في ندوة عالمية.. النقاد يناقشون فخ التورط السياسى والاستجابة الفنية لأحداث العالم

باميلا، مادو. فيلكس، تاري رو
باميلا، مادو. فيلكس، تاري رو

النظر إلى ما يمر دون أن يلاحظه أحد وتسمية غير المرئى يمكن أن يكون عملاً سياسيًا

اهتمت هذه الندوة بتحليل العلاقة بين الثقافات والصراعات ومكان الكاتب وسطها، ففى البيئات التى يحيط بها الصراع، والتى غالبا ما تكون عدائية، هل يمكن للكاتب تجاهل التوترات؟ هل هو ملزم بذلك؟
فيليكس نيسى وتحت عنوان «جزء ممتع من كتابة النزاعات» يقول إنه نشأ فى بيئة حافلة بالصراعات، فى قرية صغيرة بالقرب من الحدود بين اندونيسيا وتيمور الشرقية، وهى بعيدة عن العاصمة جاكرتا:حيث يتم إنتاج المعرفة والمناهج الموحدة. «لذلك عندما بدأت القراءة كطفل، ما قرأته كان القصص عن جاكرتا وجزيرة جاوة. لكن لاحقًا، عندما حاولت أن أكون كاتبًا حقيقيًا وحصلت على نصيحتى الأولى، ابدأ الكتابة بما تعرفه، أدركت وجود فجوة كبيرة بين ما كتبته وما كنت أعيش معه، أو حتى ما شعرت به حقًا. وبمجرد أن حاولت التعرف على نفسى، أدركت أن حياتى فى تيمور مليئة بالدراما والصراعات.


خلال طفولتى فى أواخر التسعينيات وحتى أوائل القرن الحادى والعشرين، ضربت الأزمة المالية بعض البلدان الآسيوية. كافح الطلاب للإطاحة بالنظام الدكتاتور فى إندونيسيا، وتيمور الشرقية. أدركت لاحقًا أنى كنت مشغولًا بقراءة وكتابة قصص لا تخص الواقع الذى حولى حيث الجنود والميليشيات والسلاح والقتل، ثم أدركت أن ما جربته هو مجرد انعكاس للأدب الإندونيسى الذى تجنب معالجة الصراعات التى جرت منذ إنهاء الاستعمار فى الأربعينيات.

 

 


السؤال الذى يطرحه بعض الكتاب فى إندونيسيا هو: هل يجب أن يتحمل كل كاتب مسئولية توعية الناس / القراء بالظلم والصراع والعنف الذى ترتكبته حكومتهم؟ هل يمكننا الاستمرار فى الكتابة من أجل الكتابة نفسها؟ إذا خصصناها للتحدث عن الصراع، والأحزان، والجانب المظلم للتاريخ، فأين هو الجزء الممتع من الكتابة؟ لا يمكننى الإجابة على هذا السؤال حقًا. لكن ما أعرفه وبصفتى قرويًا شابًا ورث تاريخاً معقداً من الاستعمار، فإن الكتابة تساعدنى دائمًا على معرفة نفسى بشكل أفضل، أقابل الجروح والملذات والأحلام والعيوب كإنسان ولدى دوما دراما حقيقية لأكتبها، صراعاً لم يكن خيالًا - لكنه فى بعض الأحيان يبدو خياليًا أكثر من الخيال نفسه.


ويتساءل راغافيندر أمادو ماذا يستطيع الشعر أن يفعل؟فى ورقته» الصراع مع الذات فى الفنون».
يجيب بادئا بالتفرقة بين الثقافة التى هى بناء خطاب في حين أن الفن ليس كذلك. مؤكدا: على الرغم من أنه قد يبدو أن الفن يتبع الثقافة، إلا أن العكس هو الواقع.


ما هو الفن؟ أنا شخصياً أبحث فى هذا فى كل لحظة. أهذا سؤال؟ أم أنه إجابة فى حد ذاتها تؤدى إلى اليأس، ويبدو هذا اليأس بطريقة وطنا للفن. 


هل الفن شخصى أم سياسى؟ يعكس كل فن الموقف السياسى للمبدع. أنا واحد من العديد من الفنانين الذين يوضحون بجلاء أنهم غير سياسيين. هذا فى حد ذاته خيار سياسي. أجد نفسى أقرب إلى كلمات لوركا، «الفنان، وخاصة الشاعر دائما أناركى بالمعنى الأفضل للكلمة».


