ناهد الطحان تكتب: أسرار الدراما الإذاعية

د. ناهد الطحان تكتب| أسرار الدراما الإذاعية وكيفية كتابتها
د. ناهد الطحان تكتب| أسرار الدراما الإذاعية وكيفية كتابتها

عندما يكتب المبدع المخضرم والكاتب الكبير والسيناريست الأستاذ محمد السيد عيد كتابا فى الدراما الإذاعية، فنحن بالتأكيد ازاء إضافة إلى المكتبة العربية نابعة من موهبة فذة وخبرة واحترافية لا يمكن أن يتجاهلها أحد. 


ففى كتابه (الدراما الإذاعية.. أسرارها.. وكيف نكتبها؟) الصادر حديثا عن سلسلة كتاب اليوم، يقدم الكاتب الكبير تجربته فى مجال الدراما الإذاعية والتى بدأت منذ عام 1975 وحتى الآن، مؤرخا لها وللعديد من الأعمال الدرامية الهامة التى قدمها ومازال، لندخل عالمه الإبداعى فى حالة من الفضول والإعجاب بهذه المسيرة الإبداعية الهامة التى قدمت أعمالا خالدة فى تاريخ الدراما الإذاعية.


والكتاب يخوض معنا داخل أسرار الكتابة الإذاعية من خلال أمثلة من أهم أعمال كاتبنا محمد السيد عيد ليشرح لنا فى تكثيف وبساطة وعمق فى آن أسس الدراما عامة والدراما الإذاعية بخاصة .


ففى الفصل الأول يقدم لنا المؤلف شكل الإسكريبت الإذاعى وتقنيات الكتابة الإذاعية، لنتعلم أولا كيف نكتب النص على الورق، مؤكدا على أهمية المؤثرات الصوتية فى إثارة خيال المستمع للدراما الإذاعية وتصوير المسمع الإذاعى حتى تكتمل الصورة فى أذهان المستمعين، مستعرضا من خلال النماذج الدرامية هذه التقنية الأهم فى الدراما الإذاعية، معددا أيضا من خلال الفصل الثانى أنواع الفواصل المختلفة التى يعتمد عليها المؤلف للدراما الإذاعية والمخرج فى الانتقال بسلاسة من مسمع إلى آخر.

وهنا يعطى المؤلف الأستاذ محمد السيد عيد درسا إبداعيا لكل من الكاتب والمخرج من خلال خبرته فى التأليف من جهة ومسيرة طويلة من العطاء عمل فيها مع مخرجين عباقرة من أساتذة الإخراج الإذاعى الذين قدموا عصارة إبداعهم فى تقديم دراما إذاعية مازالت إلى الآن مرجعا لكل من المؤلفين والمخرجين المعاصرين والمستمعين فى كل زمان ومكان. 


وقارىء الكتاب لا يعانى جهدا فى فهم المضمون الذى جاء سهلا ممتنعا لمحبى هذا الفن وللطلاب فى المعاهد والكليات المختلفة وللهواه والمبتدئين فى هذا المجال .


فنجده فى الفصل الثالث والرابع (قبل الحديث عن الدراما) و(الدراما) يستعرض مؤلفنا بأسلوب غاية فى البساطة والوضوح - بعد أن قدم لنا نموذجا من أعماله - أبجديات الدراما كفن وأهم قواعدها التى تعد خلفية أساسية لكتاب الدراما لا غنى عنها مثل الحبكة والصراع وغيرها.

وهى أسس أرسطية بحتة كما نعلم ولكن المؤلف الأستاذ محمد السيد عيد يقدمها معلقا عليها بما يتناسب مع شروط العصر ومتغيرات الفن الدرامى من أساليب ومدارس مما يربط بين الماضى والحاضر ويضيف بثقافة موسوعية نماذج هامة مرشدة تضيء وعى القارىء العادى والمتخصص على السواء.


أما الفصل الخامس فقد خصصه المؤلف للحديث عن الشخصيات الدرامية وأنواعها وأنماطها ليتيح للقارىء كيفية التمييز بين كل شخصية وأخرى، كل حسب أبعاده البيولوجية والنفسية والإجتماعية ودوره فى العمل الدرامى مقسما هذه الأدوار وظيفيا وأخلاقيا مما يشكل تركيبة متكاملة يمكن أن يعتمد عليها كاتب الدراما فى تصوير شخصياته وتجسيدها على الورق، إضافة إلى أنها درسا هاما للمخرج لاختيار ممثليه بما يتناسب مع صفاتهم التى تتفق مع الإسكريبت الدرامى مشكلا عاملا هاما وأساسيا من عوامل نجاح العمل الدرامى الإذاعى لا غنى عنه للمخرج فى تقديم عمل ناجح للمستمع، وهو نتاج لمجهود متكامل وتعاون مثمر بين المؤلف والمخرج.


وفى الفصل السادس آخر فصول الكتاب المعنون بالحوار الدرامى يؤكد المؤلف على أهمية الحوار فى الدراما الإذاعية وأهمية اللغة كأداة فى توصيل المعنى، وإلا اختل توازن العمل كله وفقد معناه وهدفه، وهنا يتوقف بنا الكاتب ليؤكد على أهمية البنية الداخلية للغة واتقان المؤلف للمعنى والنطق السليم وخاصة فى الأعمال الدرامية المكتوبة باللغة العربية الفصحى، مشيرا على أهمية أن يكون الحوار بعيدا عن الحشو المتمثل فى المحسنات البديعية وغيرها مما لا يتفق مع تكثيف المعنى الذى يتماشى مع الإذاعة كوسيلة مسموعة تحتاج إلى تركيز من قبل المستمع مما يتطلب الوضوح والبساطة.


 وهنا يقسم الأستاذ محمد السيد عيد العوامل المؤثرة على الحوار والتى تصل بنا فى النهاية إلى نجاح النص الدرامى الإذاعى والعمل الدرامى المذاع فى آن واحد، حيث يشير إلى أهمية الزمان والمكان وطبيعة الشخصيات ووجهة نظر الكاتب والموقف الدرامى، محدداً صفات الحوار الجيد المعبر عن الشخصية والحدث والنابع من الموقف وأيضاً المرتبط بطبيعة الموضوع المطروح،  بما يحقق توفيقا لكاتب الدراما الإذاعية ويضمن شحذ وعى الممثل والمخرج معا ليقدما عملاً درامياً إذاعيا ناجحاً بكل المقاييس.


إن كتاب الكاتب الكبير الأستاذ محمد السيد عيد (الدراما الإذاعية.. أسرارها.. وكيف نكتبها؟) يعد مرجعا هاما،  يقدم لنا المؤلف من خلاله عصارة فكره وخبرته عبر عقود وعقود قدم فيها أعمالا درامية تعد علامات فى تاريخ الدراما عامة والدراما الإذاعية بخاصة، ليضيف للمكتبة العربية مؤلفا ننتظره بالفعل.


الكتاب إضاءة على طريق المستقبل لأجيال جديدة واعدة مبدعين ومتذوقين لم تتح لهم الفرصة للإطلاع على جماليات الدراما الإذاعية كما قدمها ويقدمها رواد هذا الفن وعلى رأسهم أستاذنا القدير محمد السيد عيد.

اقرأ ايضا

  العثمانى الأخير: خطوط الحياة المتقاطعة