فى الصميم

حل الدولتين.. أى دولتين؟!

جلال عارف
جلال عارف

الإنجاز الأهم للحركة الوطنية الفلسطينية هو أنها استطاعت بالتضحيات الغالية وبعشرات الألوف من الشهداء- أن تستغل نوات المد العربى لتحول القضية من قضية لاجئين يبحثون عن الإغاثة، إلى قضية شعب يبحث عن أرضه المغتصبة ويناضل من أجل تحريرها وإقامة دولته الحرة المستقلة.

الآن تواجه فلسطين التآمر لإعادتها إلى نقطة البداية.. نظرة واحدة على زيارة بايدن للمنطقة تقول إن ما حمله لفلسطين ليس إلا خطوة أخرى فى هذا الاتجاه. الساعتان المخصصتان لفلسطين فى برنامج الزيارة قضى بايدن معظمهم فى زيارة مستشفى فلسطين والمرور على كنيسة القيامة، والدقائق التى قضاها مع أبومازن تبدو وكأنها من باب «رفع العتب»، والسلة الأمريكية لا تحتوى إلا على مساعدات مالية للمستشفيات وغيرها، أما السياسة فلا تحضر إلا بحديث لا معنى له عن حل الدولتين دون إشارة لأى خطوة لتحقيق ذلك، ودون مطالبة حاسمة بوقف الاستيطان وتمسك بالشرعية الدولية التى تعتبر الاستيطان جريمة وتؤكد أن الضفة وغزة والقدس العربية هى أرض فلسطينية تحت الاحتلال.

استمرار الاستيطان فى ظل الدعم الأمريكى الذى لم يتوقف يوما لا يعنى إلا أن الحديث عن «حل الدولتين» سيكون بلا معني، وأن حل الدولة الواحدة سيفرض نفسه. وهو أمر لن تتحمل نتائجه إسرائيل أو أمريكا. فالأغلبية فى هذه الدولة الواحدة ستكون للفلسطينيين، والعنصرية الصهيونية التى يتجاهلها بايدن ومعظم الساسة الأمريكيين حتى الآن ستفرض على العالم كله أن يواجهها كما واجه نظام الفصل العنصرى فى جنوب افريقيا حتى أسقطه رغم تأييد أمريكا له حتى اللحظة الأخيرة!!

بايدن يعرف ذلك جيدا، ويعرف أنه حتى داخل حزبه «الديمقراطي» هناك جناح يتنامى يرفض انحياز الإدارة الأمريكية لإسرائيل وتغاضيها عن العنصرية الصهيونية وممارساتها البشعة ضد الفلسطينيين. لكن بايدن محكوم بانتخابات تشريعية فى نوفمبر، وبحاجة شديدة لتخفيض أسعار البترول التى تضاعفت بعد حرب أوكرانيا، وبحاجة أيضا للدعم الصهيونى فى موسم انتخابى قد يفقد فيه الحزب الديمقراطى أغلبية فى الكونجرس كما ترجح كل استطلاعات الرأى حتى الآن!

إعلان القدس الصادر بعد زيارة بايدن لإسرائيل تبنى وجهة النظر الإسرائيلية فى كل قضايا المنطقة كاملة. لكنه يبدو كأنه استعجال لدفن جثة اتفاق أوسلو الذى مات وشبع موتا بسبب جرائم إسرائيل ودعم أمريكا لها. وهو يبدو  أيضا تجسيدا لاخطاء فلسطينية على رأسها مأساة الانقسام والمراجعة مطلوبة بسرعة بعد أن سقطت كل الرهانات على «أوسلو» أو على رعاية أمريكا لسلام حقيقي.

يحدث ذلك فى أوقات صعبة. لكن بعكس كل ما توحى به البيانات والتهديدات، تبدو أمريكا متمسكة بالاتفاق مع إيران. لا تريد أن تفقد منتجا أساسيا للبترول. بل تريد ترويضه واكتسابه فى النهاية لجانبها فى المنافسة التى احتدمت بينها وبين كل من الصين وروسيا.

وتلك قصة أخرى لابد أن تعود إليها لانها ستفرض نفسها على كل أوضاع المنطقة والعالم فى السنوات القادمة.

ووسط هذا كله تظل فلسطين قضية شعب يريد استعادة أرضه وحريته لا قضية لاجئين يطلبون الغوث وتتكرم عليهم أمريكا أو غيرها ببعض المال وزيارة لمستشفى، بينما تعطى لمن يحتل الأرض كل الدعم العسكري والسياسى والاقتصادى، وكل الحماية لكي لا يحاسب علي جرائمه. ثم تتحدث ببراءة تحسد عليها عن حل الدولتين.. عن أى دولتين يا سادة تتحدثون؟!