الشاعر الأميركى كريستوفر ميرل: أحمل أحلام نجيب محفوظ معى فى كل مكان

الشاعر الأميركى ومدير برنامج الكتابة الدولى كريستوفر ميرل: أحمل أحلام نجيب محفوظ
الشاعر الأميركى ومدير برنامج الكتابة الدولى كريستوفر ميرل: أحمل أحلام نجيب محفوظ

أن تكون منخرطا فى حوار مع شعراء وكتاب موهوبين من أنحاء العالم فأن هذه متعة تظل ملهمة لى على الدوام

ما ينتجه الكتاب المختارين لبرنامج الكتابة الدولى، أثناء إقامتهم فى آيوا، مدينة اليونسكو الأدبية، يساعد على «تعزيز اكتشاف الحياة».

كريستوفر ميرل شاعر ومترجم ومحرر، ومنذ العام 2000 يتولى مسؤولية إدارة برنامج الكتابة الدولي. صدرت له من قبل ست مجموعات شعرية، وحصل على جائزة لافان جونيورز من أكاديمية الشعراء الأميركيين؛ وقد قام ميريل بترجمة العديد من الأعمال وصدرت له ستة كتب من بينها «فقط المسامير تبقى: مشاهد من حروب البلقان»، «أشياء من الله الخفي: رحلة إلى الجبل المقدس»، «شجرة الحمائم: حفل، رحلة، حرب»، و»صورة ذاتية مع دوجوود «؛ ومؤخرا صدر عمله «المشاعل» وترجمت أعماله إلى ما يقرب من أربعين لغة؛ وقد شارك ميريل فى بعثات دبلوماسية ثقافية لأكثر من خمسين دولة. وهو عضو فى اللجنة الوطنية لليونسكو، وفى عام 2012 عينه الرئيس أوباما فى المجلس القومى للعلوم الإنسانية.

وعلى هامش مشاركتى فى الدورة الخاصة لبرنامج الكتابة الدولى ربيع 2020 أجريت هذا اللقاء مع كريستوفر، للاقتراب منه ومن أعماله، ولإلقاء مزيد من الضوء على الأنشطة الثقافية الدولية لولاية آيوا، وموقع الأدب العربى حاليا فى أميركا.

مع هذه الدورة يكون قد مضى على برنامج الكتابة العالمى 55 عاما، وهو بهذا يكون الأقدم فى العالم، من واقع خبرتك فى إدارة البرنامج كيف ترى التطورات التى جرت عليه وسط التغيرات السياسية والثقافية المحيطة به؟
- أهم المتغيرات التى جرت خلال عملى فى إدارة البرنامج، التطور الجذرى فى الإيمان بأن الدبلوماسية الثقافية عملية تبادل فى الاتجاهين، على هذا فأن إقامة الخريف التى طالما دعت المتميزين من: شعراء، روائيون، مسرحيون، وكتاب مقالات، إلى جامعة آيوا، هى الآن عصب العديد من البرامج الأدبية من بينها: «بين السطور» وهو برنامج كتابة صيفى لمدة أسبوعين كان مخصصا فى الأساس لطلاب المدارس الثانوية من الشرق الأوسط وروسيا.

والآن تم تعميمه إلى مشاركين من جميع أنحاء العالم؛ «خطوط ومسافات، جولات»، وهو برنامج يجلب مجموعات صغيرة من الكتاب الأمريكيين المشهود لهم إلى بلاد أجنبية للانخراط فى أسبوع من النشاطات.هناك كذلك دورات التعلم الرقمى فى الكتابة الإبداعية. المؤتمرات الدولية؛ وخلاف ذلك. 


فما بدأ كنسخة دولية من ورشة عمل كتّاب أيوا نما ليصبح برنامجًا متعدد الطبقات مصممًا لتعزيز الروابط بين الكتاب، من جميع الأعمار ومن كل البلاد، من ناحية، ومع القراء والمحررين والمترجمين وغيرهم من الكتاب من ناحية أخرى. وشعارنا فى كل ذلك نفس نصيحة إى. إم. فورستر للروائيين «تواصل فقط».


ما هو متوسط عدد المتقدمين سنويا وكيف تتم عملية الاختيار؟
- فى المعتاد ترشح السفارات والمستشارون ما بين 80 إلى 100 كاتب وشاعر كل عام، ولإقامة الخريف المقبلة استقبلنا 118 ترشيحا، كل ترشيح يتضمن سيرة ذاتية، بيان الغرض، ونموذج من أعمال المرشح بالإنجليزية فيما بين 10 و15 ورقة، ومبررات الترشيح التى توضح مكانة الكاتب وأثره المتميز فى بلده.


