الإخوان صناعة مخابراتية غربية.. ولا مستقبل للإسلام السياسى فى مصر..

حلمى النمنم وزير الثقافة الأسبق: الحوار الوطنى ليس مناورة من الدولة وينبغى ألا يكون مزايدة عليها

حلمى النمنم خلال حواره مع «الأخبار»
حلمى النمنم خلال حواره مع «الأخبار»

ربما تكون رائحة العراقة واحدة بين المؤسسات الصحفية الكبرى، فالمبنى العتيق لدار الهلال يتحدث إليّ فور أن أدلف إليه عن مخازن من الذكريات المعرفية الحاشدة؛ الجدران تحتضن وجوه الآباء المؤسسين للفن الصحفى وكأنها دروعها التى تتقى بها عادية الزمن؛ الطرقات والأبواب والمكاتب أشباحٌ طيبة تُرحب بى وتُشعرنى بالألفة وكأننى فى بيتى بالأخبار.. بتجارب الصحفي، واطلاع المثقف، وذكاء الوزير.. يبدأ حلمى النمنم، وزير الثقافة الأسبق، مواجهة سيل أسئلتى المناوشة؛ يُجيب مباشرة غالبًا ويُناور أحيانًا، يُدافع دائمًا عن الثقافة المصرية وزملائه المثقفين ويُثمن دورهم فى مواجهة التطرف ومناصرة القضايا الوطنية؛ وهذا رغم خلافاته مع بعضهم إبّان توليه الوزارة؛ لكن الرجل الذى يعيش فى أحضان الكتب يأبى إلا الانتصار للحرف وكاتبيه.. فى هذا الحوار مع هذا المثقف الكبير ذهبتُ لأبحث عن إجابات تحليلية مُغايرة، عن شرح وافٍ للحاضر وتنبؤ بالمستقبل من كاتب يعرف كيف يقرأ الماضى جيدًا، فالملفات متشابهة واللاعبون متغيرون.. وإلى نصّ الحوار: «الشارع» المعيار الوحيد لتنافس الأحزاب وعلينا الحذر من «المراهقة السياسية».

ونحن فى أجواء الذكرى التاسعة لثورة 30 يونيو.. هل ترى أن الثورة حققت بعض مآربها حتى الآن؟
- ثورة 30 يونيو كانت مطالبة بتحقيق مطالب ثورة يناير؛ وهى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية؛ ومطالب 30 يونيو وهى بناء الدولة المدنية والحفاظ على الدولة الوطنية؛ ومنذ 2013 والاتجاهان يسيران معًا وهذا ما يُفسر تصريحات الرئيس السيسى المستمرة بأن هدفنا بناء دولة مدنية حديثة؛

وسنجد هذا ممثلا فى وضع المرأة الذى يتقدم كثيرا جدا؛ ورغم أننى من الذين لا يرون أن المناصب هى المعيار الوحيد لقياس تقدم المرأة فى المجتمع، ولكننى أرى أن المرأة قد اقتحمت مجال القضاء والنيابة والكثير من المجالات الأخرى.

وهذا هو المعيار المهم، لأن مجال القضاء مثلا ظل مغلقًا أمام المرأة منذ عام 1949م منذ أيام عائشة راتب التى كانت خريجة حقوق جامعة فؤاد الأول وحتى يومنا هذا، إلى أن تدخلت الدولة وتدخل الرئيس السيسى ودخلت المرأة لأول مرة مجلس الدولة من الباب الرئيسى وليس من الباب الخلفي؛ وقد كانت من قبل تدخل النيابة الإدارية ثم تُندب منها، أما الآن فتدخل مباشرة، وكذلك نرى أن الدولة جادة فى مواجهة قضايا التحرش وامتهان المرأة.


تنمية حقيقية
وهل تحقق نموذج المرأة التى أخذت حقوقها فى الدولة المدنية فى باقى قطاعات المجتمع؟
- هذا نموذج فقط؛ ولدينا مثال آخر وهو التنمية المستدامة وبنية أساسية حقيقية لم تحدث منذ عدة عقود؛ من الطرق والكبارى والمدن الجديدة وثورة حقيقية بالخروج من حصار الوادى إلى الصحراء.

