الكاتبة الأردنية هيا صالح: الكتابة عمل شاقّ

هيا صالح
هيا صالح

حوار: عبد الله المتقى

هيا صالح كاتبة أردنية متعددة ولا تستريح كما المحاربين، بيد أن ترسانتها هى النقد والرواية والمسرح والدراما والكتابة للأطفال، وهذا يعنى أن سيرة الكتابة عندها تقترن بتاريخ إبداعى حافل، تعمل على تنمية وتغذية مشروعها الإبداعى والنقدى إلى الآن، بإيقاع لا يتعب وعزيمة لا تلين. مشروع غزير، معزز بجودة إبداعية نوعية، فهى ترى النقد قاعدة انطلقت منها فى اشتغلاتها الأدبية اللاحقة.
 

وتشير صالح التى نالت عدداً من الجوائز العربية فى مجالات الرواية والنقد والرواية الموجهة للبافعين والقصة الموجهة للطفل والنص المسرحى والأعمال الإذاعية، إلى ميلها للكتابة الغرائبية لأنها تراها الأقدر عن التعبير عن متناقضات الحياة التى نسميها «واقعية» لتمييزها عن «الغرائبية»، وتقول أنها تجد هذا الواقع أحياناً هو الغرائبية بعينها، موضحة أنها تحاول فى رواياتها ترك مساحات وفراغات يمكن أن يملأها المتلقى وفق خبراته وثقافته واطلاعه.
 

كما ترى أن طرقها للأبواب المفضية لعالم الطفل محاولة للدخول إلى عوالمه الواسعة والمدهشة، وأن الكتابة لليافعين لن تكون سوى بحثاً عميقاً ومتأنياً فى اختيار المواضيع المناسبة، وحول هذا المسار الطويل وهذه التجربة المتفردة ، كان لنا معها هذا الحوار .

• أنت كاتبة متنوعة (نقد، رواية، قصة، مسرح، دراما).. أين تبنين خيمتك وتستريحين؟

فى الواقع لا أستريح.. الكتابة فعل شاق، وهى عملية مؤلمة جداً، وكما قال همنغواى «الكتابة ليست أمراً صعباً، كل ما عليك فعله هو أن تجلس أمام الآلة الكاتبة وتبدأ بالنزيف». لكن رغم هذا الألم فالكتابة تحقق لك متعة لا حد لها، فهى قادرة على سحبك من عالمك الواقعى لتهوى بك فى دهاليز من الخيال، فترى نفسك تغوص فى أعماق أعماقك، وتتفاعل مع شخصياتك، سواء عبر الالتقاء الافتراضى بها أو محاورتها والتعرف عليها أو الاستمتاع بصحبتها.. لذا أعتقد أن فعل الكتابة هو فى حقيقته حالة من التدفق الذهنى والارتحال الروحانى عبر عوالم تشبه الواقع تماماً، ولا تشبهه بتاتاً.

لذا فإن الخيط الجامع بين الأجناس الأدبية المتنوعة التى أكتبها هو فعل الكتابة نفسه، فما دمت قادرة على فهم حدود كل نوع وامتلاك أدواته، وأنا التى خرجت أساساً من عباءة النقد، يمكننى التنقل بين جنس أدبى وآخر.

• إذاً كما توضحين فقد بدأت الدخول إلى عالم الأدب من باب النقد، ما المرجعيات التى تنحازين إليها بغاية تأطير تصوراتك النقدية؟

نعم، لقد كان مشروعى الأساسى فى النقد، منذ أن تخرجت من الجامعة وفى رصيدى العديد من الدراسات النقدية التى أجريتها بحكم متطلبات تخصصى فى اللغة العربية وآدابها. أحببت النقد.

وبدأت العمل على مشروع خاص بى أملته عليّ قراءاتى النقدية المتنوعة وقراءاتى فى القصة والرواية، حيث نبهتنى هذه القراءات إلى أهمية دراسة تحولات الذات العربية وتمثلاتها فى القصة والرواية منذ بداية العقد العشرين حتى دخول العقد الواحد والعشرين.

