كنوز| إلى عرفات الله يا خير زائر.. عليك سلام الله فى عرفات

أحمد شوقى - الخديوى عباس حلمى الثانى - أم كلثوم تستريح بعد أداء مناسك الحج
أحمد شوقى - الخديوى عباس حلمى الثانى - أم كلثوم تستريح بعد أداء مناسك الحج

كل عام وأنتم بخير، يقف حجاج بيت الله الحرام غدا «الجمعة» على جبل عرفات الطاهر مفعمين بأجواء إيمانية يغمرها الخشوع والسكينة، وتحفهم العناية الإلهية ملبين متضرعين داعين الله عز وجل أن يمن عليهم بالعفو والمغفرة والرحمة والعتق من النار، وبعد غد «السبت» يبدأ أول أيام عيد الأضحى المبارك أعاده الله على مصرنا والأمة العربية والإسلامية بالخير والبركة، وقد وثقت سيدة الغناء العربى أم كلثوم بصوتها واحدة من أهم قصائد أمير الشعراء أحمد شوقى عن الحج والوقوف بعرفات، واختار للقصيدة عنوان «إلى عرفات الله»، ولهذه القصيدة قصة تبدأ أحداثها عندما عزم الخديو عباس حلمى الثانى، على أداء فريضة الحج شتاء 1909، وقرر أن يصطحب معه أمير الشعراء أحمد شوقى المقرب إليه، لكن شوقى لم يكن مستعدا لأداء فريضة الحج المقدسة، ولم يكن يستطيع أن يصرح بذلك للخديوى، فتظاهر بالموافقة وصحب الموكب إلى صحراء العباسية ثم ترك الموكب قبل أن ينتبه الخديوى أو أحد من الحاشية التى بحثت عن شوقى فلم تعثر له على أثر!

عندما عاد الخديوى من الحج سأل أحمد شوقى عن سر اختفائه، فأجابه قائلا: «كل شيء إلا ركوب الجمال يا أفندينا»، وكانت إجابته واهية وغير مقبولة، فمهما بلغ شوقى من الترف لن يبلغ ما بلغه الخديوى الذى استقلّ ظهور الجمال، ووالدته التى استقلّت ظهور الجمال أيضا وقطعت مئات الأميال فى الصحراء، ولكى يتجاوز أحمد شوقى الموقف، بعث للخديو عباس بقصيدة «إلى عرفات الله» التى يمدحه فيها ويعتذرعن تخلّفه عن الحج، وذكر القصة نجله حسين شوقى فى كتابه «أبى شوقى»، مؤكدا أن والده كتب هذه القصيدة معتذرا إلى الخديوى، وقال إن الخديوى قد خيره بين السفر بسفينة البحر أو مطية البر، لكنه اعتذر عن هربه متعللا بضعفه وداعيا له بأن يذهب ويعود سالما.

وعندما قررت أم كلثوم غناء القصيدة التى تتألف من 63 بيتا عام 1951 أسندت إلى الشاعر أحمد رامى مهمة إجراء تعديلات طفيفة فى بعض الأبيات للخروج بالنص من مديح الخديوى إلى الشأن العام، فقام أحمد رامى بتعديل مطلع القصيدة من «إلى عرفات الله يا ابن محمد» ليصبح «إلى عرفات الله يا خير زائر»، وقام بتغيير قول شوقى «إذا زرت يا مولاى قبر محمد» ليصبح «إذا زرت بعد البيت قبر محمد»، وبهذا جرد نص الأغنية من براثن المديح ليصبح صالحا للتعبير عن كل حاج، وأجرى تعديلات أخرى باختيار ألفاظ مناسبة للغناء فحول كلمة «العرصات» فى قول شوقى «لبيتٍ طهورِ الساحِ والعرصات» إلى «الشرفات»، وكلمة «أصنافا» فى قول شوقى «أرى الناس أصنافا» إلى «أفواجا»، وانتهى أحمد رامى إلى اختيار 25 بيتا فقط من القصيدة التى قام بتصويرها موسيقيا ولحنيا الموسيقار رياض السنباطى فى لوحة سمعية تصور حالة الشوق لمن يتمنى زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأداء فريضة الحج، صورة تهز الوجدان بكلمات من قبيل «إلى عرفات الله يا خير زائر عليك سلام الله فى عرفات.. ويوم تولى وجهة البيت ناضرا وسيم مجال البشر والقسمات».

وصورت أم كلثوم الأغنية عام 1963 بتوقيع المخرج أحمد بدرخان، وكانت تغنيها كل عام فى حفلاتها التى تتوافق مع أيام الحج، وسبق أن سجلتها ضمن أحداث فيلم «رابعة العدوية»، وكانت هذه القصيدة تشكل اللقاء الأخير بين صوت أم كلثوم وأشعار أحمد شوقى بعد أن التقيا فى «الملك بين يديك - وولد الهدى - وفى الأرض شر مقاديره - ونهج البردة - وسلوا قلبى - وسلوا كؤوس الطلا - والنيل»، واتفق النقاد على أغنية «إلى عرفات الله» كأجمل أغنية قيلت فى مناسبة الحج. 

ومن روائع أم كلثوم التى شدت بها عن الحج أيضا رائعة «القلب يعشق» لبيرم التونسى ورياض السنباطى التى يقول مطلعها: «القلب يعشق كل جميل.. وياما شفتى جمال يا عين.. واحد مافيش غيره.. ملا الوجود نوره.. دعانى لبيته لحد باب بيته.. واما تجلالى بالدمع ناديته».

وروى السنباطى فى حوار صحفى قصة هذه الأغنية قائلا: «أمسكت بالعود ادندن بكلمات «القلب يعشق»، وكانت أم كلثوم قد طلبت أن أنتهى من اللحن لأن أحد السفراء السعوديين سألها ذات يوم «لماذا لا تقدمى أغنية عن الحج يتغنى بها الحجاج والمسلمون فى كل مكان ؟»، ووجدت أم كلثوم ضالتها فى ديوان بيرم التونسى الذى يحلق فى قصيدة «القلب يعشق» بروحانيات مناسك الحج، وشدت أم كلثوم مطلع 72 بهذه الرائعة بصوت تلمس فيه الخشوع والفرح عندما تقول: «مكة وفيها جبال النور..

طالة على البيت المعمور.. دخلنا باب السلام.. غمر قلوبنا السلام.. بعفو رب غفور.. فوقنا حمام الحما.. عدد نجوم السما.. طاير علينا يطوف بالعفو والمرحمة». 

من الجدير بالذكر أن أم كلثوم أدت فريضة الحج 4 مرات، وقالت إنها كانت تقع من كثرة البكاء عندما تتذكر وقوفها أمام الله عز وجل.

إقرأ أيضاً|الأزهر في رثاء خليفة بن زايد: فقيد الإنسانية .. ومحل ثناء العالم كله