إبحار فى أعماق رجل مهم: بصمات الفتى الأسمر

إبحار فى أعماق رجل مهم: بصمات الفتى الأسمر
إبحار فى أعماق رجل مهم: بصمات الفتى الأسمر

بقلم : فادية البمبى

بعيدا عن هؤلاء الذين أفرغوا معنى التأليف من قيمته ومحتواه،يبرز هذا الكتاب الجاد الذى يعيد الاعتبار إلى معنى توثيق حصاد مبدعينا الأفذاذ فى شتى المجالات عبر جهد بحثى وتجربة تأليفية حقيقية لا تركن إلى الاستسهال والتقاط القشور والحكايات البراقة الزائفة.

قد عكف مؤلفه الكاتب الصحفى والناقد الفنى  أسامة عبد الفتاح على توثيق الرحلة الابداعية للفنان الكبير الراحل أحمد زكى متتبعا اعمال الفتى الأسمر وبصماته المحفورة فى الوجدان العربى حتى استطاع أن يقدم إلى عشاق فن أحمد زكى والمهتمين بفنه وسائر المغرمين بالسينما والتمثيل هذه الوثيقة القيمة المتعمقة التى لم تسقط فى مستنقعات الإشاعات عن حياته الشخصية والمبالغات المثيرة عن عالمه الخاص .


والكتاب الذى حمل عنوان «أحمد زكى .. رحلة رجل مهم « هو إبحار متوغل واقتراب غير تقليدى من عالم النجم الكبير أحمد زكي، لا يكتفى بالألقاب والأوصاف الفارغة من المعنى مثل «الإمبراطور» و«الباشا»، بل يرصد كيف صعد إلى القمة بصعوبة بالغة، باذلا الكثير من العرق والدم والدموع.

ويقف على دوره الحقيقى فى السينما المصرية، والأسباب الموضوعية لاعتباره مهما فى تاريخ الفن العربى بشكل عام،وهو يقدم تحليلا غير مسبوق لأسلوب أدائه المذهل، ولا يقنع بكلام مرسل يردده البعض، سواء للمدح - مثل «غول التمثيل» و«جبار الأداء».

أو للانتقاد والذم، مثل أنه يُقَلِّد، خاصة عندما يجسّد شخصيات عامة، أو يتقمص بشكل مرضى تغلب فيه الفطرة على قواعد الاحتراف والمهنية،والكتاب يطرح تساؤلات غير معتادة عن كيفية التعامل - فى موقع التصوير - مع ممثل متوهج الموهبة والجنون الفنى والرغبة فى الكمال مثله، وعن علاقة العمل الفريدة التى جمعته بالسندريلا سعاد حسني، وباختصار فإن هذا الكتاب يحاول تقديم أحمد زكى كما لم يقترب منه أحد من قبل.


لذا حرصنا على أن نلتقى بالمؤلف للوقوف على ظروف تأليف هذا الكتاب المهم عن ذلك الممثل المهم جدا ،فآثر أسامة أن يبوح بأسرار تجربة التأليف عبر إجابات من دون أسئلة يقينا منه أنه قادر على توضيح ما قد يطرأ فى الأذهان بشأن كتابه.

ويبدأ حكيه قائلا : سعدت للغايـة ببـدء تعـاونى مع «دار الفاروق» ، وباقتراح القائمين عليهـا - وفى مقدمتهـم زميـل «تختة» المدرسة، الصديق العزيز د. خـالـد العـامـري، ومديـر النـشـر بـالـدار، الصديـق الأستاذ عبـود مصطفى - بـأن ينطلق تعاوننـا بدراسـة مسيرة النجـم الكبير أحمـد زكي، الـذى لم يأخـذ - فى رأينـا - حقـه مـن الدراسـة والتحليل.

والذى سيظل بستانه - بعـد صـدور كتابنـا - متسعا لمزيـد مـن الدراسات حتى ننقل تجربتـه كـامـلـة للأجيال الجديدة، عسى أن يجدوا فيهـا مـا يـفـيـد،وعـلى قـدر سـعادتى بالمهمة، فقد اعتبرتهـا تحديا كبيرا لي، ليـس فقـط لـطـول مسيرة النجـم الأسـمر.

