الوعى بالوجود كوسيلة لمعادلة الخواء

سيلڤيا، تى جى، الراشدى، خديجة
سيلڤيا، تى جى، الراشدى، خديجة

الطبيعة كانت عنوانا لهذه الندوة، باعتبارها كانت من بين الأماكن القليلة الآمنة أثناء الوباء. لكن فى الوقت نفسه هناك الأخبار التى لا تنتهى عن الانهيار الوشيك للعالم الطبيعي. من هذه الزواية كان سؤال الندوة: هل النباتات والحيوانات والعواصف والحرارة والغبار موجودة فى كتاباتك؟ ما هو أكثر عنصر فى الطبيعة ترك بصمة خاصة عليك؟
عبد العزيزالراشدى وتحت عنوان «كتابة الصحراء» ذهب إلى أن الصحراء هى المكان والزمان الأبديان. وأنه فى الكتابة العربية، الصحراء هى مصدر الأصوات والكلمات والأفكار. كتابة الروايات أوالشعر هى كتابة الصحراء. بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة. لا يهم ما تكتبه. الصحراء يمكنها أن تكون مختبئة بين السطور، وروحها تستحوذ على النص. كتابة الصحراء تجلب أساطيرها، صوفية إشراقاتها ووجودها فى القيم البدوية وعلاقات الفرد بالقبيلة.


وبناءً على ذلك، يمكن كتابة الصحراء بطريقتين: مباشرة، من خلال تجربة معينة تسمى «رواية الصحراء»  وهذه التجربة المباشرة تعطى شكلاً لقصص رائعة من ملامح البدو والصحراء الغامضة. الأحداث تصبح المكان. والطريقة الثانية، أو غير الصحراوية» للكتابة هى عندما يكتب الكاتب عن موضوع آخر أو الفضاء، مثل المدينة أو البحر. لكن الكتابة مع ذلك لا تزال مليئة بالصحراء. تبدو الصحراء متأصلة بعمق فى لغة هذه الكتابة من خلال العواطف وما لم يقل.


وقال: فى الصحراء، عشت مع الصمت.  تعلمت بالتدريج أن الصمت له صوت محدد. وتواصلت مع هذا الصوت. اعتدت الاستماع إلى أصوات الصحراء التى أصبحت صورة داخلية. هذه الصورة عندما تتغذى خيالاً ويتم وضعها على الورق، تصبح الكتابة.


سليفيا حسينى بدورها تحت عنوان «الروابط المعقدة» بدأت أيضا من الصحراء: فى جنوب غرب الجزائر، يعيش من يُطلق عليهم اسم الصحراويين فى المنفى. لم يتم طردهم من وطنهم، لأنهم لا يملكون واحدا. بدلاً من ذلك، أُجبروا على ترك الأرض التى هى موطنهم، صحراء واسعة الصحراء. «سكان الصحراء»هؤلاء، وهى الترجمة الحرفية لكلمة «صحراوي»، لم يعودوا قادرين على ممارسة أسلوب حياتهم البدوى التقليدي. لقد أصبحوا من سكان مخيم للاجئين.


فى هذه الأثناء عاصمة فنلندا، أرض الوفرة إلى حد ماأصبح صيف ٢٠٢١ شديدة الحرارة. وهو مالم يعتد، لم يعتد الهلسنكيون على الحرارة، يتجمعون على الشواطئ ليساعدهم نسيم البحر فى الحصول على الراحة. بقدر ما يحبون السباحة لكنهم لا يبتعدون عن الأرض بسبب الطحالب الخضراء المزرقة السامة التى تزهر فى بحر البلطيق.


الصحراء، هلسنكي. قد يعتقد المرء أنه لا يوجد اتصال بين هذين المكانين، مختلفين فى جغرافيتهما وطبيعتهما وثقافتهما. لكن بالطبع، هناك رابط.. الصحراويون مجبرون على الاستقرار لأن طرقهم البدوية مقطوعة بالفوسفات، الألغام، المحمية بعنف من قبل القوات العسكرية المغربية. فى فنلندا، يتم استخدام نفس الفوسفات، الأسمدة، فى الزراعة، ومن خلال الجريان السطحى وتدفق المياه الجوفية وتدفق الأنهار، فإنه يدخل بحر البلطيق ويخل بالنظام البيئى المائي.


من الواضح أن المشكلة ليست فقط فى فنلندا، حيث لا توجد «عدالة» فى العالم. الأسمدة الفوسفاتية عنصر أساسى فى نظام الإنتاج الغذائى الحديث. بالتأكيد، يبذل النظام الرأسمالى قصارى جهده لإخفاء هذه الترابطات. إنها الخدعة الأكثر عبقرية التى تؤدى إلى تحويل المسؤولية إلى المستهلكين: إذا أراد الناس منتجات أخلاقية، فإن السوق سيقدمها لهم.


