الإسكندرية قبلة المسرحيين والنجوم لهذه الأسباب

دار أوبرا الإسكندرية
دار أوبرا الإسكندرية

كتب: محمد عزالدين 

عروس البحر المتوسط الإسكندرية من أوائل المدن المصرية التى شهدت بداية ظهور الفن المسرحى فى مصر بشكله المعروف حديثاً، وتضم عروس البحر المتوسط عدة مسارح ومراكز ثقافية، منها مسرح زيزينيا الذى تم تأسيسه 1918، وكان يطلق عليه تياترو محمد على، وأيضا دار أوبرا الإسكندرية التى أطلق عليها اسم فنان الإسكندرية سيد درويش اعتباراً من 1962، هذا بالإضافة إلى مسارح محمد عبدالوهاب والسلام والليسيه ولونا بارك.

 

يرجع الفضل لظهور الفن المسرحى بالإسكندرية لوجود عدد كبير من الجاليات الأجنبية التي أقامت بها واستوطنوها، ومنذ ذلك الوقت مارست تلك الجاليات بتنوع أصولها، كافة الأشكال الثقافية التي تربوا عليها فى وطنهم الأصلى، وكان أحد أهم هذه الممارسات الثقافية فن المسرح، فقد افتتح الفرنسيون المقيمون بالإسكندرية “المسرح الفرنسى” فى 3 نوفمبر 1829  للاحتفال بعيد ميلاد ملك فرنسا، حيث تم عرض مسرحيتين (المحامي باتلان) و(الذواقة المفلس) من تأليف يوجين سكريب، وقد قام بتصميم الديكور الفنانين المصاحبين للعالم شامبليون، وكان الجمهور مكونا من الأوربيين وبعض ضباط الباشا الأتراك وبعض النساء.

 

 وشهدت الإسكندرية في السنوات التالية انتعاشا كبيرا في عرض المسرحيات الفرنسية والإيطالية أيضا، حيث كان أول عرض إيطالي قدم في الإسكندرية فى التاسع من أكتوبر عام 1841 قدمته فرقة زائرة محترفة وكان أوبرا دونيسيتى “إكسير الحب”، وتوالت بعدها العروض الأجنبية، حتى ظهرت أول مساهمة مصرية فى أعمال مسرحية بالإسكندرية وذلك فى منتصف القرن التاسع عشر في مسرح بالهواء الطلق مسرحية إيطالية كانت البطلة فيها مصرية سمراء الوجه لكنها باللغة الإيطالية، وكانت العروض المسرحية الإيطالية، هى الأولى التي تم عرضها على مسرحي زيزينيا وروسيني عند افتتاحهما في ديسمبر 1864.

 

وظلت العروض الإيطالية هى المهيمنة على هذين المسرحين طوال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، حيث قدم الفنان التراجيدي الإيطالي الكبير (إرنستو روسى) بصحبة فرقة مكونة من أربعين ممثل وممثلة في يناير عام 1881 اثنى عشر مسرحية لمدة شهرين بمسرح زيزينيا، ولاقت تلك العروض نجاحا كبيرا وحازت شهرة عظيمة لدرجة أن أهالى القاهرة شعروا بالغيرة من أهالي ىالإسكندرية، وطالبوا بحضور الفرقة لتعرض عروضها في الأوبرا الخديوية بالقاهرة.

 

ولأن المدينة الساحلية أصبحت مصدر نشاط فنى ومسرحى كبير مما كان عامل جذب مهم لعدد كبير من الفرق المسرحية الشامية التى كان لها فضل كبير فى دخول المسرح العربى إلى مصر مع نهايات القرن التاسع عشر، حيث تشجعت الفرق العربية فى إقامة تعاون فنى غير مسبوق مع الفرق الأجنبية. ففي عام 1894، قام سليمان القرداحي صاحب الفرقة المسرحية الشهيرة باسمه – وعلى مسرحه – بتمثيل دور البطولة في مسرحية (عطيل)، التي عرضتها الفرقة الإيطالية. حيث مثلت الفرقة باللغة الإيطالية، ومثل القرداحى دور البطولة فيها باللغة العربية، بالإضافة إلى ذلك كانت هناك أنشطة مسرحية للهواة تم تقديمها من خلال جمعيات أهلية واجتماعية.

48 مسرحاً 

بلغت مسارح الإسكندرية فى فترة ما  48 مسرحا كانت تعج بالفن والإبداع، ولم يتبق منها إلا بعض المسارح، منها «بيرم التونسى»، «الأنفوشى»، «الحرية للإبداع»، «ليسيه الحرية»، وتحول البقية لمجرد ذكريات كانت شاهدة على بدايات عمالقة زمن الفن الجميل، الذين كان لهم دور كبير فى انشاء عدد من المسارح بها،  مثل الفنان إسماعيل يس الذى ما زال مسرحه موجوداً حتى الآن، باسم مسرح «عبدالمنعم جابر» فى منطقة كامب شيزار، وهو من المسارح التى أنشئت منتصف القرن الماضى، ولا تزال تستضيف بعض العروض المسرحية.

 

وكذلك أنشأ نجيب الريحانى هو الآخر مسرحا بمنطقة كامب شيزار على الكورنيش، إلا أنه تهدم منذ بدايات الستينيات بعدما أصابه الإهمال الشديد، وشيدت فى موقعه عمارة سكنية بها مقهى يحمل اسمه.