وقد كانت هناك مقترحات قديمة بهذه التنمية ولكنها لم تحدث بهذا الشكل، ففى عهد ثورة يوليو كانت هناك أفكار لمحافظة الوادى الجديد، لكنها توقفت ولم تتم.. أنت الآن فى العلمين وغيرها تنشئ 14 مدينة ذكية جديدة خارج الوادي، وفى سيناء شمالا وجنوبا تنمية حقيقية، وفى مرسى علم، وحلايب وشلاتين.. وهكذا ينمو شق التنمية فى كل مكان والذى بمقتضاه يتحقق العيش والكرامة الإنسانية.


وماذا عن العدالة الاجتماعية فى دولة 30 يونيو.. هل تحققت كما يجب أم أن هناك عوائق أمامها؟
- لدينا مشروع كبير وهو «حياة كريمة»، فقد كنا نشكو من مسألة ترييف المدن والزحف من الأرياف سواء من الوجه البحرى أو الصعيد إلى القاهرة والمدن الكبرى؛ وقد كان السبب المباشر فى ذلك هو انعدام الخدمات فى الريف وانعدام الحدود الدنيا فى القرية للحياة الآدمية؛ الآن مشروع حياة كريمة» وتطوير الريف قد قام بحل هذه المشكلة جذريا، وغيرها من الإنجازات التى تحققت بالفعل طوال مسيرة تسع سنوات، والمسيرة لا تزال مستمرة، إن شاء الله.


حوار مجتمعى
قلت إن المرأة قد أخذت حقوقا كثيرة الفترة الماضية.. إذن ما الذى ترجوه لها فى القانون المنتظر للأحوال الشخصية؟
- نحن لا نزال فى مرحلة حوار مجتمعى حول مشروع القانون، وهناك مراحل صياغة، ولجنة قضائية تقوم على إعداد كل ذلك، ثم يذهب إلى البرلمان؛ وما يُسفر عنه الحوار المجتمعى هو الذى سيضمه القانون؛ ونحن فى النهاية نريد قانونا متوازنا يضمن الاستقرار للأسرة المصرية؛ لأن قانون الأحوال الشخصية مهمته الحفاظ على كيان الأسرة وضمان توازنها واحترام كل أطرافها: المرأة والرجل، وتوفير الفرصة للأبناء لينشأوا فى بيئة اجتماعية وأسرية صالحة.

ولهذا سيخرج القانون حسبما يريد المجتمع؛ وعلينا أن ننتظر القائمين عليه ليأخذوا وقتهم ليخرج بصورة متفقة مع الدستور حتى لا يتم الطعن عليه بعدم الدستورية، وبصورة تضمن السلام المجتمعى للأسرة، لأنها ليست حربا بين الرجل والمرأة.


برأيك.. ما فرصة القانون الجديد فى الحد من حالات الطلاق والعنف الأسرى وغيرها من المشكلات المزمنة؟
لدينا بالفعل نسب مرتفعة فى حالات الطلاق، ولستُ مؤيدا للآراء التى تقول إن الفقر هو السبب الرئيسى فى ذلك، بالعكس أرى أن الطلاق انعكاس لحالة الغنى لأنه مكلف اقتصاديا؛ لأن الذى يتحمل تكلفة الطلاق هو الذى يُطلق؛ ولهذا أنا ضد التفسير السائد بأن الطلاق نتيجة للحالة الاقتصادية، فالطلاق معناه وجود وفرة مالية.. والخلافات الأسرية لن تنتهى إلى الأبد لكننا نريد الحد منها.


قوة الثقافة!
كثيرا ما تُتهم وزارة الثقافة بأنها وزارة بعيدة عن الناس وللمهرجانات فقط، حتى الندوات ابتعد عنها الرواد.. كيف ترد على ذلك؟
هذا غير حقيقي، لأن الدور الثقافى موجود بقوة فى المجتمع، ولا تنس أن الأفكار المتطرفة لم تنجح فى اختراق مصر كما حدث فى مجتمعات أخرى؛ بل إن الأفكار المضادة للتطرف هى التى تنمو، وذلك لأن الحركة الثقافية موجودة وقوية.

