سيدات في محكمة الأسرة.. أزواجنا لم يستوصوا بنا خيرًا

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

اتصل المحامى بالزوجات الثلاث، طلب منهن الحضور إلى مكتبه، للحديث حول دعاوهن ضد أزواجهن قبل يوم من انعقاد المحكمة للبت فيها.. كان يريد كعادته الاتفاق معهن على ما سيحدث داخل القاعة، وحول ما يجب أن يقال؟، ومتى يرسمن الحزن وتسقط دموعهن؟، وما هى الكلمات اللاتى يجذبن بها تعاطف القاضى والحضور فى المحكمة؟، هكذا اعتاد مع موكليه من السيدات فى قضايا الأسرة.

بمجرد أن حضرت الزوجات الثلاث الى مكتبه، أخذ المحامى يوجه النصائح لهن، أخبرهن بما يجب أن يقال فقط، حذرهن من سرد الحقيقة كاملة للقاضى، وتجاهل نصائحه، لكن الزوجات الثلاث كانت لهن وجهة نظر أخرى.

اتفقن بعد الخروج من المكتب، على سرد معاناتهن بحلوها ومرها، أردن قص ما لهن وما عليهن، رفضن ما سعى إليه المحامى لترسيخه فى عقولهن بترديد عبارة «أخاف ألا أقيم حدود الله سيدى القاضي». وغيرها من العبارات المتداولة فى محاكم الأسرة للحصول على حكم بالطلاق أو الخلع.

كانت الساعة قد اقتربت من العاشرة صباحا، حضرت الزوجات الثلاث إلى قاعة محكمة الأسرة بزنانيرى بالقاهرة، كل واحدة منهن ممسكة بملف قضيتها، وفى الإطار جلس محاميهما بجوارهما فى القاعة،أخذ يؤكد عليهن الإلتزام بما تم الإتفاق عليه معهن فى المكتب.

نادى الحاجب على الزوجة الأولي، طلب منها الاقتراب من منصة القضاء، تأكد من بياناتها وهويتها، بعدها سمح لها القاضى بسرد أسباب طلبها الطلاق للضرر من زوجها.
وقفت الزوجة التى تجاوز عمرها الخمسين عاما واثقة من نفسها، لم يظهر عليها الحزن أو التأثر كما أراد محاميها.

قالت: «سيدى القاضى بداية أنا قوية، لكن فى نفس الوقت عاجزة عن الحديث، لست قادرة حقيقة على وصف ما ألمّ بى من ذلك الرجل الذى كان فى يوم من الأيام زوجى، قد يكون جسدى شاهدا على مأساتى معه، ومرضى الذى هاجمنى ترجمة لما عانيته منه، وحالتى النفسية التى لولا تمسكى بكتاب الله وقوة إيمانى لأصبحت مجنونة، أبحث عن الانتقام منه بأبشع الطرق. وقتها كنت سأتصدر صفحات الحوادث بعناوين مختلفة وكثيرة مضمونها «المرأة التى انتقمت من زوجها»، مثل الكثير من الزوجات اللاتى لم يتحملن قسوة أزواجهن.

- حضرت إلى هنا للتأكيد على أن من عشت معه ١٥ عاما، لم يكن زوجا ولو لدقيقة واحدة، كان وحشا يسكن البيت، يضرب مخالبه فى كل شىء، فيحول الابتسامة إلى حزن، والاستقرار إلى دمار، وعش الزوجية إلى سجن يسكنه «صم وبكم» ليس مطلوبا منهم سوى قول، «نعم وحاضر».
عانيت منذ زواجى، كان يعاملنى كخادمة، لا يعطينا رأيا، ولايشركنى حوارا، أنا ذليلة رغباته، منفذة أوامره، مشبعة غرائزه فقط.

إقرأ أيضًا | رئيس جامعة المنصورة يكلف 3 محامين لمساندة أسرة الطالبة نيرة أشرف

لم أستسلم سيدى القاضى وأرتضى أن أكون ضحية مغلوبة على أمرها، حاولت إصلاحه، تحدثت معه، شرحت له ما أعانيه، كشفت عما ينقصنى، أخبرته صراحة أننى امرأة تحتاج إلى اللين، لا العنف والتجاهل، تفرح بكلمات الغزل، لا بالشتائم، وفرض الرجولة بالقوة، كالطفلة تسعدها هدية ولو بسيطة، وليس بتجريدها من مصروف البيت، وتركها تتذلل من أجل شراء ماتحتاجه لنفسها ولأسرتها.