وبما يتلائم مع التحولات التى عاشتها الذات العربية خلال تلك الفترة التى كان الاستعمار بكل أشكاله عنواناً لمطلعها، ثم حدثت نكبة فلسطين التى غيرت مجرى تاريخ المنطقة وتطلعاتها نحو الحرية والاستقلال تغييراً جذرياً، ثم ما تلا ذلك من حروب.

وفى مجال تحولات هذه الذات العربية قدمت كتابى الأول «الخروج إلى الذات». وكما أشرت سابقاً فإن اشتغالى فى مطلع شبابى فى النقد الأدبى أسس لدى قاعدة انطلقت منها فى اشتغلاتى الأدبية اللاحقة، سواء فى الكتابة للمسرح أو القصة أو الرواية والدرام.

• هل توضحين لنا أكثر كيف كان النقد قاعدة ومنطلقاً لكتباتك فى الأجناس الأدبية المتعددة؟

لقد نبهنى النقد إلى أهمية العلاقة بين الكاتب والقارئ والمتن بوصفه وسيطاً بينهما. وقمت بدراسة تشريحية لحدود كل طرف من أطراف هذه العلاقة، ومدى تأثيرها وتأثرها ببعضها البعض. فالكاتب حينما ينجز نصه يفكر ضمنياً بالقارئ وبالكيفية التى سيتلقى بها هذا النص.

والقارئ من ناحيته قادر على ملئ الفراغات التى يتركها الكاتب فى النص وعلى كشف أسراره وخباياه. وبقدر ما يترك الكاتب للقارئ مجالاً للإبحار فى النص وسبر أغواره بقدر ما يتفاعل القارئ مع النص وينفعل به. هذا التوازن بين العناصر الثلاثة ضرورى جداً لنجاح عملية التلقي، وأى خلل فى طرف من الأطراف سيحدث خلالاً فى العملية برمتها.

• فى رصيدك كثير من الجوائز فى النقد والقصة والمسرح، ما الذى تعنيه لك هذه الأوسمة؟ 

الجوائز استحقاقٌ لمنجَز متعوب عليه، ونوع من التقدير لهذا المنجَز، ومن ناحية تساعد هذه الجوائز على نشر النتاج الأدبى لشريحة أكبر من القراء، بخاصة فى مجتمعاتنا التى تعانى من «أميّة القراءة» بالنظر إلى القطيعة بينها وبين الكتَاب.

• يمكن القول إن روايتك «لون آخر للغروب» التى فازت بجائزة كتارا للرواية العربية، تدور ضمن أجواء فعل الكتابة، حيث قسمت الرواية إلى قسمين؛ الأول يحكى عن قصة الكاتب «المستَأجر» الذى يكتب روايات توسم باسم آخرين غيره، والجزء الثانى عن طبيعة الرواية التى يكتبها ذلك الكاتب.. لماذا اخترت هذا التقسيم؟

اخترت هذا الشكل الروائى الذى يمكن القول إنه رواية داخل رواية، لأتناول من خلاله الكيفية التى تتفاعل بها أطراف عملية التلقى للمنتج الأدبي، وهى كما أسلفت تتمثل فى الكاتب والقارئ والمتن. وبيان التشابكات بين هذه العناصر التى تجعل من عمليتى الكتابة والقراءة نسيجاً واحداً متكاملاً.

• فى روايتك الأخيرة «جسر بضفة وحيدة» طرحت موضوعات تدور حول ثيمة الموت وما يرتبط بها من معانٍ كالفراق والوحدة والعزلة... حدثينا عن هذه التجربة؟

نعم، تتناول الرواية ثيمة الموت ولكن بطريقة مغايرة للسائد، حيث تصورت أن هناك جسراً يمكن أن نلتقى عليه بمن رحلوا عنا، والجسر هنا يأخذ أبعاداً رمزية، لأن من غيبهم الموت حقيقة هم بشكل ما يعيشون معنا أو من خلالنا، قد نراهم فى أحلامنا مثلاً، وقد نستحضر وجودهم فى ذاكرتنا، وقد، إذا كانوا أقرباء لنا مثل الأم والأب، نجد بعضاً منهم فى ملامحنا وصورنا وحتى تصرفاتنا..