وتحتضن الإسكندرية مسرح «ليسيه الحرية»، أحد المسارح القديمة الموجودة بمنطقة الشاطبى داخل مدرسة الليسيه، التى أنشأتها البعثة الفرنسية عام 1909، وتم تأميمها عام 1961، حيث يعد من أهم المسارح التراثية، ويعرض عليه الآن عروض المدارس المسرحية.

وهناك أيضا مسرح “محمد عبدالوهاب” بمنطقة الأزاريطة التابع للبيت الفنى للفنون الشعبية، الذى كان يستضيف عروض الفرق الاستعراضية مثل فرقة رضا، وعاد للحياة مؤخرا بعد خضوعه لأعمال الترميم والتطوير بعد إغلاقه فترة دامت 11 عاماً.

وأيضا مسرح بيرم التونسى، أحد مسارح البيت الفنى، وهو الأشهر حاليا بعد تجديده وتشهد العروض المقدمة عليه زحاماً شديداً أثناء عرض المسرحيات خاصة فى أشهر الصيف.

فيما يقدم مسرح «الحرية للإبداع»، التابع لصندوق التنمية الثقافية، العديد من العروض الفنية المتنوعة ما بين الكورال والباليه والأعمال العربية والكلاسيكية، وهو مجهز بأحدث الأجهزة الصوتية والضوئية.

قبلة للنجوم

وقبل عقدين من الزمان وأكثر كانت الإسكندرية هى الوجهة الرئيسية للعروض المسرحية ونجومها وجمهوها خاصة طوال أشهر الصيف كل عام، بمتوسط 7 عروض مسرحية فى الموسم الواحد بكولة كبار النجوم، وعندما كان يطلق على الموسم الصيفى “مضروب” يقصد به أن عدد المسرحيات وأسماء نجومها أقل من المعتاد، فكان كبار النجوم يتباهون بافتتاح عروضهم المسرحية الضخمة بالمدينة الساحلية أولا، قبل انتقالها للعرض فى الموسم الشتوى بالقاهرة.

وكان عادل إمام أحد النجوم الذين يهمتون بتقديم عروضهم المسرحية بالمدينة الساحلية بشكل دائم، ومنها مسرحية “شاهد ما شفش حاجة” التى قدمها على مسرح لونابارك بالإبراهيمية فى سبعينيات القرن الماضي، وفى ذلك الوقت كانت تعد العرض الأغلى بقيمة تذكرة بلغت 95 قرشًا. ولعل أبرز ما ميز العرض هناك هو وجود الفنانة هالة فاخر التي كانت تتبادل دور البطلة مع ناهد جبر.

وعلى مسرح الليتوريا بالإسكندرية برزت موهبة الفنان الراحل سمير غانم ابن كلية الزراعة جامعة الإسكندرية، ومنها بدأت انطلاقته إلى عالم الفن والمسرح والسينما والتليفزيون، لذا كان من أبرز النجوم حرصا على تقديم عروضه المسرحية بالإسكندرية، وكان آخرها مسرحية “ترالم لم” الذى عرض على مسرح “الليسيه” عام 2010 وكانت وقتها تعتبر مخاطرة لأن موسم الصيف فى الإسكندرية كان قصيرا للغاية لحلول شهر رمضان، إلا أنه تمسك بالعرض أمام الجمهور السكندرى الذى اعتاد مشاهدة عروضه المسرحية دوما.

كما كان للفنان الكوميدى محمد نجم صولات وجولات على مسارح الإسكندرية، حيث أسس فرقته الكوميدية التي تحمل اسم «فرقة نجم»، ويعد مسرح نجم، من أكثر المسارح التي شهدت تقديم عدد من العروض الفنية المميزة على مدار عدة سنوات، ومن أبرزها «عبده يتحدى رامبو»، «البلدوزر»، «إعقل يامجنون»، «دول عصابة يابابا».

 وانقطع محمد نجم عن الفن والإسكندرية لفترة قبل عودته بعدد من العروض المسرحية، حيث قدم فى 2014  “حسنين يعيش مرتين”، على مسرح إسماعيل ياسين، وقدم فى العام التالى عرض “البريمو” على مسرح محمد عبد الوهاب، فى ظل رغبة شديدة منه لتكثيف عروضه بالإسكندرية، واستثمار نجاح عروض مسرح الدولة التى بدأت فى غزو المدينة الساحلية فى تلك الفترة، وساهم هذا النجاح فى استمرار عروضه حيث قدم مسرحية “الاونطجى” بمسرح كامب شيزار.

وفى السنوات الأخيرة شهدت المدينة الهادئة عودة قوية للمشهد المسرحى هناك بعدما اتجه عدد كبير من صناع الحركة المسرحية سواء على مستوى القطاع الخاص أو العام لتقديم عروض تتناسب مع موسم الصيف، وكان أهمها عرض “ياما في الجراب يا حاوي” للنجم يحيى الفخرانى على المسرح الكبير بمكتبة الإسكندرية، كأول مسرحية جماهيرية كبيرة يتم افتتاحها بالإسكندرية منذ سنوات.