ذكرته بحديث النبى «واستوصوا بالنساء خيرا» ومواقف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، لكنه تمادى فى تكبره، قتل شخصيتى أمام أولادى، ليل نهار يسبنى، يهيننى، يتهمنى أننى وراء كل ما يعانيه فى حياته.

إذا تأخرت سيدى القاضى عن إعداد الطعام، هاج وماج، وأقسم ألا يأكل، وإذا طلبت الخروج للتنزه مع الأولاد تحجج وادعى المرض والمظلومية والتعب والإرهاق، زيارة أهلى قاطعها منذ سنوات، علاقتى بأولادى توترت، فقد فرض شخصيته وأعلن فرمانه، أنه لا قرارا بعد قراره، لذلك لم يعد لى سلطان على أولادى بل أصبحت تابعة مثلهم، أنفذ أوامره فقط.

هذا الزوج لم يراع مرضى، كان يهرب إلى المقهى ويتركنى أعانى، عزلنى عن أسرته بحجج واهية، قتل أحلامى فى وظيفة تليق بالمؤهل الجامعى الذى تحصلت عليه، أغلق أمامى كل أبواب المستقبل، واختار أن يحولنى إلى خادمة له ليس أكثر.

أنا الآن أصرخ وأعانى سيدى القاضى، تركت له البيت منذ عام، وقررت عدم العودة مرة أخري، تجاهلنى كعادته.
لكن، رغم كل ذلك لم أرفع ضده دعاوى نفقة أو تبديد، أنا أعلم ظروفه جيدا، هو يعانى من الفقر، أما أنا قادرة على الإنفاق على أولادي، لذلك أملى الوحيد أن أتخلص من ذلك الزوج، فشبحه يطاردنى فى كل مكان.

انتهت الزوجة الأولى من حديثها، قدم محاميها الذى نظر إليها باستغراب دفوعه، وصمم على طلباته، الحكم بالطلاق للضرر لموكلته، ليقرر القاضى التأجيل لإعلان الزوج.
بعد دقيقة نادى الحاجب على الزوجة الثانية، فتاة لم يتجاوز عمرها منتصف العشرين، مثقفة وذات تعليم عالٍ، وتملك من الجمال ما يجذب العيون.
استأذنت القاضى فى أن تحمل طفلتها، وهى تتحدث أمامه، وافق ثم بدأت سرد مأساتها.
قالت: تزوجته عن حب سيدى القاضي، كان زميلى فى العمل، وصديقى فى الحياة.
عشنا عاما فى سعادة، لم تطرق المشاكل بيتنا، كنا نذهب ونعود للعمل معا، نفكر كثيرا فى مستقبلنا، نضع سيناريوهات لحياة أسرية أبدية مستقرة.
لكن دائما كان هناك من يحاول تعكير المياه الصافية، غارت شقيقته مني، عمرها من نفس عمري، أخذت تتصيد لى الأخطاء، وتختلق المساوئ عنى وتوسوس بها فى أذن زوجى».
كنت كلما تأخرت يوما عن زيارتهم، توسوس لأسرتها أننى أتكبر عليهم، أرفض زيارتهم، وهذا الأمر لم يحدث، زوجى هو من كان يبعدنى عن أهله كثيرا، حتى لا تولد المشاكل بيننا».

نجحت شقيقته فى إحداث الوقيعة بينى وبين أهل زوجى، لم تعد «حماتى»، تحبني، الجميع كرهنى دون سبب».
حاولت سيدى القاضى التقرب منهم، أصبح كل حديث معهم لماذا تكرهوننى؟، ماذا أفعل حتى ترضوا عنى، لكن العداوة اتسعت فجوتها،. وتحولت إلى مشاكل بينى وبين زوجى».
أنجبت طفلى ولم يزرنى أحد، لم يشاركونى فرحتى، اكتفوا فقط بتهنئة ابنهم، وأشياء أخرى علمتها بعد ذلك، حيث كانوا يحرضونه على الطلاق منى.
لم اكن أتخيل أن يخضع زوجى لشقيقته بهذا الشكل، يصدقها فى كل ما تقوله، ليس هو فقط بل جميع أفراد الأسرة، تحدثت معه، أنكرت كل ما تتفوه به عني، بادعاء أننى أحرضه على عدم الإنفاق عليهم، ونعتهم بالفقراء، لكن بلا مجيب سيدى القاضي.