ماذا يستطيع الشعر أن يفعل؟ إننى على نحو ما، ودائما، مهتم بما يمكن للشعر أن يفعله خارج إطاره. أودن قال إن الشعر لا يجعل شيئا يحدث، لكن لا ضرر فى أن نأمل أن يحدث ذلك. لقد حاولت ممارسة أفكارى فى إدخال الشعر إلى حياة الناس من خلال تنظيم أكثر من مائة قراءة شعرية وورش عمل فنية فى المدارس والكليات ودور الأحداث، فى المناطق الحضرية والريفية فى الهند. أقوم برعاية رحلات المشى لمسافات طويلة كمشاركة فنية واعية لأى شخص يرغب فى أن يخطو خارج حياته المليئة بالضغوط. نحن فقط نتجول ونقرأ القصائد ونسعى لنجد بعض الهدوء.


أما باميلا سينشيز فترى أن دور الكاتب يتمثل فى إبراز قيمة الحميمية المجتمعية حتى يتمكن القارئ من فهم هوية الآخر،ويتمكن من التعاطف والإحساس بالجمال، أن ينظر حوله بحماس ويتجرأ على تسميته. إن النظر إلى ما يمر دون أن يلاحظه أحد وتسمية غير المرئى يمكن أن يكون عملاً سياسيًا. 


فى بلد مثل فنزويلا، يمكن أن يصبح شراء كيس دقيق صراعا سياسيًا، كنت أسأل نفسى إذا كان ينبغى على أن أكون كاتبة سياسية. وفى الوقت نفسه كنت ضد هذه الفكرة لأننى متمردة ولأن التسييس يؤدى أحيانًا إلى البروبجندا.

وهى طريقة سهلة لكتابة الشعر السيئ. إننى معجبة بشدة بالكتاب الكوبيين الذين مروا بتجربة مماثلة لتلك الموجودة فى بلدى وحاربوا الرقابة واستمروا فى كتابة كتب معارضة لسجن العقل،أو يتركون الظلام وراءهم ويكتبون عن البحر، عن الحب، أو عن أمهاتهم فى حين لا يحيط بهم إلا الخوف والألم. يجب أن يكون الكاتب مهتمًا بالصراع، ولكن دائمًا من وجهة نظر شخصية، وليس من وجهة نظر عامة، وإلا سوف يفقد الأدبى ويصبح كاتبا دعائيا. 


يتم فهم الثقافات المتضاربة عندما تكون هنا كنقطة مشتركة، يتمثل دور الكاتب فى إيجاد هذه النقطة المشتركة بقدر من الكياسة.تفتح الكتابة بابًا ميتافيزيقيًا يسمح لنا بفهم تقاطع الثقافات، المغامرة الانفعالية للحصول على هوية - وبالتالى كل التوترات المتولدة من حولها. نحن، من التعاطف وليس التعالى، جسر للوصول إلى المعلومات، باستخدام الرموز واللغة، وخلق التزامن فى عالم معادى.

 


تاريرو ندورو وتحت عنوان «من أين نكتب» قالت إن الجوائز الأدبية المرموقة تكافئ الكتب التى تصف أعمال الإرهاب وقصص التغلب عليها، والروايات فى بعض الأحيان تكرس الصور المؤذية.. عن الكلاشينكوف في يد جنود أطفال، واليتامى الذين أُجبروا على امتهان الجنس كعمل فى سن مبكرة جدًا. هذه هى النسخ المسموح بها من إفريقيا فى معظم المكتبات. لكننا نشير إليها على أنها أفلام إباحية عن الفقر.أقول هذا لأن كل الكتب الأكثر مبيعًا تقريبًا فى إفريقيا جنوب الصحراء تتميز بنوع من العنف، وربما قمنا بتطبيع هذه الرواية إلى درجة لا يمكن للمرء أن يتخيل فيها رؤية أفضل. 


ومع ذلك، على الرغم من وجهة النظر التى لدى معظم الكتاب والعلماء الأفارقة حول مثل هذه الأعمال الأدبية، فإننا نقدمها إلى الجمهور الذى غالبًا ما يتوقع منا معالجة مثل هذه القضايا. وفى كل مهرجان أدبى أو ندوة أو قراءة حضرتها.

كان هناك دائمًا كاتب شاب جاد، متحمس يسأل، لا عن مسئولية الكاتب تجاه الثقافة؟ لكن من المهم معرفة أنه عندما نجبر أنفسنا على المواقف السياسية كمؤلفين، فإننا نخاطر بتقديم فنا «سيئ» أو فنا «ضار»، لكن عندما نستجيب بإنسانية لأحداث العالم قبل الرد فنياً، فإننا نبتكر فنا أكثر صدقًا وبالتالى أكثر فائدة.

اقرأ ايضا | السنجاب الأعمى