عمرو فاروق
رغم ما تمثله كوكب الشرق وسيدة الغناء العربي «أم كلثوم»، من قيمة فنية عظيمة، مازالت قائمة وشامخة لم تتبدل أو تتغير على مخلتف الأزمان والأجيال؛ فإنها نالت قسطًا من الكراهية الدفينة بين ضلوع أتباع جماعة الإخوان الإرهابية، ومن ورائهم دراويش التيارات السلفية.
عداء جماعة الإخوان والجماعات الأصولية لـ»أم كلثوم»، عداء ينازعه الوجود السياسي، وتغلفه الأيديولوجية الفكرية، إذ أنها رمز من رموز «العروبة» و»القومية»، التي تقف حجرا عثرا أمام تمرير مشاريع «الأممية الأصولية»، و»دولة الخلافة»،وتغير الهوية الفكرية، فضلاً عن مشاريع «الفن البديل»،التي روج لها حسن البنا منذ أربعينات القرن الماضي.
سهام الإساءة نالت من سيدة الغناء العربي، من فوق منابر المساجد الكبرى وعبر السنة مشايخ الإخوان والتيارات السلفية والجهادية، أمثال الشيخ كشك، والشيخ المحلاوي، والشيخ عمر عبدالرحمن، ووجدي غنيم ومحمد حسين يعقوب وأبو اسحاق الحويني، وغيرهم، لا سيما في حقبة انتشار «تيار السلفية»، في ثمانينات القرن الماضي، والتي مهدت لظاهرة «تسلف المجتمع»، وإخراجه من وسطيته واعتداله.
انتزاع «أم كلثوم» من قلوب المصريين والعرب، والقضاء على تاريخها، كان بمثابة مشروع تم التخطيط له بعناية، في إطار استبدال الرموز الوطنية بالأصوليين في العمق المجتمعي، وتم محاولة تنفيذه في أشد المرحلة التي عانت فيها الدولة المصرية من سطوة الجماعات الإسلامية المتطرفة على الشارع وأشعلت خلالها موجات العنف المسلح، سعيًا في تمرير بدائلها وإحلال صبغتها الجديدة.
ارتباط «أم كلثوم» بثورة يوليو 1952، وعلاقتها الوثيقة بالرئيس جمال عبد الناصر، كانت كذلك أحد أسباب عداء جماعة الإخوان الإرهابية لها،لاسيما في ظل دفاعها القوي عن أهداف الثورة التي أجهضت طموح الجماعة في السلطة، ودعمها غير النهائي ماليًا ومعنويًا للجيش المصري في تلك الحقبة الزمنية من خلال المساهمة بإيرادات حفلاتها الغنائية الدولية والمحلية.
اعتبر الإخوان والتيارات السلفية، أن جهدهم المتسمر للتأثير في الشارع المصري والعربي، يذهب هباء بسبب «أم كلثوم»، في ظل عجزهم عن تشكيل وجدان ووعي الكتل البشرية التي ارتبطت بحالة نفسية ومزاجية مع أغانيها وقصائدها التي تلقيها بشكل رصين، فضلاً عن تعاقب الأجيال عليها، رغم استحواذهم على أعداد كبيرة من المساجد والمنابر التي أسهمت في نشر خطابهم المتطرف.
محاولة إخراج «أم كلثوم»، وأغانيها من المشهد المجتمعي، كان مقصدًا في أولويات جماعة الإخوان ومريديها، فأعادت طرح ما عُرف بـ»الفن البديل»، أو «الفن الإسلامي»، وعملت على تكثيف إنتاج الأناشيد الثورية والحماسية التي تعبر عن التوجهات الفكرية للمشروع البناوي القطبي، من خلال تأسيس شركات وفرق واستديوهات فنية، مملوكة بشكل مباشر للجماعة الإرهابية، (سنتعرض له بالتفصيل في مقال منفصل)
.