ومثلا ملف الاحتدام الطائفى الذى بدأ بحادثة الخانكة عام 72 والذى قضت عليه الدولة من خلال قانون دور العبادة الموحد، كان هذا ضمن أفكار المثقفين ومطالبهم على مدى العقود الماضية؛ وعندما يتحدث الرئيس السيسى عن أن هدفنا دولة مدنية حديثة، فقد كان هذا مطلب المثقفين.


ألا تبدو فى هذا الرأى منحازا لفصيلك الثقافى من ناحية وكونك وزيرا سابقا للثقافة من ناحية أخرى؟
بالطبع لا، فدور المثقفين موجود وقوى منذ الثورة حتى الآن، وليس هناك دليل أكبر من أن يتبنى رئيس الدولة مطالبهم لإنشاء دولة ديمقراطية دستورية حديثة، وهذه مطالبنا طوال أربعين عاما؛ وكذلك تمت الاستجابة لمطالبنا الخاصة بوجود المرأة فى البرلمان والقضاء وكل وظائف الدولة؛ لدينا الآن سبع وزيرات، وفى سنة 90 كتبت أن تغيير وزيرة واحدة لا يكفي، لأنه كانت لدينا وزيرة واحدة فقط، وقد تغير الأمر الآن كثيرا؛ وكل هذا حصاد مطالبات المثقفين طوال عقود.


مصدّ تنويرى
هناك من يقول إن تراخى دور المثقفين اجتماعيا سمح بتغلغل نشاط الجماعة الإرهابية والمتعاطفين معها.. كيف ترد على ذلك؟
دور المثقفين كان ولا يزال أكبر من أى نشاط للإخوان أو غيرهم، وعلينا أن نقارن دور هذه الجماعات عندنا بدورها فى سوريا والعراق وليبيا وحتى فى لبنان؛ وهذا الفارق سببه وجود حركة ثقافية وفكرية قوية فى مصر تقوم بدور المصدّ التويرى ضد هذه الجماعات.


إذن.. أتقول إنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان ثقافيا: فى قصور الثقافة والمسارح والندوات وغيرها؟
قصور الثقافة تعمل بكل جدية فى القرى والصعيد وسيناء وهى التى حمتها من السقوط فى أيدى الإخوان والسلفيين؛ ولدينا معرض القاهرة الدولى للكتاب بالقاهرة والإسكندرية، ولدينا أكثر من 120 معرضا سنويا لوزارة الثقافة، وكان عدد اتحاد الناشرين منذ عشرين سنة أقل من مئة.

وأصبح الآن أكثر من ألفين؛ هذه الكثرة لدور النشر ونجاحها يقول إن هناك حركة نشر قوية وإقبالا كبيرا، إضافة إلى الكتاب الإلكتروني؛ وارجع مثلا إلى أرقام الإيداع بدار الكتب القومية ستجد أنها تزيد سنويا بمعدلات عالية، وهذا مؤشر على إنتاج أدبى وفكرى وثقافى كبير ومؤثر.


الكمّ والكيف!
ليس بالضرورة كون «الكم» كبيرا أن يكون «الكيف» كذلك.. كيف ترى ذلك؟
- هذه مصطلحات قد يكون شكلها براقا لكن محتواها غير ذلك، مثل الكم والكيف، والاهتمام بالحجر دون البشر، وهذا كلام غير حقيقي.


إذن.. هل تقول إن كل هذه الكتب والإصدارات مؤثرة فى حركة المجتمع المصري؟


ماذا تعنى بمؤثرة!
يعنى أن تحمل هذه الكتب نظريات قوية فى المعرفة والثقافة تستطيع أن تضيف جديدًا إلى المجتمع أو تدفعه إلى الأفضل.. هل هذا النوع موجود؟
نعم موجود، ولدينا كتب مهمة جدا تصدر سنويا، مثل الروايات والدواوين والمراجع والكتب الفكرية، وغيرها.


وما تقييمك النقدى لمثل هذه الإصدارات خاصة فى ظل اختفائها عن الشارع؟
- نجيب محفوظ نفسه عندما كان ينشر رواية كان اليسار يشتمونه، بل وظل طوال الخمسينيات والستينيات يتعرض للشتائم ويقولون عنه إنه أديب البرجوازية الصغيرة؛ وكذلك أم كلثوم كانت تُهاجم وتُتهم بأنها تُخدر الناس وتسهرهم.