وحول دور الفن والكتاب قالت: لا أعتقد أن مهمة الكتاب هى جعل العالم مكانًا أفضل. أعتقد أنه من واجبهم أن يجعلوه أكثر إثارة للاهتمام أوأكثر قابلية للفهم. فى كلتا الحالتين، لا يتعلق الأمر بجعل الأمور أبسط، أو إعطاء أجوبة.

ولكن بالأحرى تقديم العالم والطبيعة والطبيعة البشرية، فى تعقيدها الهائل. ما يمكن أن يفعله الأدب أوالفنون الأخرى - أنا لا أقول أنه ينبغى عليهم ذلك – هو جعل الروابط غير المحسوسة مرئية. الشعب الصحراوى ومواطنى منطقة بحر البلطيق يشتركون فى نفس المشكلة، على الرغم من أن العواقب مختلفة جدًا. 


خديجة باجابر تنطلق فى ورقتها «الطبيعة والوعي» من الربط الذى أكد عليه الفيلسوف والشاعر الفارسى أحوال الدين كاشانى بين الوجود والوعي. يقول: «بذرة الوجود الوعى، وثمرته أيضًا وعي». وتضيف إلى هذا الرؤية الإسلامية التى تؤمن بأن لكل شيء فى الوجود وعياً بالله: 


نحن نشخص الطبيعة فى الكتابة، لكن المجتمع العقلانى لا يقبل أن للجبل روحاً حقيقية تتجاوز التعبير الشعري. تؤثر هويتى وثقافتى على فلسفاتى وكتابتي. يجب أن تكون الروحانية المسلمة المتميزة جزءًا من أى محادثة تدور حول عملي. تسير الطبيعة والمعرفة جنبًا إلى جنب فى موضوعات عملي. عندما أكتب وأتحدث عن الطبيعة، أكتب عن الوجود والوعى وفى النهاية معرفة الذات.


وترى أن الأفكار الأساسية التى يمكن استخلاصها من السلسلة الكبيرة للوعى يمكنها أن تساعدنا فى حل عدد من المشاكل المعاصرة الملحة. على سبيل المثال، يمكننا تجاوز المجالات القانونية والاقتصادية والاجتماعية المعتادة؛ بتشجيع الناس، ككائنات واعية، على حماية الكائنات الواعية الأخرى الموضوعة فى ثقتهم. على سبيل المثال، إذا كنا نعتقد أن الشجرة لديها وعى، وليس فقط الحياة البيولوجية، وأنها تشاركنا فى الإدراك والوجود والحياة والوعى كبشر، فمن المحتمل أن نشعر بمزيد من المسؤولية تجاهها.


تى جى بنسون فى ورقته «وحدى بين الأشجار» تحدث عن علاقته مع الطبيعة وضرورة هذا لتكوين مفهوم صحيح وصحى عن العالم الذى نعيشه: نشأت فى التسعينيات،محميًا إلى حد ما من أهوال الأنظمة العسكرية والانقلابات رغم أننى نشأت فى أبوجا، عاصمة نيجيريا لأن والدى كان يفضل إغلاق الأخبار وأخذى إلى الحديقة. هذا، بالطبع، لا يعنى أنه لم يكن يجر محادثات هامسة صامتة مع الأصدقاء فى المساء، قضاء هذا الوقت فى الطبيعة لم يكن إنكارًا للواقع.


كثيرًا ما كنت محاطًا بنعيق وصفير الطيور،أزيز الحشرات، رائحة الزهور والأوراق الغريبة، كيف أشعر بالوحدة؟ كان من السهل جدًا ترك أحزانى فى المدينة. هذا الشعور هو أكثر التجارب الخارقة للطبيعة التى مررت بها حتى الآن. تعالج الطبيعة أى أمراض أعانى منها، وليس لأنها تجعل الألم يختفى، لكن لأنها تملأ الفراغ داخلى بشيء ما، وهذا الشفاء حقيقى بالنسبة لى أكثر من أى معجزة.


تذكرنا الطبيعة أنه إذا لم تسر الحبكة أوالحياة بالطريقة التى نريدها، فهذا لا يعنى أنه ليس هناك نظام فى العالم. نحن لسنا وحدنا ابدا. 

اقرأ ايضا | في ندوة عالمية.. النقاد يناقشون فخ التورط السياسى والاستجابة الفنية لأحداث العالم


 

 
 
 
 
 
 
 

 

ترشيحاتنا