ما وددت أن أبنى عليه روايتى «جسر بضفة وحيدة»، هو معمار يقوم على الخلط بين الشخصيات التى تتحرك فى الرواية، والغوص عميقاً فى دواخلها ومقاربة أفكارها وهواجسها، هذا الخلط قد يصل أحياناً إلى عدم القدرة على التمييز بين الشخصيات التى غيبها الموت والشخصيات التى ما تزال على قيد الحياة، وهنا تبدو الرواية بمجملها جسر غرائبى تلتقى عليه الشخصيات الحية والميتة، وفى لحظة من لحظات التلقى سيكون من الصعب التمييز بين وجودها وبين رحيلها. 

• حين تكتبين، هل تضعين مخططاً مسبقاً وتتقيدين به أم لا؟

لا أضع مخططاً مسبقاً. عندما تتبلور الفكرة فى ذهني، تكون كالجنين الذى يعيش فى الداخل ويأخذ بالنمو، لا أعرف بداية ما نوعه، وما الشكل الذى سينتهى إليه والصفات التى سيتخذها.. لكننى أعلم أنه موجود ويتحرك متخذاً الحيز الأكبر من تفكيري.

وفى تلك المرحلة أبدأ بمغادرة عالمى الواقعى وحياتى اليومية وأسافر إلى عوالم أخرى. وفيها أعيش فى خضم صراعات الشخصيات مع بعضها بعضاً، لا أعرف مَن سيحب من، لا أعرف إن كانت هذه الشخصية ستمتلك الجرأة فى النهاية على تحرير نفسها من قبضة قدرها أم لا، لا أعلم إن كانت تلك الشخصية ستنفذ تهديدها وتقْدم على فعل القتل أو الانتحار مثلاً..ربما تكون كتابتى لأننى أود أن أعرف مصائر هذه الشخصيات ومآلاتها فى النهاية.

عليّ أن أعترف أننى والقارئ نعيش الوضعَ نفسه، مع اختلاف بسيط هو أننى أكتشف الأشياء خلال كتابتها بينما يكتشفها هو خلال القراءة.

• هل تقصدين بذلك أن الرواية تقوم على أفعال مباغتة؟

نعم، هى فعل مباغت يقارب الحلم لكن مع اختلاف بينهما، هو أن الكتابة تمثل حلماً واعياً يقظاً يمكن إدراك مجرياته ومعرفة زمنه ومكانه وامتلاك القدرة للإضافة عليه ما يرتئيه الكاتب من عوالم تموج بأحداث تمزج بين الواقعى والخيالي.

• هل تستمدين الشخصيات التى تكتبين عنها من واقعك، أم هى مجرد شخصيات متخيلة؟

هى هذه وتلك، بمعنى أننى أعتمد أحياناً على شخصيات قريبة من واقعي؛ قد أكون رأيتها أو عرفتها أو رصدتها أو كنت على تماس معها فى الحقيقة، لكننى عندما أستدعيها إلى الرواية أضيف إلى كلّ منها ما أراه مناسباً من حديقة الخيال.

ويستهوينى تأمل الشخصيات فى محيطي، سواء تلك العابرة التى يمكن أن تراها فى شارع أو متجر أو حديقة عامة أو تجلس بجانبها داخل حافلة نقل عام مثلاً.. الجزء الأهم فى عملية التأمل تلك يكمن بالإنصات إلى تلك الشخصيات، فوراء كل وجه إنسانى حكايات كثيرة تروى، ومشاعر تستحق الانتباه. لا أهتم بالحكم على هذه الشخصيات أو انتقادها. وكل ما أفكر فيه هو الكيفية التى تشعر بها، والطريقة التى تفكر بها.