والآن بكل ثقة لدينا أعمال جيدة ومميزة تصدر، وعندنا كُتاب كبار وشعراء مميزون وفيض من الإبداع، رجالا كبارا وشبابا جديدا، وليس شرطا كيف يُقابلهم المجتمع الآن.. وقد انتهيت مؤخرا من رواية بها قدر كبير من الجرأة للطبيب إيمان يحيى اسمها «قبل النكسة بيوم»؛ إذن لدينا إنجاز حقيقى يُقدَّم يجب ألا نبخسه حقه أو نستخف به، فمصر بها حركة ثقافية قوية سواء من المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية.

 

مسئولية مشتركة
ما الذى يمكن أن تقدمه المؤسسات الثقافية والصحفية فى دعوة الرئيس السيسى للحوار الوطني؟
- الحوار لا بد أن ينجح، لأنه لا بديل عن ذلك، ولهذا فأنا متفائل لأننا لا نملك رفاهية التشاؤم؛ ونجاح الحوار مسئولية الحكومة والمعارضة معًا؛ ومنذ أن دعا الرئيس السيسى إلى هذا الحوار ونحن نتذكر التجارب الناجحة السابقة للحوار مثل: تجربة 1962م التى أدت إلى صدور الميثاق الوطني، أو تجربة ما بعد 1967م.

وأدت إلى صدور 30 مارس 1968م، أو ظروف ما بعد حرب أكتوبر وأدت إلى صدور ورقة أكتوبر 1974م؛ وهذه التجارب كلها ناجحة، لكن هناك أيضًا تجارب لم تنجح؛ مثل تجربة الرئيس السادات فى الحوار مع الطلبة بعد 18 و19 يناير 1977م؛ وتجربة أخرى خاضها الرئيس السادات فى الإسماعيلية عندما دعا إليه عمر التلمساني، والتجربة لم تنجح؛ وهناك تجربة ثالثة فى زمن الرئيس مبارك وانتهت بوثيقة الإسكندرية ولم تنجح.


وما الأسباب التى أدت إلى عدم نجاح التجارب الثلاث.. وهل ترى أنها قد تتكرر الآن؟
- تجربتا الرئيس السادات لم تنجحا لأن الطرف الآخر تصور أن الحوار مزايدة على الرئيس والدولة، أو فرصة لتحقيق نجومية شخصية بمنطق المراهقة السياسية، وعلينا أن نحذر مثل هذه النماذج، لأننا لا نمتلك هذه الرفاهية؛

وفى حالة وثيقة الإسكندرية فإنها لم تنجح لأن الدولة لم تلتفت إلى ما جاء فيها، وكانت الوثيقة مهمة جدا، ولو اهتمت بها الدولة لجنّبت مصر أشياء كثيرة جدا، بل ولجنّبت الرئيس مبارك نفسه مثل هذه النهاية؛ فنجاح الحوار يعتمد على الطرفين: الدولة والأحزاب؛ والدولة قدمت حتى الآن بما لا يدع مجالا للشك أنها جادة بالحوار.

ولا تقوم بمناورة، وقدمت عدة أدلة على ذلك، ليس فقط الجدية فى الحوار وإنما فى تفعيل لجنة العفو الرئاسى والإفراج عن عدد كبير من المحبوسين، وبالتالى ينبغى أن تتعامل أطراف الحوار بنفس الدرجة من الجدية.. الحوار ليس مناورة من الدولة، ولا ينبغى أن يكون مزايدة على الدولة، ولا أن نتصور أننا ندخل إلى الحوار بمنطق المراهقة السياسية لنسجل بطولات عنترية؛ وإنما نحن فى إطار حوار ينبغى أن يقود الدولة والمجتمع إلى الأمام.


لصالح الوطن
ولكن القوى السياسية ترى أنها صبرت كثيرًا من أجل الوطن وأنه آن الأوان أن تأخذ حقوقها كاملة وأن الحوار حق أصيل لها وليس منحة أو منّة من الدولة.. كيف ترى هذا؟
- مسألة أن تأخذ الأحزاب حقوقها فهذا طبيعي؛ ولكن واجبها أن تنزل إلى الشارع وإلى الجمهور، فالحزب ليس فقط مجموعة من المفكرين والسياسيين الذين يتحدثون ويُقدمون أفكارا جيدة، وليس مجرد مقر واجتماعات حزبية، ولكن الحزب هو النزول إلى الشارع.