وأهميـة مـعـظـم الأعـمال التـى شارك فيهـا، وتعـدد وتنوع مجالات عطائه، ولكـن أيضا - وبالأسـاس - لصعوبة البحث والدراسة فى مجتمع يؤسفنى للغايـة أن أقول إنه بـلا ذاكــرة، لا يـوثـق شيئا، فـلا يـوجـد لدينـا أى تسجيل أو توثيق لأعمالنا السينمائية والتليفزيونية والمسرحيـة والإذاعيـة.

ولا أى تأريـخ أو رصـد لحيـاة إبداعات نجومنـا ورموزنا الثقافية والفنية، وما يتوفـر عـلى شبكة «الإنترنت» معظمه خاطئ وغير دقيق، وهـو مـا يعنـى أن أية معلومـة أو بيـان، أو تاريـخ خـاص بـأى مـن نجومنـا فى أى مجـال ثقـافى أو فـنـى مـن المستحيل أن يكـون دقيقـا مـائـة فى المائة.

وكل مـا فى أيدينا أن نبذل أقصى جهد فى البحـث كمـا فـعـلـت هنـا مـع إطلاق صرخة مطالبـة بـأن تتبنى الدولة مشروعا وطنيا ضخما لتوثيق أعمالنا الفنيـة، وسير حيـاة جميـع فنانينـا. والدليـل عـلى مـا أقـول، فى عـالم السينما، اختفاء نسخ الأفلام النادرة (وحتـى بعـض الأفـلام المعروفة).

وضيـاع مقتنيـات كـبـار سـينمائيينا مـن مخطوطات وأزيـاء واكسسوارات (وهـى التـى تستحق متحفـا أو متاحـف لحفظهـا)، وعدم وجـود «فيلموجرافيـا» دقيقـة لأى مـن نجومنـا القدامى الكبـار.

ورغـم أن أحمـد زكى «معاصر»، واستمر يعمـل حـتـى العـقـد الأول مـن الألفية الثالثة، فقـد وجـدت صعوبة فى العثـور عـلى بعـض الأفـلام التـى شـارك فيهـا، وتوصلت - بـعـد عـنـاء - إلى نسخ رديئـة وضعيفة، وبعضـهـا نـاقـص، أى ينقصـه عـدد مـن المشـاهد.

وقـد نـجـحـت فى النهايـة فى مشـاهـدة مـا كان ينقصنـى مـن أفـلامـه الروائيـة الطويلة، إلا أننـى فشلت فى ذلـك فيما يخص المسلسلات والمسرحيات والمسلسلات الإذاعية، فمعظمهـا غير موجـود للأسف، أو تنقصـه حلقـات أو فصول، باستثناء الأعــال المشهورة، مثـل مسلسلى : «الأيـام» وحكايـات «هـو وهـي»، ومسرحيتـى: «مدرسة المشاغبين» و«العيـال كـبرت».


ويشرح المؤلف قائلا: ولا تكتفـى المصـادر التـى يـمـكـن أن نلجـأ إليهـا بعـدم وجـود المعلومـة، بـل تضللنـا أيضـا أحيانـا بمعلومـات غير صحيحة.
‎ويستمر ناقدنا الفنى المتميز قائلا : قبـل الاستمرار، أود توضيـح بعـض النقاط التى تجعـل تـلـقـى هـذا الكتـاب أسهل، وتـرد عـلى بـعـض التساؤلات التـى قـد تـطـرح نفسـها أثنـاء القـراءة:


‎ هذا ليس بحثا أكاديميا، ولا يخضع للقواعـد المعروفة فى هـذا المجـال، ولا أميـل إلى تصنيفـه أصـلا، لكـن إن كان لابـد مـن ذلك، فهو رؤية نقدية تحليليـة حـرة لمؤلف الكتاب لا تلتزم بمنهـج بعينـه، وبنـاء عـلى النقطـة السـابقة، لا توجـد مصـادر فى نهاية الكتـاب، فكل الآراء والتصريحات والتحليلات الواردة فيه.