• تسيطر أجواء الغرائبية على معظم كتاباتك، لماذا تلجأين إلى هذه الأجواء؟

نعم معك حق، فأنا أميل جداً للكتابة الغرائبية لأننى أراها الأقدر عن التعبير عن متناقضات الحياة التى نسميها «واقعية» لتمييزها عن «الغرائبية»، رغم أننى أجد أن هذا الواقع أحياناً هو الغرائبية بعينها. فى «لون آخر للغروب» على سبيل المثال أردت ترك مساحات وفراغات يمكن أن يملأها المتلقى وفق خبراته وثقافته واطلاعه.وقمت بتضمين القسم الخاص بالكاتب «المستَأجر» أحداثاً شديدة الغرابة، بينما القسم الثانى الذى هو متن الرواية التى يكتبها الكاتب جاء أقل غرائبية وأكثر ميلاً نحو المنطق فى جريان الأحداث لأوكد على مقولة أن الحياة التى يعيشها الإنسان كاتباً كان أو غير كاتب، هى أكثر تعقيداً وفنتازية وخيالاً من النصوص الأدبية التى تُسمى «تخيلية».

• شهد العالم اليوم اكتساحاً كبيراً للعوالم الافتراضية، ألاتخافين على موت جذوة الحرف والحبر أمام هذا الاكتساح؟

لا أظن هناك خوف على جذوة الحرف فى ظل اكتساح الفضاء الافتراضى لحياتنا، لأن هذا الاكتساح مطلباً فرضه علينا التطور الإنسانى الطبيعي، واليوم لا نستطيع العيش من غير هذه العوالم الافتراضية بتعددها وتشعبها وانتشارها.

وأظن أن عوالم الافتراض وفرت مساحات أوسع تزيد من جذوة الحرف واشتعاله ولا تطفؤه، وهى تمثل اليوم منبراً وفضاء مفتوحاً على كل أشكال التعبير، وأيضاً وفرت قاعدة يتماس بها الكاتب مباشرة مع القراء والمهتمين من كل حدب وصوب، وحققت انتشاراً للكتابة، حيث ظهر على سبيل المثال الكتاب الصوتى والمواقع التى ترشح للقارئ أفضل الكتب لقراءتها، ومواقع لمراجعات الكتب، وتوفير الدعاية اللازمة للمنتج الثقافى والإبداعي.. لكن يبقى بالطبع أن نمتلك الأدوات القادرة على توجيه الجيل القادم نحو اختيار السمين الذى يبقى فى الأرض وترك الغث الذى هو زبد بحر لا طائل منه.

• أشرفت على مجموعة من الورش الإبداعية للأطفال، من أى باب تدخلين ورشة الكتابة للطفل، وهل تتقمصين حينها شخصية الطفل وتفكرين بطريقته؟

يمكن القول إننى أطرق كل الأبواب المفضية لعالم الطفل محاولة الدخول عبرها إلى عوالمه الواسعة والمتنوعة والمدهشة، وهى مهمة صعبة جداً وتحتاج إلى الخبرة والدربة والقراءة، سواء فيما يقدم للطفل أو عنه.

بالنسبة لى أضع فى البداية خطة عامة للفكرة التى أريد إيصالها للطفل، وأحرص أن تكون هذه الفكرة تلامس عالمه الشفاف وتستثير مشاعره وتحرك لديه أسئلة أكثر مما تقدم له إجابات، ثم أقترح الشخصيات المناسبة للقصة.

ومن الممكن أن تكون أى شيء، سواء من البشر أو الحيوانات أو الجمادات أو من شخصيات كرتونية أو أسطورية كالعمالقة والأقزام والجنيات.. بعد ذلك تأتى الأحداث التى تتحرك فى زمان ومكان مناسبين للطفل وتبنى بناء واضح المعالم يقود فى بدايته الطفلَ نحو الفكرة العامة التى تبنى شيئاً فشيئاً وصولاً للنهاية الإيجابية. وبالطبع أراعى جداً فى قصص الأطفال مستويات اللغة وما تتضمنه من مفردات لا يستعصى عليه فهمها. وأختبر عملى بشكل أولى على جمهور الأطفال، وهم بالمناسبة يضيفون دوماً الجديد الذى ينسجم مع حسهم الطفولى وطريقتهم فى التفكير والتعبير لدرجة تدفعنى أحياناً لأسأل نفسى: من منّا يعلّم الآخر؟!