وكون الدولة فى لحظة معينة قد اتخذت إجراءات فإنها كانت لصالح الوطن؛ وهناك درس ينبغى أن تعيه المعارضة وكان بعد ثورة 1919م عندما كان يُقال: «لو رشح الوفد حجرًا لانتخبه الناس».

وأراد سعد زغلول أن يُثبت بنفسه هذه المقولة فرشح وفديا مجهولا فى دائرة عبد العزيز باشا فهمى التى بها عائلته وقدم خدمات كثيرة بها، بل وطلب سعد من المرشح ألا ينزل الدائرة أثناء الانتخابات.

ومع هذا نجح مرشح الوفد فى وجود شخصية كاريزمية طاغية بهذا الشكل؛ واستمرت المعارضة فى محاولات خوض الانتخابات، وهذا لأن جزءًا من العملية السياسية أنها مقصودة لذاتها.


ولكنك تقارن بين عصر ليبرالى ذهبى وعصر آخر مختلف الآن؟
رأيى أن العصر ينبغى أن يكون ذهبيًّا بالناس الذين يعيشون به؛ كما لا يوجد عصر ذهبى وعصر نحاسي؛ والآن لا يُمنع أحد من الترشح؛ أما فكرة أننى معارض وأنتظر وعدًا مكتوبًا من الدولة بالنجاح فهذه ليست ديمقراطية؛ والبعض عندهم فكرة أننى لن أترشح إلا بوعد وضمان مقدمًا بالنجاح، وهذه ليست ديمقراطية.


إذن.. ما رأيك فيمن يقول إنه على الرئيس قيادة حزب بنفسه لتنشيط الواقع السياسي؟
- بالطبع أنا ضد ترؤس الرئيس لأى حزب؛ وعندما تزعّم الرئيس السادات الحزب الوطنى هُوجم بضراوة، لأن رئيس الدولة ينبغى ألا يكون طرفًا فى عملية حزبية؛ وكنا نطالب الرئيس مبارك بترك الحزب الوطنى حتى تكون المنافسة حُرة بين الأحزاب؛ والآن يأتى من يقول هذا!


المعيار الحقيقى
وما المعيار الذى ترضاه لتحصل كل الأحزاب على فرصتها كاملة فى المنافسة؟
- أن تنزل إلى الشارع والجمهور؛ المعيار الحقيقى هو المواطن.


ولكن الدولة تملك طبيعة النظام الانتخابى وكذلك تملك قصر الخدمات على حزبٍ بعينه؟
- غير صحيح؛ وأنا من سكان مدينة نصر وفى انتخابات 2016م، كان هناك مرشح أنفق ببذخ وساعد الناس حتى إنه يُقال إن ما أنفقه على الدائرة تعدى 35 مليون جنيه، ومع هذا فإن شعار الناس كان: «خد خيره وانتخب غيره».

وعندما لم يخدمهم النائب الجديد أسقطوه أيضًا فى الانتخابات التالية؛ ولهذا ينبغى ألا يتصور أحد أنه أكثر ذكاء من الشعب المصري؛ كما كانت لدينا نماذج قديمة، مثل: د. سيد جلال فى باب الشعرية، وكانت كل الأحزاب تتمنى انضمامه إليها، لأنه كان يخدم الناس ويعيش بينهم.


صناعة مخابراتية
لك عدة كتب مهمة عن تحليل شخصية الإخوان.. بعد كل ما حدث كيف تقرأ مستقبل الإسلام السياسى فى مصر؟
- أرى أن الإسلام السياسى يتراجع فى العالم العربى وليس فى مصر وحدها؛ والإسلام السياسى ظاهرة مؤقتة لأنه فى الأصل صناعة غربية مخابراتية، وربما من تجربة بريطانيا فى الهند والدول العربية؛ ولهذا نجد أن بريطانيا هى التى لعبت بورقة الدين جيدًا.