تمرير مشروع «الفن البديل»، لم يكن بالأمر السهل أو الهين، لمعرفة جماعة الإخوان مدى ارتباط الشارع المصري والعربي روحيًا بـ»أم كلثوم»وأغانيها، فتم خلال مرحلة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، العمل على إغراق المحلات التجارية بالأسواق، وسيارات الأجرة، والتاكسيات، بشرائط «الأناشيد الإسلامية»، على سبيل الهدايا، في إطار استراتيجية الإحلال والاستبدال.
ربما كانت المرحلة الأهم تتمثل في تشويه صورة «أم كلثوم»، وتاريخها، واتهامها بأبشع الاتهامات، وهدمها كنموذج يقتدى به في الداخل العربي، للتغطية على دورها الوطني ومساهمتها في إثراء روح الفن الراقي، وتحولها إلى علامة فارقة في تاريخ الحياة الثقافة والفنية المصرية.
هجوم الإخوان على «أم كلثوم»، كان مواكبًا لمرحلة الصدام بين ، الجماعة الإرهابية والرئيس الراحل جمال عبدالناصر منذ خمسينات وستينات القرن الماضي، فخلال توجهها لزيارة دولة السودان الشقيقة عام 1968، لإحياء إحدى حفلاتها الغنائية، والتي لاقت فيها ترحيبًاً كبيرًا– مثلما لاقته في كل الدول العربية-، أدارت صحيفة «الميثاق»،(الذراع الإعلامي لجماعة الإخوان الإرهابية بالسودان)، هجومًا منظمًا ضدها باعتبارها نموذج معبر عن «القومية العربية»، التي تتعارض مع ما تؤمن به الجماعة.
لم تتوقف ماكينة الاتهامات التي روجت لها جماعة الإخوان وأنصار الجماعات الأصولية، نائلاً من «أم كلثوم»، من أنها يهودية الديانة، وأنها تزوجت من مخرج مسرحي يهودي، مرورًا بتخطيطها لقتل الفنانة أسمهان، وتورطها في علاقات مريبة، وانتهاءً بأنها أحد أسباب هزيمة يونيو 67.
جماعة الإخوان الإرهابية، تربي قواعدها التنظيمية على كراهية «أم كلثوم»، وفقًا لما أسر به إليًّ أحد الأعضاء المنشقين عن الجماعة، قائلاً: «الخطاب الداخلي التنظيمي لجماعة الإخوان، يهاجم بقسوة أم كلثوم، ويكيل لها الاتهامات، ويعتبرها سببًا رئيسيًا في تردي الأوضاع المجتمعية، وأنها أسهمت في نشر الرذيلة والخلاعة».
ربما كانت تصريحات الإخواني الكويتي، عبد الله النفيسي معبرة بقوة عن موقف جماعة الإخوان من «أم كلثوم»، والتي صرح بها في برنامج «الصندوق الأسود» الذي تبثه صحيفة القبس الكويتية عبر اليوتيوب، واصفًا فيها سيد الغناء العربي، بأنها «حوّلت العالم العربي إلى غرزة حشيش، وأنها سفيرة الفساد وأنّ فنّها هو فن للإيجار، وأنها متناقضة لأنّها غنّت قبل الثورة للملك فاروق وبعدها لعبد الناصر ووصفت عهده بأنه عهد الحريات»!
هذا الهجوم لم يبعد قليلاً عن التصريحات المسيئة التي أطلقها البرلماني اليمني الإخواني، عبدالله احمد علي العديني، من أن فلسطين والجولان سقطت بسبب أغاني أم كلثوم»!
عداء وكره جماعة الإخوان وأتباع الجماعات الأصولية، لـ»أم كلثوم»، نابع من توجه سياسي وفكري وعقائدي، وليس من قبيل مواقف إنسانية أو فنية،إذ أنها تمثل تجسيدًا للفن الهابط من وجهة نظرهم (ووفقًا لأدبياتهم)، فضلاً عن موقفهم السياسي من دورها الوطني المتعارض مع مفرداتهم التنظيمية.