للزعيم تاريخ يحيمه: تاريخ فى مواجهة « طيور الظلام »

عادل إمام
عادل إمام

كتب: محمد كمال

يعتبر «الزعيم»، عادل إمام، من الفنانين القلائل الذين دخلوا في صراع طويل وممتد مع التطرف، سواء على مستوى أعماله السينمائية، أو على مستوى المواقف الإنسانية والتصريحات الإعلامية، ويعتبر الممثل الوحيد الذي دخل تلك الدائرة، وظل يدور داخلها لأعوام طويلة، فقد شكل ثنائي مع المفكر فرج فودة الذي كان يناضل بقلمه، أما «الزعيم» فقد ظل يناهض بفنه وأفلامه الخالدة في تاريخ الفن المصري والعربي، وساهم في كشف وفضح إدعاءات تلك الجماعات التكفيرية، وإظهار تطرفها للمواطن المصري البسيط، الذي وجد في أفلام «الزعيم» السبيل الأهم للمعرفة والوصول إلى الحقيقة الغائبة وراء الأفكار الرجعية والمتطرفة، والتي تغلغلت إلى عقول المصريين على مدار أعوام طويلة، حتى تحولت إلى ثوابت فكرية عقائدية، ساهمت أعمال «الزعيم» في التخلص منها بشكل تدريجي.

 

على مدار تاريخ عادل إمام الطويل، دخل في نزاعات وصراعات طويلة مع «طيور الظلام»، لكنه ظل حتى يومنا هذا صامدا ولم يكل أو يمل أو يستسلم، لم يفكر يوما في اللعب في المضمون أو الإنسياق وراء التيارات الشعبوية التي تضع تلك الأفكار في هالة ممنوع الإقتراب أو التصوير، لكنه بقوة وحزم أخترق الجدران، وعبر الحواجز حتى يساهم بشكل كبير في تشكيل وتغيير وعي المواطن المصري، وكشف وتعرية وجوه التطرف والإرهاب.

 

أول الأعمال كان «الإرهاب والكباب» عام 1992 من تأليف وحيد حامد وإخراج شريف عرفة، تلك التجربة التي تنتمي للكوميديا السياسية السوداء التي تعد من أوائل تجارب وحيد حامد في مواجهة التطرف، حتى لو كانت تجربة كوميدية، من خلال شخصية «أحمد» المواطن البسيط الذي يحاول نقل أبناءه إلى مدرسة جديدة لكنه يواجه بيروقراطية خلال تواجده في مجمع التحرير ويجد نفسه فجأة متورطا في قضية إرهاب ويدخل في مواجهة مع وزير الداخلية، الذي قدم دوره الراحل كمال الشناوي.

 

في عام 1994 دخل عادل إمام في مواجهة مباشرة مع التطرف من خلال فيلم «الإرهابي»، والذي ألفه لينين الرملي وأخرجه نادر جلال، وقدم إمام خلاله دور الإرهابي «علي عبد الظاهر»، الذي ينضم إلى إحدى الجماعات التكفيرية، ويستهدف في عملية أحد ضباط الداخلية، وتشاء الظروف أن يتعرض للإصابة، ليختبئ في حي المعادي بمنزل أسرة مصرية عادية، ولتشهد العلاقة معهم عدة مراحل، بداية من الرفض، ومرورا بمحاولة الإندماج، وأخيرا الحب، ليكتشف خلال رحلته القصيرة كم الأفكار المغلوطة التي نجحت الجماعات التكفيرية في غرسها على مدار أعوام، وحولته إلى إنسان مجرد من المشاعر.

 

ويعتبر الفيلم طرح مباشر وصريح في وجه تلك الجماعات التكفيرية التي تقود التطرف بأفكارها الرجعية، فقد قام الفيلم بتشريح تلك الأفكار وعرض نماذج الشباب الذين يقعون في براثن تلك الجماعات، ونظرا لقوة وجرأة الطرح وقتها، تم تصوير الفيلم بشكل سري خوفا من إنتقام الجماعات الإرهابية، والإستعانة بقوات الأمن أثناء التصوير، حتى في العرض الخاص الذي شهد تواجد أمني، بل وأمتد الأمر إلى تواجد قوات الأمن لتأمين دور العرض خوفا من تعرضها لبطش الجماعات التكفيرية وقتها، وتم تعيين أفراد حراسات خاصة لفريق عمل الفيلم، خاصة عادل إمام.