وبعد كل هذه التجارب الفاشلة أرى أنه لا مستقبل للإسلامى السياسى فى مصر؛ ولكن البديل أن نُقدم النموذج المدنى المحترم، وأن تنزل الأحزاب إلى الشارع؛ لأن الإسلام السياسى اشتغل على الشارع بالآليات الماركسية التى لم يستخدمها الماركسيون أنفسهم.


إذا كان الشعب قد تخلص من حُكم الإخوان فإن لدينا حزب النور السلفي.. هل توافق على وجود أحزاب ذات مرجعية دينية؟
- المعيار فى ذلك هو الدستور؛ وانظر إلى عدد نواب البرلمان لكل حزب لتعرف حجم هذه الأحزاب.


ولكن الإخوان تواجدوا فى الشارع قبل يناير.. فهل كان هذا مبررًا لوجودهم السياسي؟
قبل يناير كان الإخوان جزءًا من نظام مبارك قولا واحدًا؛ وفى انتخابات مجلس الشعب 1984م عندما كان فؤاد محيى الدين رئيسًا للوزارة وأمين عام الحزب الوطنى حدث انزعاج شديد من تقدم الوفد على الحزب الوطنى فتقررت الاستعانة بهذا التيار لضرب الوفد واليسار؛ وبالتالى الإخوان كانوا موجودين ليس لقوة فكرهم وخدماتهم، ولكن لأنهم كانوا جزءًا من نظام مبارك.


إذا كان الأمر كما تقول.. كيف نفسر حملات الاعتقالات والكرّ والفرّ بينهما؟
- هذه أشياء متفق عليها؛ بمعنى وجود هامش من المناورة بين الاثنين؛ وإلا كيف نفسر أن جنازة عُمر التلمساني، مرشد الإخوان، يتقدمها رئيس مجلس الوزراء د. على لطفي، ورئيس مجلس الشعب د. رفعت المحجوب؟! وعدّ لى كم من جنازات الشخصيات العظيمة تقدمها رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب!

ولدينا مثال: عبد اللطيف البغدادي، عضو مجلس قيادة الثورة، ونائب رئيس الجمهورية الأسبق، عندما مات لم يتقدم أحد جنازته.. وبالتالى فإن الدولة كانت تنسحب من بعض الأدوار وتُسلمها للإخوان مثل المناطق العشوائية التى كانوا يُسيطرون عليها.. وكل هذا بخلاف ما تقوم به الدولة الآن حين تقضى على العشوائيات؛ إذن الدولة جادة وينبغى أن تكون باقى القوى السياسية بنفس الجدية وتنزل إلى الشارع.


قضيت ثلاث سنوات وزيرًا للثقافة.. هل أنت راض عن هذه التجربة خاصة أنك تعرضت إلى هجوم شديد وقتها؟
- الحمد لله، نعم، راضٍ وفخور، وكنت أعتبر الوزارة مثل التجنيد الإجبارى لخدمة الوطن؛ فالوزير يأتى بقرار سياسى ويمشى بقرار سياسى وصانع القرار له اعتبارات خاصة لا نعلمها؛ وعندما توليت الوزارة كنت أعلم أن لى خصومًا مسبقين.

وأعرفهم جيدًا، وهؤلاء هم الإخوان والمتأخونون، حيث كان يُقال إن الإخوان قادرون على اتخاذ «فيتو» على أى شخص فلا يُمسك منصبًا؛ فكان اختيارى وزيرًا إسقاطًا لهذا «الفيتو»، وكنتُ أعرف ذلك، كما كان هذا أحد أسباب قبولى للمنصب، لأن وزارة الثقافة عُرضت عليّ مرّتين واعتذرت، وسبب قبولى فى الثالثة كان لإسقاط هذا «الفيتو» الإخواني.
الفئات الطافية!


تقول هذا رغم أنك توليت الوزارة فى سبتمبر 2015.. أى بعد سقوط دولة الإخوان فى 30 يونيو؟
- المتأخونون موجودون؛ والمشكلة ليست فى الإخوان لأنهم كامشون فى جحورهم، ولكن المشكلة مع المتأخونين الذين أسميهم «الفئات الطافية»؛ وهؤلاء منهم من كان مسئولا فى لجنة السياسات مع جمال مبارك يُخطط للتوريث، ثم تواجد مع الإخوان، ثم هو نفسه يُحاول أن يتقدم الصفوف بعد 30 يونيو؛ وقد تم تجديد الثقة فيّ مرتين رغم تغيير الحكومة لمحاولاتى كشف ألاعيب الإخوان.