تطورت المشاكل بيننا، قاطعنى لشهور، وصفنى بالكاذبة، ومثيرة الفتنة، منعنى من زيارة أهلى وحذرنى من استقبالهم فى بيتى.
حاولت التصدى لشقيقته، بعد أن أصبح بيتى على شفا حفرة من السقوط، طلبت منها أن تبتعد عن زوجي، تتركنا فى حالنا، لكنها تجاهلت كل ذلك، وأخذت تكيل لى الاتهامات، تعمد زوجى إهانتى أمامهم، أحضر أسرته إلى بيتنا، أطلق العنان لهم، وسخرنى لخدمتهم، وعندما قلت له.. لا أريد شقيقتك فى البيت، سبنى، طردنى أنا وابنى من البيت ليلا، ثم طلقنى عبر الهاتف سيدى القاضي، لذلك جئت هنا لإثبات الطلاق.

كانت الزوجة الثالثة تراقب الوضع جيدا، قصتها تختلف كثيرا عما سردته الزوجتان، لذلك اقتربت من المنصة قبل أن ينادى الحاجب على اسمها.
فعلت ما عحزت عنه الأخريين، نفذت وصية المحامي، بكت بمحرد أن وقفت أمام القاضي، ارتعشت يداها وهى تسلم المحكمة بطاقة هويتها، توقفت قليلا لتمسح دموعها، ثم أخذت فى سرد مأساتها.

قالت: «أنا هنا للدفاع عن شرفي، وشرف عائلتي، اتهمنى زوجى بخيانته مع جارنا، قام بإجراء تحليل نسب له ولابنه فى أحد المعامل الطبية الخاصة، دون معرفتي، واكتشف ذلك صدفة».

القصة سيدى القاضي، تتلخص فى أن زوجى كان كثير العلاقات النسائية قبل زواجنا، هكذا اعترف لي، أخبرنى بتاريخه الأسود مع فتيات ليل وغيرهن من سيدات متزوجات، كان يريد من اعترافه أن يبدأ معى صفحة جديدة نقية دون ذنوب أو خطايا.

تقبلت هذا الاعتراف بصعوبة، اعتبرته بداية للتوبة والرجوع إلى الله، حاولت كثيرا تشجيعه على الصلاة والأعمال الصالحة، لكنه لم يتعظ، ثارت بيننا مشاكل كثيرة بسبب خياناته المستمرة، وغيرته علي، ورغبته فى تقييدى فى كل شىء، كان يختار لى ملابسى ويجبرنى على ارتداء ما يريده هو فقط، حتى الهاتف سحبه منى، كنت دائما أرى فى عينيه القلق، يخشى أن أخونه، كما خان هو، أخبرته أننى أخاف الله، وعليه الثقة فى أكثر، قلت له «لا تزر وازرة وزر أخرى»، لكن حالته كانت تزداد تعقيدا.

تركت البيت، وذهبت إلى منزل عائلتي، بعد أن فاض بى الكيل بكثرة خياناته المتواصلة لي، وتقييده لحريتى، لكنه لم يحاول حتى الاتصال بى أو الاطمئنان على ابنه، تجاهلنى أشهرا سيدى القاضي، كان غارقا فى قاذوراته الحرام، والمصيبة أنه كان يمارسها على فراش الزوجية، وعلمت ذلك من جيراني.

وبعد شهرين عاد نادما، يطلب العفو والرجوع معه إلى البيت، وافقت بعد ضغط من أسرتي، ووقتها أخبرته أننى حامل، ومرت أشهر الحمل سريعا وضعت طفلي، لكن لم أشعر بسعادة زوجى بطفله الثانى مثلما شعرت بسعادته فى الطفل الأول.
كان وجهه شاحبا، حزينا، شاردا بعقله، سألته عن سبب حزنه، لكنه كعادته تجاهل السؤال.
وبعد شهرين سيدى القاضي، علمت من ممرضة جارتي، أن زوجى ذهب بطفلنا إلى معمل تحاليل خاص وأنه قام بإجراء تحاليل خاصة بالنسب، وأن النتيجة كانت إثبات نسب الطفل له.

شعرت بذهول مما سمعته، واجهته، لم ينكر، وأخبرنى أنه كان يشك فى علاقة بينى وبين جارنا فى بيت العائلة.
اشتبكت معه أخبرته أننى زوجة مخلصة، أحمل شرف عائلة، ولن أجلب العار لأسرتي، قام بضربى وسبى وإهانتي.

أخذ الأولاد مني، طردنى خارج المنزل، لذلك حضرت هنا لخلع هذا الزوج، لا أريد سيدى القاضى العيش معه دقيقة واحدة كفانى طعنه فى شرفي، أما أولادى فالقضاء كفيل بعودتهم إلى حضانتى.
.. بعد أن انتهت الزوجة الثالثة.. رفع القاضى الجلسة.. وقرر التأجيل لإعلان أزواجهن.