أقرأ أنا وفريق العمل ملفات الترشيحات ونسجل الدرجات ثم نخصص ساعات طويلة لمناقشة مزايا كل كاتب إلى أن نحصل على قائمة مكونة من أفضل 25 إلى 30 كاتبًا، يتم تمويل خمسة عشر منهم من قبل مكتب الشؤون التعليمية والثقافية فى وزارة الخارجية الأمريكية؛ قد يتم تمويل الباقى عن طريق المشاركات الفردية أو من خلال الزمالات الخاصة. نتوقع هذا الخريف أن نستضيف ما يقرب من 40 كاتبًا.


يطرح البرنامج كل عام عددا من الموضوعات للنقاش بين الكتاب الزائرين، هذه الدورة على سبيل المثال كانت هناك موضوعات مثل الكتابة الاحترافية، العلاقة مع الطبيعة، وغير ذلك.. ما التصور وراء طرح تلك الموضوعات، وما الفائدة من ورائها، ما الذى أسفرت عنه فى الدورات المتعاقبة؟
• الندوات الأسبوعية، التى تعقد فى مكتبة آيوا العامة، مركزية فى أى إقامة أدبية، ويتم بثها على الهواء، وأرشفتها من خلال موقع (https://iwp.uiowa.edu/archives/iowa-city-public-library-presentations) موضوعات النقاش تخرج من خلال الحوارات فى الإقامات السابقة، أيضا من خلال مناقشاتنا فى برنامج الكتابة الدولى، وعبر العالم.
نأمل من خلال تلك اللقاءات الأسبوعية التى تقام بين الكتاب الذين نستضيفهم، أن نثير الأسئلة، ونستكشف الأفكار التى يتردد صداها بين الكتاب والجمهور.


فى كل الدورات التى قضيتها فى رئاسة برنامج الكتابة العالمى نادرا ما خيبت الأوراق المقدمة من المشاركين ظنى، ولا أتوقف أنا وزملائى عن التعلم من الكتاب الزائرين عن مدى ضآلة معرفتنا بالعالم ومدى ثراء التقاليد الأدبية التى نراها فى برنامجنا للكتابة. هذا النقاش وليمة ثقافية مستمرة. 


فى بيان عمل برنامج الكتابة الدولى: «مهمتنا ترتكز على الإيمان بأن الإبداع لديه القدرة على تشكيل العالم» هل تعتقد أن ذلك حقيقي؟ ألا ترى أن هذا كان يصلح لعقود أخرى مثل الستينيات والسبعينيات كانت الثقافة فيها أكثر تأثيرا؟
• ما زلت أعتقد فى ما كتبه معلمى، الشاعر بروستر جيسيلين، قبل سبعين عامًا فى مقدمته كتاب مختارته الساحر، والذى لم تتوقف إعادة طباعته منذ صدوره أول مرة «العملية الإبداعية» والذى يضم مقالات لمجموعة متنوعة من التخصصات من فنانين وكتاب وملحنين وعلماء ومفكرين مبدعين،يقول: «ببساطة، تتطلب المصلحة الذاتية للبشرية بذل جهد أكثر عمومية لتعزيز اكتشاف الحياة.»

ومن ثم فهو يحث القراء على «التصرف بناءً على الافتراض القائل بأن مشاكلنا فى الأزمات العالمية، كما هو الحال فى أوقات أخرى، قد تكون قابلة للحل بشكل إبداعى فقط، أى من خلال تغيير عميق وشامل لحياتنا الداخلية والأشكال الخارجية التى تجد فيها الحياة التعبير والدعم». ما ينتجه الكتاب المختارين لبرنامج الكتابة الدولى، أثناء إقامتهم فى آيوا، مدينة اليونسكو الأدبية، يساعد على «تعزيز اكتشاف الحياة».


لأول مرة فى تاريخ البرنامج يتم تقسيم مجموعة الكتاب المختارون إلى مجموعتين إحداهما فى الخريف والأخرى فى الربيع، ماذا كانت مزايا وعيوب هذا القرار؟
• قرار تقسيم جماعة كتاب 2020 إلى مجموعتين، الأولى وصلت خريف 2021، والأخرى ربيع 2022، تم اتخاذه لحماية الكتاب بأقصى طريقة ممكنة من مخاطر الوباء، وهو أيضا الذى قادنا إلى أنه وخلال التاريخ الطويل لبرنامج الكتابة الدولى نضطر،للمرة الأولى، إلى تأجيل البرنامج.