 

بعدها بعام يعود عادل إمام لمواجهة الإرهاب، وهذه المرة تحت اسم «طيور الظلام»، وهو الفيلم الذي كتبه وحيد حامد وأخرجه شريف عرفة وعرض عام 1995، وتلك المرة تناول الفكر التكفيري والتطرف ومن وجهة نظر القادة، ومن خلال حكاية صعود «علي الزناتي» المحامي الشيوعي السابق الذي يجد الفرصة مع الجماعات المتدينة المتطرفة فيصبح قيادي كبير يقوم بتنفيذ والتخطيط للعمليات الإرهابية، وصراعه مع صديقه السابق وزميل الجامعة «فتحي نوفل» المحامي أيضا الذي يصعد في مسار حزب الحكومة، ومن هنا يشير وحيد حامد إلى صراع «طيور الظلام».

في عام 2008 يقدم عادل إمام بمشاركة النجم العالمي الراحل عمر الشريف فيلم «حسن ومرقص» من تأليف يوسف معاطي وإخراج رامي إمام، وهو عمل تناول من خلاله التعصب الديني والتطرف في الإسلام والمسيحية، والعلاقات المضطربة عند البعض منهما، من خلال شخصية قس يتعرض لمحاولة اغتيال ولإنقاذه تقوم الجهات الأمنية بحعله ينتحل شخصية أحد الشيوخ بشكل مؤقت حتى يختفي هذا التهديد، وفي نفس الوقت تجبر شيخ على التحول لقس لحمايته من تعرضه للقتل من قبل إحدى الجماعات التكفيرية الذين يرون من وجهة نظرهم أن هذا الشيخ لا يطبق تعاليم الدين بتشدد.

وخلال مسيرة «الزعيم» في أفلامه تطرق في العديد منها لومضات عن التطرف والتشدد الديني، حتى وأن جنح بعضها إلى الكوميديا، على سبيل المثال شخصية «الشيخ محمود» التي قدمها أحمد السعدني في فيلم «مرجان أحمد مرجان»، أو محاولات الجماعات الإرهابية استغلال «شريف خيري» في «السفارة في العمارة»، أو «حرفوش ابن برقوق» في «رسالة إلى الوالي»، وتحول الثنائي «بخيث وعديلة» سياسيا في «بخيت وعديلة»، والتحول في حياة «طه» في «عمارة يعقوبيان»، وتعامل المتطرفين وتجار الدين مع العجز الجنسي الذي أصاب المصريين في «النوم في العسل» بالقضية التي كان يحقق فيها «العميد مجدي نور» رئيس مباحث العاصمة، وشخصية «الشيخ نادي» في «كراكون في الشارع».

فرج فودة

لم ينحصر دور «الزعيم» فقط على عمله كممثل يواجه التطرف في أفلامه فقط، بل أمتد إلى دوره كإنسان من خلاله دفاعه الشديد للمفكرين وحرية التعبير أمام قوى التطرف وطيور الظلام، فقد وقف بقوة مع المخرج الراحل يوسف شاهين - رغم أنه لم يجمعهما عمل معا - أثناء قضيته الشهيرة الخاصة بفيلم «المهاجر» عام 1994. 

وقد ذكر الكاتب الصحفي الراحل محمود صلاح - الذي كان رئيسا لتحرير صحيفة «أخبار الحوادث» - في إحدى المواقع الإخبارية، أنه فور سماعه بخبر إطلاق النار على المفكر المصري الراحل، سارع بالذهاب لمكتب فودة، وهناك أبلغوه بنقله لإحدى المستشفيات القريبة، فذهب إليها ليجد الفنان الكبير عادل إمام والكاتب الصحفي عادل حمودة يقفان بجوار غرفة العمليات التي يتواجد بها المفكر الراحل.

ونفس الأمر تكرر مع المفكر فرج فودة، الملقب بـ«شهيد الفكر»، وأحد أهم المفكرين التنوريين في تاريخ مصر، والذي ظل عادل إمام يدافع عنه كثيرا، لدرجة أنه أعترف بتقديم شخصيته في فيلم «الإرهابي» من خلال شخصية «الصحفي فؤاد مسعود»، والذي جسده الراحل محمد الدفراوي، حيث صور مشهد اغتياله ليكون مثل الواقع الذي حدث مع فودة حينما أغتيل في 8 يونيو عام 1992، وكان «الزعيم» أول من وصل إلى المستشفى التي نقل إليها فودة مع الصحفي عادل حمودة، وعرض الثنائي وقتها إستعدادهما للتبرع بالدم، لأن فودة ظل ينزف طويلا، وبالفعل تبرع الثنائي مع الصحفي الراحل محمود صلاح، وكان لديهم أمل أن يساهم هذا التبرع البسيط في إنقاذ حياة فودة، حتى خرج الأطباء معلنين وفاة الكاتب الكبير، وقيل وقتها أن عادل إمام سقط على الأرض ودخل في نوبة بكاء طويلة، وتعرض لصدمة عصبية من شدة البكاء، وكان «الزعيم» على رأس متلقين العزاء في فودة بجانب عائلته.