• كيف تقبضين على الجملة الأولى فى قصصك الموجهة للطفل؟

الجملة الأولى هى الأصعب، فدوماً أضع باعتبارى أن لدى ما يقرب من ثانيتين ونصف الثانية فقط لجذب اهتمام الطفل إذا أردته أن يستمر فى قراءة قصتى للدقائق العشر اللاحقة. وهذه مهمة تنطوى على تحد كبير. أحاول فى البداية إنشاء (خطّاف) يجذب انتباه الطفل سريعاً.

ويحفزه على مواصلة القراءة حتى النهاية، لأنه لن يرغب أن تفلت خيوط القصة من بين يديه. ومن الأساليب التى أجد أنها من الممكن أن تثير اهتمام الطفل، البدء بسؤال أو بحدث خارج عن المألوف.. إن النجاح فى ذلك يعنى حكماً أن الكتاب القصصى مرشَّح ليكون من بين الكتب التى يفضّلها الطفل، بحيث يضعه إلى جانب السرير ويقرؤه مرة تلو الأخرى دون ملل!.

• ومن أين تبدعين رواياتك لليافعين؟

تحتاج الكتابة لليافعين عموماً بحثاً عميقاً وتأنيا كبيراً فى اختيار المواضيع المناسبة، وأيضاً الأساليب الفنية الملائمة لبناء معمار الرواية الموجهة لليافع، ويعود ذلك إلى حساسية هذه الفئة العمرية التى تتأرجح بين الطفولة بما تحمله من حب المغامرة والاكتشاف وبين الشباب الذى يتطلب نوعاً من النضج فى السلوك والتفكير ورؤية الذات وارتباطها بواقعها الاجتماعي. أحاول فى رواياتى لليافعين أن أقدم موضوعات تهم هذه الفئة وتعبر عن مشاعرها وطرق تفكيرها فى تلك المرحلة التى تعيش فيها تغييرات نفسية وجسدية، تؤثر عليها وعلى طريقة رؤيتها لنفسها ولوجودها وللعائلة وللجنس الآخر وللصداقة..

• كيف توفقين بين الموضوع الذى تطرحينه فى قصصك للأطفال وبين الأساليب الفنية فى تناول هذه المواضيع؟

لنتفق فى البداية على أن سؤالك ينطوى على شقين، أسلوب الكتابة من جهة، وموضوعها من جهة أخرى. بالنسبة لأسلوب الكتاب فكما أسلفت، أحرص على أن يناسب وعى الطفل ويحاكى عالمه بما يتضمنه من بنية قصصية متكاملة العناصر. بحيث يمكن أن تصبح تلك القصة جزءاً من حياته، مثلما يمكن أن تتحول الشخصيات الإيجابية فى القصة إلى أصدقاء له.

أما بالنسبة للموضوعات التى أطرقها فأحرص على أن تكون مناسبة لنمو الطفل ذهنياً ونفسياً، بمعنى أن تكون موجهة، حتى تؤدى الدور الحيوى المنوط بها، حيث تعد القصة مصدراً مهماً للتعلم، فهى تضيف الكثير إلى القاموس اللغوى للطفل، وتساعده على التفكير بطرق مبدعة وخلاقة لحلّ التحديات التى تواجهه. كما تتيح له التعرف على المفاهيم، والاتجاهات، والأرقام، وأسماء الكائنات.. كما يمكنها أن تزوده بمعرفة عن المهام اليومية التى عليه القيام بها، مثل كيفية تنظيف أسنانه، ورعاية الحيوانات، وترتيب طاولة الطعام، وتنظيم غرفته.

وأحياناً تؤدى القصة دوراً مفيداً لتعليم الطفل أفكاراً أكثر تعقيداً، مثل أهمية استثمار الوقت، والتعاطف مع الآخرين. ويمكن أن تكون مفيدة عند محاولة شرح الأحداث الصادمة فى حياة الطفل، مثل انفصال والدَيه (الطلاق)، أو موت أحد المقرَّبين منه.. على أن يقدم ذلك من خلال سرد يتحقق بمنأى عن التلقين، فالطفل يتعلم بمجرد أن يقرأ القصة ويستمتع بها.