مزايا تقسيم مجموعة 2020 إلى اثنتين أنه سمح لنا أولا: الحصول على إذن الخارجية الأميركية باستقدام الجميع إلى حرم جامعة آيوا. وثانيا: جعل الإقامة أكثر حميمية. فى الإقامات الكبيرة، قد يكون من الصعب تكوين الاتصالات التى نسعى إلى تعزيزها بين جميع الكتاب، وكان انطباعى عن إقامات الخريف والربيع أن الكتاب أصبحوا أقرب من المعتاد لبعضهم البعض، وأظن أن هذا قد يعنى أنه سيكون لديهم علاقات طويلة الأمد تنشأ من إقامتهم فى مدينة آيوا.


العيب الرئيسى هو أنه ترك الموظفين لدى منهكين. هناك سبب لكوننا نستضيف إقامة واحدة فى العام، لأن ذلك يتطلب عملا ضخما.


كيف ترى المشاركة العربية بشكل عام فى هذا البرنامج؟ وما الذى تراه أضافته فى مجال تقديم الثقافة العربية المعاصرة إلى القارئ الأميركى؟ 
• شغلت هذه الوظيفة قبل أن تقع أحداث 11 سبتمبر بعام، والتى غيرت كل شيء بالنسبة إلى الأميركيين، وأيضا لبرنامج الكتابة العالمى. مباشرة وعقب الكارثة بذلنا جهودا متضافرة لاستقدام كتابا عربا إلى البرنامج، ولم يمض وقت طويل قبل أن نبتكر برامج جديدة «سطورنا وفضاء رحلاتنا».

والتى اصطحبنا فيها أربعة شعراء وكتاب أميركيين فى جولة بين حلب، دمشق، عمان، الناصر، تل أبيب، القدس ورام الله. ثم برنامج «بين السطور» معسكر كتابة صيفى لمدة أسبوعين والذى كان موجها فى العشر سنوات الأولى إلى العرب، ثم تبعهم الروس. أسسنا «ويتمان ويب» كورس بالعربية عن بعد للكتاب الشباب (IWP WhitmanWeb uiowa.edu)   وكلاهما اشتمل على ترجمات عربية لكتابات ويتمان. إلى جانب هذا عملنا على تأمين تصنيف بغداد كمدينة للأدب فى قائمة اليونسكو؛ وهلم جرا. 


لدينا حظ جيد لتقديم كتاب عرب رائعين للكتاب والقراء الأمريكيين، وما يقدمونه هو ما يقدمه كل الأدب الجيد: فرصة للعيش فى فضاء تخيلى بعيدًا عن منطقنا، وهذا يجعلنا نكتشف أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا. أحمل معى «أحلام فترة النقاهة»لنجيب محفوظ فى كل مكان. ذلك الرجل كان يعرف كل شيء.


وكيف تأثرت أنت ككاتب بشكل شخصى من تجربة إدارة البرنامج كيف ترى تأثيره  عليك؟
• أن تكون منخرطا فى حوار مع شعراء وكتاب موهوبين من أنحاء العالم فأن هذه متعة تظل ملهمة لى على الدوام. أتعلم كم هو صغير حجم ما أفهمه عن هذا العالم الذى اشتبكت معه على مدى ما يقرب من ثلاثين عاما. وأعتز بحظى السعيد فى معرفة الكثير من الكتاب فى الخارج والذين ارتبطت مع بعضهم بصداقة عمر.


من الصعب قياس كيف أثر هذا على كتابتى، مع هذا أنا سعيد أن كتابى الأخير «المشاعل»، وهو عبارة عن مجموعة من قصائد النثر،قد كتب على الطريق خلال زيارات إلى عشرات البلدان فى مهمات الدبلوماسية الثقافية والتى لولاها لم أكن لأزورها.


ما هى أفضل ذكرياتك من هذا البرنامج وما هى الأسوأ؟
• سؤال مستحيل الإجابة! قراءة طه محمد على لستة منا فى بيت شامبوا؟ حديث أليسا جانييفا فى اجتماع لمجلس العلاقات الخارجية فى مدينة آيوا، حيث أوضحت اشمئزازها من فلاديمير بوتين.الرسائل من جلوبال إكسبريس. باختصار، لدى الكثير من الذكريات الجيدة لأحكيها. أما الذكريات السيئة فسأحتفظ بها ليوم آخر.


