفًا أنه كطفل كان يعيش مغامرة ممتعة، ولكن بعد مرور الوقت افتقد حياته فى بلده المملكة العربية السعودية والحياة الأسرية التى كان يعيشها، وتحدث عن تلك الفترة قائلاً؛ «افتقدت الحياة الأسرية والحياة الطبيعية، دون عنف وحروب، لذلك قررت المغادرة».

 

ذكريات صعبة

روى عمر بن لادن عدد من المواقف والذكريات التى وصفها بالصعبة مع والده زعيم تنظيم القاعدة كان من بينها اجتماع دعا إليه والده جميع أعضاء التنيظم فى عام 1999 وظل خلال حديثه معهم يتحدث عن الشهادة وفوائد من يبذل حياته من أجل الإسلام، وأكد عمر أن والده وضع على حائط المسجد قائمة لرجال تطوعوا ليكونوا انتحاريين.

 

حيث يقول عمر أنه فى نهاية الاجتماع دعا والدى جميع أبنائه بما فيهم أنا للتجمع فى حلقة وقال لنا أنه من أراد أن يضحى بحياته من أجل الإسلام فعليه أن يضيف اسمه، لافتًا أنه فوجئ بأخيه الصغير يدون اسمه كشهيد للمستقبل، حيث غضب من والده لعدم منع أخيه من تسجيل اسمه كونه صغير جدا فى السن ولا يدرك معنى الموت والحياة.

 

ولذلك كما يقول عمر قرر أن يواجه والده لأول مرة وقال له نصا؛ «أبى .. كيف يمكنك أن تطلب هذا من أبنائك؟، وكانت تلك اللحظة كما شرحها هى بداية خيبة الأمل لأبى منى، مؤكدًا أن والده كان يؤكد فى أغلبية لقاءاته أنه وريثه الشرعى، ولكن بعد هذا الموقف عرف أبى أن ذلك لن يحدث، وعرفت وقتها أننى أهدرت وقتًا كبيرًا فى حياتى ورحيلي قادم لا محالة مع أول فرصة، فأنا لست إرهابيًا ولكني فنان».

 

وعن علاقتهم بوالده قال عمر؛ إنه كان قليلا ما يسمح لهم بالتحدث فى حضوره، وعندما يتحدثون كان بصوت منخفض، لأن والده يرى أنهم لابد أن يكونوا جادين فى كل شيء، وكانوا ممنوعين من إلقاء النكات والتعبير عن الفرح، مشيرًا أنهم كانوا يبتسمون بغير ضحك فى حضور والده.

أحداث سبتمبر

يروى عمر أيضا اللحظات التى عاشها وقت تفجير برجى التجارة العالمى في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قال؛ إنه فى صباح ذلك اليوم عام 2001، فوجئ بعمه يقتحم المنزل فى وجود جدته وصرخ علينا جميعا وطلب منا الحضور لغرفته لمشاهدة التلفاز وقال لنا؛ «انظروا ماذا فعل أخى خرب حياتنا ودمرنا».

 

لم يدرك عمر ما يشاهده على التلفاز لصغر سنه فقط كما يقول كان يرى مبانى شاهقة تحترق، مؤكداً أنه لم يصدق أن يكون هناك شخصا نحبه ونقدره هو من يقف وراء تلك الهجمات الدموية، مشيرًا إلى أن ذلك اليوم غير حياتهم جميعًا إلى الأبد، وكان من الصعب عليهم الاستمرار بالعيش هناك مرة أخرى.

 

أكد عمر بن لادن أنه ومع أول فرصة حصل عليها قرر الرحيل نهائيًا، وتمثلت فى حصوله على إذن للسفر مع والدته الحامل إلى سوريا، راويًا عن آخر مرة شاهد فيها والده قائلاً؛ أنه نظر إليه نظرة غير سارة، واصفًا أن نظرة والده كانت محاولة منه لتغيير رأيه فى الرحيل، ولكنه صمم على الرحيل بعد الظروف التى مر بها، وهنا قال له والده «تذكر يا عمر، من الآن فصاعدا كل شيء بينك وبين ربك».

وقبل انصرافه قرر عمر أن يبوح لوالده كل ما كان يريده حول الأهوال التى عاشوها، وأكد له أن الحرب لن ترحم أحدًا، وأخبره أن جميع أفعاله كانت خاطئة وأن الطريق الصحيح هو السلام وليس الحرب، مشيراً أنه كان يعلم أن العالم كله اضطهد والده وكان متيقنا أنهم سيقتلونه.

وعن ملابسات مقتل والده قال عمر؛ خلال هذه السنوات من الخسارة والحزن، كان على أن أتصالح مع حقيقة والدى وفى يوم الاثنين 2 مايو 2011، شنت الولايات المتحدة عملية نبتون، والتى قتل فيها والدى ووقتها شعرت بالارتياح لأنه انتهى، لافتًا أن اسم عائلته سبب الكثير من المتاعب له فى العديد من الأماكن وخاصة فى العالم العربى، حيث يتعرض للكراهية كونهم يعتقدون أنه مثل والده، لافتًا أن الوضع مختلف فى العالم الغربى.

 

عمر بن لادن الفنان

من أجل لقمة العيش وجد عمر بن لادن من الرسم ملاذا له، وذلك عقب زواجه منذ 20 عاما من جين فيليكس براون التى تكبره بخمسة وعشرين عامًا، واستقر فى مدينة نورماندى بفرنسا عام 2016، حيث يقول أن بداية توجهه لمهنة الرسم من خلال زوجته التى كانت ترسم، وشعر  بالحاجة إلى ممارسة هذا النشاط.

 

وخلال فترة الحجر لم يكن عمر يفعل شيئًا بينما كانت زوجته ترسم، ومن هنا فكر فى مزاولة المهنة وقام بمشاهدة مقاطع على الإنترنت، لافتًا إلى أنه أحبب المهنة، وقرر رسم لوحات تعتبر انعكاسًا لذكريات الطفولة ومراهقته، وكان من بين أهم لوحاته المعروضة لوحة بها جبال مرسومة باللون الأحمر، واصفاً أنها هي نفس الجبال التى كان يعيش بها فى افغانستان، مشيرًا إلى أن رسمها باللون الأحمر يرمز إلى المعاناة والحرب والتفجيرات والموت.

 

أحد التجار الفرنسيين قال لوسائل الإعلام الفرنسية؛ أن لوحات عمر تباع بشكل كبير، مؤكدًا أن بعض اللوحات حجزت مسبقاً، لافتًا إلى أن اسم بن لادن يستقطب المشترين، ويتراوح سعر اللوحات الصغيرة بين 750 و800 يورو، بينما يبلغ سعر الكبيرة منها بين 2000 و2500 يورو، وعن سبب استقراره فى فرنسا قال عمر؛ أنه شعر بحرية كبيرة ولا يسأل عن تصرفات وأفعال والده، فالجميع يحترمه ويقدره ويتركوه كما يقول يعيش فى سلام.