• هل تعنين بالبعد عن «التلقين» أنك لا تكتبين للطفل بملامح تربوية توافق رؤية المجتمع؟

ليس تماماً، قصدت بذلك أننى أتجنب القصة التى تقوم على تقديم درس أخلاقى أو وعظى أو تلقينى بشكل مباشر، فهذه ليس مكانها هنا؛ فى عالم الأدب.. أؤمن أنه لتمرير الرسالة، لا بد أن تشتمل القصة الموجهة للطفل على ما يصنع التسلية والمرح ويحقق الاستمتاع، وذلك من خلال الاختيار المدروس للشخصيات والصراعات والأحداث التى تقيم معمار القصة.

فإذا كانت الكتب التى نكتبها تدور حول خيارَى «افعل» و«لا تفعل»، وتعليم الطفل أهمية التهذيب وحثّه على الالتزام بحسن السلوك، وما يجب فعله وما لا يجب، وكأننا نخاطبه من عَلٍ، فلماذا قد يرغب الطفل فى القراءة؟!

• فازت روايتك «شقائق النعمان» بجائزة اتصالات للعام 2020، حقل كتاب العام لليافعين.كان موضوعها شائكاً إذ تتحدث عن تجنيد الأطفال فى الحروب، كيف تمكنت من مقاربة هذه الثيمة القوية بأسلوب يناسب الطفل؟

لقد استنزفت هذه الرواية روحى خلال كتابتها، كنت قد شاهدت ما يقارب 200 فيديو لأطفال تم تجنيدهم فى الحروب، واستمعت لهم ولعائلاتهم وأحياناً لتقرير الإعلام عنهم.. ثم قرأت حول الموضوع وركزت على الأسباب الأساسية التى تقود إلى تجنيد الأطفال. حين نظرت فى محصلة ما رأيت وقرأت وجمعت كان مقدار العنف يفوق كل التصورات، قررت أن روايتى ينبغى أن تكون توعوية وأن تبتعد عما يجرح مشارع الطفل القارئ ومشاهد الدماء والموت والقتل.. لذا اتجهت نحو بناء عالم من المشاعر الإنسانية التى تغلف هذه الرواية وتبرز رحلة الشخصيات.

• «لا أخربش.. أنا أرسم”، «سلة العنب”، «تراب مضيء».. من أين تأتين بهذه العناوين المغرية التى تعلّقين فى سقوف قصصك ورواياتك الموجهة للطفل؟ 
أستمد عناوين القصص من أجوائها عموماً.

وأراعى أن يكون عنوان القصة غير مباشر، ولا يكشف عمّا سيحدث فى القصة، فالعنوان الكاشف يُضعف القصة ويُبهت حبكتها ويقضى على عنصر التشويق فيها.وللوصول إلى عنوان لافت الجأ أحياناً للجناس، أو العبارات التى تحقق إيقاعاً منتظماً وقافية واحدة مثلاً «شامة الصغيرة فى ورطة كبيرة»، فهذا الإيقاع يصبغ العنوان بروح الدعابة والطرافة، ويجعل الطفل يتذكره بسهولة.

ومرات استخدم عنواناً مبهماً، لتحقيق الحماسة والتشويق. مثال ذلك عنوان روايتى للفتيان «تراب مضىء»، وأحياناً أستخدام عنواناً به تساؤل من مثل «لماذا تطارد الكلاب القطط»، أو «لماذا أحب القراءة”. بمعنى عام أستخدم الأساليب التى تلفت من وجهة نظرى الطفلَ وتحمسه للقراءة.

تشكو مكتبة كلّ من الأطفال واليافعين من نقص فى مجال المجاميع القصصيّة. ما الأسباب الكامنة وراء هذا النّقص عربياً؟

من وجهة نظرى منذ عقدين تقريباً بدأت العديد من دور النشر تعمل بجد على سدّ النقص فى مكتبة الطفل، وبدأنا نرى العديد من الإصدارت الموجهة للطفل والتى تناسب فى مضمونها وإخراجها تطلعاته وتلبى احتياجاته.