مؤخرا صدر كتابك «المشاعل» وهو ديوان فيه الكثير من التأثر برحلاتك المتعددة حول العالم؟ حدثنا عن هذا الكتاب وتجربتك فى كتابته؟
ظهر»المشاعل» بطريقة غير متوقعة. فى مهماتى الدبلوماسية الثقافية، أقوم بالتدريس فى ورش للكتابة الإبداعية، وغالبًا ما أعطى الطلاب تمرينًا بسيطًا على الكتابة، مثل إعطائهم خمس كلمات لاستخدامها فى قطعة من الكتابة، أو مطالبتهم بإعادة توظيف مثل مألوف فى سياق جديد.


صديقى مارفن بيل المتعاون معى فى العديد من الكتب، يحب أن يقول أن المعلم يقوم بالتمرين. وهكذا عادةً ما أكتب إلى جانب الطلاب، وعلى مدار الوقت أصبحت هذه التدريبات، التى اتخذت فى حالتى شكل قصائد نثرية يمكن نظريًا أن تسير فى أى اتجاه، نوعًا من الحساب السرى لأسفارى والتزاماتي. عندما أدى الوباء إلى تقليص رحلاتى، جمعت كل قصائد النثر معًا وأدركت أن لدى ما يكفى لكتاب، وهكذا ولد «المشاعل».


فى 2018 صدر كتاب «البوابة نفسها» مجموعة من الكتابات تستلهم روح جلال الدين الرومى، الذى قمت مع وناتاشا دوروفيكوفا بتحريره،ما هى رؤيتك واهتمامك بالتراث الثقافى العربى والإسلامى، وإلى أى حد ترى حضور هذا التراث فى أميركا؟
• قد يتطلب الأمر كتابًا للإجابة على هذا السؤال متعدد الأجزاء، أو للحديث أيضا عن الفيلم (https://www.youtube.com/watch?v=3-_YtZyHmWU) الذى تم تصويره عن «البوابة نفسها: تبادل شعري».

ما كنت أتمنى أن يحدث عندما جمعت شعراء ومفكرين من أفغانستان وأمريكا وإيران وباكستان وسوريا وتركيا أن تبدأ محادثة حول المشترك بيننا.. حب شعر الرومى، كبداية، وثم، كما اتضح فيما بعد، أصبح الأمر أكثر من ذلك بكثير. «الاتصال فقط» أليس كذلك؟
فى الآونة الأخيرة ، يبدو أن العديد من التغييرات تحدث فى أميركا، اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا. وهناك من يعتقد أن أمريكا تتغير بالكامل. هل توافق على هذا، وإلى أى مدى ترى عمق هذه التغيرات؟
• من الآمن أن نقول إننا جميعًا نشهد ما يسميه المؤرخون لحظة مفصلية، عندما يبدو أن كل شىء يتغير. الوباء، و«حياة السود مهمة»، والحرب فى أوكرانيا، والانقسامات العميقة بين الديمقراطيين والجمهوريين، والمعلومات المضللة، وتغير المناخ. نحن فى طريق وعر، والتزام الكاتب هو أن يشهد ليس فقط على بعض الطرق التى تظهر هذه التغييرات فى حياتنا ولكن فى محاولة لفهم كل شيء. عيناى وأذنى مفتوحتان على مصراعيهما.


فى مصر والعالم العربى هناك فى السنوات الأخيرة حوار ثقافى وأدبى حول أى النوع الأدبى المهيمن الآن، يرى كثير من الكتاب والنقاد أن الغلبة أصبحت للرواية على حساب الشعر، كيف ترى هذا الأمر.. هل تشعر أن هناك خفوت لتأثير الشعر على المتلقى فى مقابل الأجناس الأدبية الأخرى؟ 
فلندع لقصيدة البولندية الحائزة على جائزة نوبل فيسوافا شيمبورسكا «البعض يحبون الشعر» الكلمة الأخيرة فى هذا الشأن:
البعض –
يعنى ليس الجميع
حتى ليس أغلب الجميع لكن القلة
دون أن نعد المدارس، حيث الألزام
والشعراء أنفسهم
ربما سيكون هؤلاء الأشخاص أثنين فى الألف
يحبون –
لكن الحساء مع المعكرون محبوب أيضا، 
محبوبة المجاملات واللون الأزرق،
محبوب الوشاح القديم،
محبوب البقاء عند ما هو ذاتى،
محبوبة مداعبة الكلاب.
الشعر –
لكن ما هذا الشعر؟
قد أجيب عن هذا السؤال
بأكثر من جواب قلق
أما أنا فلا أعرف، لا أعرف، وأتمسك بذلك
كذراع للخلاص
(ت: هاتف الجنابى. من مختارات النهاية والبداية).

اقرأ ايضا | الوعى بالوجود كوسيلة لمعادلة الخواء