أنت خريج فلسفة عين شمس.. هل نملك نظريات فلسفية عربية الآن؟
- كانت لدينا محاولات لكنها لم تنجح، إذ كانت تنمّ عن جهد فكرى وعقلى لأفرادها فقط؛ والإنتاج الفلسفى يكون تعبيرًا عن واقع حضارى وثقافى موجود، فالظروف التى أفرزت ابن رشد والغزالى والفارابى والكندى غير الظروف الموجودة الآن؛ ومن ثم فإن فكرة الفلسفة للفلسفة لم تعد موجودة فى أى مكان، فلن تجد فيلسوفًا فى قامة هيجل أو فى قامة كانط لأن العصر اختلف.


من بين عشرين كتابا لك.. لماذا لا نجد كتابًا فى الفلسفة وتاريخها؟
- أحيانًا تُخطط لأشياء لكن الواقع يفرض عليك أشياء أخرى، فمثلا لم يكن فى تقديرى الانشغال بالإسلام السياسي، ولكننى وجدتُ نفسى فجأة أمام اغتيال فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ.


مظلومية! 
هل تغيرت الدوافع المجتمعية الآن: الفقهية والفكرية، التى أدت إلى هذه الأعمال الإجرامية؟
- بالطبع تغيّر المجتمع كثيرًا؛ وهناك عبارة مهمة قالها نجيب محفوظ ونشرها جمال الغيطاني، عندما حصل الإخوان على 88 كرسيًا بمجلس الشعب عام 2005م، قال محفوظ: «إن المصريين يُريدون أن يُجربوا الإسلاميين»، لأن الإخوان كانوا يُصدّرون فكرة المظلومية وجاءتهم التجربة على طبقٍ من فِضة بعد 25 يناير، وكانت النتيجة كارثية لأنهم لا يملكون مشروعًا أصلا.


هل تعتقد أن الشعب المصرى أعطى ثقته للإخوان فى 2012م؟
- لا، لم تكن هناك ثقة مفرطة؛ بل وحتى يومنا هذا لديّ شكوك حول نزاهة انتخابات الإعادة فى 2012م؛ وهناك ملفان لم يتم حسمهما حتى الآن: ملف المطابع الأميرية والبطاقات التى خرجت مسوّدة لمرسي، وملف قرى الصعيد ذات الأغلبية المسيحية.

والتى مُنع أهلها من التصويت؛ ومن يرجع إلى بيان المحكمة الدستورية العليا عند إعلان نتائج الانتخابات سيجد أن البيان رصد هاتين المخالفتين، بل وطالب بالتحقيق فيهما؛ وبالتالى فإن الشعب لم يُعط الثقة للإخوان، لكنه كان على استعداد أن يُعطيهم فرصة، وسرعان ما سحبها بعدها بشهور.


ما تقييمك للدور الإيجابى للأزهر الشريف فى مواجهة التطرف الفكري؟
- أنا ضد تعليق الجرس فى رقبة الأزهر وحده؛ لأن الأزهر مؤسسة من مؤسسات الدولة، وعندما نواجه ظاهرة مثل التشدد والإرهاب فلا يصح أن أقول إنها مسئولية جهة واحدة وإنما هى مسئولية جهات عديدة؛ ولا تنس أن فصيلا من المثقفين لعب دورًا ضمنيًّا فى مساندة التطرف دون أن يقصد؛ وذلك عندما اتجهت التفسيرات إلى أن الفقر هو السبب فى التطرف، وخرجت دراسات من المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فى الثمانينيات تؤكد هذا؛ وأنا أرفض هذا الطرح، لأن التطرف قضية فكرية بالأساس ومقاومته مسئولية الدولة بكل مؤسساتها.

 

فخور بتجربتى فى الوزارة.. وحاربت لإسقاط «فيتو» الفئات الطافية! 

اقرأ ايضا | من ينتصر؟.. تاريخ المبارزات الدفاعية بين مرتضى والديب بعد إعلانهما الدفاع عن المتهم ونيرة أشرف