وبدأ قطاع النشر فى مجال أدب الطفل أكثر وعياً بتحديد الفئة العمرية التى يتوجه لها الكتاب، ومراعاة ذلك فى ما يقدم من موضوعات وطرق طرحها ومناقشتها وشكلها النهائى مع الرسومات الجاذبة والإخراج المناسب.. لا أعتقد أن مشكلتنا اليوم هى فى نقص الكتب الموجهة لكل الفئات العمرية للأطفال والفتيان، ولا بنوعية هذه الكتب، بل المشكلة تكمن فى العزوف عن القراءة.

• فى مجال أدب الطفل قدمت أيضاً قصصاً مترجمة ومعرَّبة من اللغة الإنجليزية، ما الذى دفعك إلى ذلك التوجه؟

صحيح، قدمت فى مجال تعريب قصص الأطفال مجموعة بعنوان «سلّة العنب» (2010) تتضمن حكاياتٍ من تراث الشعوب، صدرت فى العام 2010، ومجموعة «لماذا تطارد الكلاب القطط» (2011)، التى حاولت فيهما أن أتتبع ذلك التقاطع فى روح القصة التراثية وبنيتها عند الشعوب.

وكانت البداية مع هذا التوجه هى أننى طرقت باب القصص باللغة الإنجليزية من باب الفضول، لكننى تعرفتُ على إصدارات فارقة فيما يقدَّم للطفل، إن أردت مقارنتها بما يصدر على الساحة العربية، لا أجد وجهاً للمقارنة. إنها كتابات مؤثرة تحوم حول فكرة تربوية كفراشة، لكنها لا تقولها بصراحة تاركةً المجال الواسع لخيال الطفل ومحرّضةً فكره على ربط الأشياء وتحليلها بأسلوب مبسّط فيه الجدة والمتعة والدهشة.

• لك تجارب أيضاً فى أدب مسرح الطفل، برأيك هل استطاع مسرح الطفل العربى أن يلبى طموحات الطفل واحتياجاته؟

يمكننى القول إن أدب مسرح الطفل شهد تطوراً ملحوظاً فى الفترة الأخيرة، وتم رفده بنصوص تناقش قضايا أنتجها العصر وتتفاعل مع مستجدات الراهن، بعد أن كانت العروض المسرحية فيما مضى ترتكز غالباً على نصوص عالمية يتم تعريبها أحياناً من دون «تبيئة» لها..

وقد رافق هذه النهضة تقديم أعمال لافتة على الخشبة بفعل الرؤى الإخراجية التى تبنى على ما هو موجود وتراكم لتحقيق قفزات نوعية. لكن ما زال أمام مسرح الطفل العربى درب طويل ليلبى احتياجات الطفل العربى ويواكبها.

• فى هذ الإطار، حدثينا عن رؤيتك للمسافة بين النص المكتوب والعرض المسرحى البصرى؟
أولاً على الكاتب أن يستثمر جميع العناصر اللغوية من أجل إيصال رؤيته وبلورة فكرته فى مكان وزمان محددين. ومؤلف النص المسرحى بعامة، والموجه للطفل على نحو خاص، تسكنه هواجس ثلاثة تتمثل في: الهاجس الفكري، والهاجس اللغوي، والهاجس الجمالي.. وكلما تمكن من التعبير عن هذه الهواجس استطاع صياغة نص مسرحى للعرض.وبالطبع لن يحقق النص ما يأمل من تواصل مع الجمهور إلا فى حضور رؤية إخراجية تتمكن من تحويله إلى حياة تتدفق على خشبة المسرح..بمعنى أن النص القوى يحتاج إلى رؤية إخراجية قوية تتحقق رسائله ومقولاته الفكرية.

اقرأ ايضا| حملة للدفاع عن حقوق المترجمين تقودها مترجمة أولجا توكارتشوك