وغيرهـا،خاصـة بـه، إمـا بمؤلفه، أو بمصـادر تحدثت خصيصـا لـه، أو بتصريحات وردت على لسان أحمـد زكى نفسه فى فيديوهـات مذاعـة تـم ذكـر مـصـدر كل منهـا فى موضعه، ينطبـق هـذا الكلام على الفيلموجرافيـا الـواردة فى الكتـاب، والتـى تـم تحرير معظمهـا بالجهـد الـذاتي، بـما فيهـا ملخصات الأفلام.

ولم ألجأ فيهـا إلى المواقع إلا لضبط التواريخ والبيانات الأساسية بعـد مقارنـة هـذه المواقـع ببعضها البعض، وأبرزها: «السينما كـوم» و«ويكيبيديا»، فخالص الشكر لهما.
‎ هـذا الكتـاب لا يتضمن تحليلا لـ «جميع » أعـمـال الفنان، إذ ليس مـن المعقول.

ولا توجـد مسـاحة أصـلا، لتحليل 59 فيلماً روائيـاً طويلاً ،و ١٧ مسلسلاً تليفزيونياً و6 مسرحيات، كـمـا أن ذلـك ليـس هـدفى، حيـث أسعى إلى تحليـل المسيرة نفسها، والوقوف على أسباب أهميتهـا وأهميـة صاحبهـا وأسلوب أدائه.


ويحرص مؤلف الكتاب -الذى يوثق بصمات الفتى الأسمر فى أفق السينما العربية -على التوضيح قائلا:
‎ تواريخ الأفلام التى استخدمتها هى تواريخ العرض، وليس انتهاء التصوير أو الحصـول عـلى ترخيص الرقابة،ولم ألتفت إلى مئـات النـوادر والحواديت، بـل الأساطير، التـى تملأ المواقع الإلكترونيـة ووسائل التواصـل الاجتماعـى عـن أحمـد زكـى وأعمـالـه، أولا لأنها غير مؤكـدة ،ولا تستند إلى مصدر موثوق فيـه، وثانيـا لأنها لا تخـدم الخـط الرئيسى للكتاب، الـذى يـقـوم عـلى تحليـل مسيرة الفنـان بـنـاء عـلى مـا عرض منهـا بالفعـل.

ويصر الناقد الفنى اسامة عبد الفتاح على بيان حقيقة انه لا يركـز هـنـا عـلى حـيـاة أحمـد زكـى الشـخصية إلا فى مراحلهـا المؤثـرة بشكل مبـاشـر عـلى مشواره الفنى واختياراتـه، مثـل النشـأة، ولا يهتـم بـعـشرات القصـص المرسلة والمتواتـرة عـن صداقاتـه وعداواتـه وعلاقاتـه بـا فيهـا العلاقات العاطفيـة، حيـث لا توجـد سـوى إشـارة عـابـرة لزواجـه الـذى أسـفـر عـن ابـنـه الوحيـد..

ويقول صاحب الكتاب الذى حاول استخلاص المسيرة الفنية لأحمد زكى من بين ركام الأساطير والحكايات المبالغ فيها :واسمحوا لى فى الختام أن أتقـدم بالشكر  إلى الناقد د. مدحـت الكـاشـف، عميـد المعهـد الـعـالى للفنـون المسرحيـة، الـذى أمـدنى بـرأى قيـم، وإلى كـل مـن: السيناريست الكبير الراحـل مصطفـى محـرم، ومدير التصويـر الكبير سمير فرج، على تصحيح بعـض المعلومات الخاصـة بالأفلام، والمخرجـة حنـان راضى عـلى توفير نسخة مـن فـيـلـم «صانع النجـوم» لوالدهـا المخــرج  الراحـل محـمـد راضي.

اقرأ ايضا | صاحب تشجيعية الرواية: كل ما فى «النجع» خيالى!