تدخل لفض مشاجرة فألقوا على وجهه ماء النار

الضحية
الضحية

حبيبة‭ ‬جمال

‬ماء‭ ‬النار‭ ‬تلك‭ ‬المادة‭ ‬الحارقة‭ ‬التي‭ ‬تذيب‭ ‬المعادن،‭ ‬صارت‭ ‬سلاحًا‭ ‬يستخدمه‭ ‬الخارجون‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬كوسيلة‭ ‬للانتقام؛‭ ‬بسكبها‭ ‬على‭ ‬الضحايا‭ ‬والأبرياء‭ ‬خلال‭ ‬المشاجرات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بالتهديد‭ ‬باستخدامها‭ ‬لترويع‭ ‬الضحية،‭ ‬ولما‭ ‬لا‭ ‬وهي‭ ‬سائل‭ ‬سهل‭ ‬شراؤها‭ ‬من‭ ‬المحال‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬تبيع‭ ‬البويات‭ ‬وأدوات‭ ‬البناء‭ ‬المختلفة‭ ‬ولا‭ ‬يخلو‭ ‬شارع‭ ‬أو‭ ‬حارة‭ ‬من‭ ‬محل‭ ‬يبيع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء،‭ ‬بجنيهات‭ ‬قليلة؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتطلب‭ ‬معه‭ ‬سرعة‭ ‬سن‭ ‬قوانين‭ ‬تحظر‭ ‬منع‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المواد‭ ‬الخطرة‭ ‬دون‭ ‬تراخيص،‭ ‬ووضع‭ ‬عقوبة‭ ‬رادعة‭ ‬لاستخدام‭ ‬‮«‬ماء‭ ‬النار‮»‬‭ ‬فى‭ ‬غير‭ ‬أغراضه،‭ ‬وكما‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ ‬هذه‭ ‬وكان‭ ‬الضحية‭ ‬شاب‭ ‬لا‭ ‬ناقة‭ ‬له‭ ‬ولاجمل‭ ‬في‭ ‬المشاجرة‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬شارعه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬لتهدئة‭ ‬الأمور؛‭ ‬فناله‭ ‬ما‭ ‬ناله‭ ‬من‭ ‬تشويه‭ ‬وجهه‭ ‬وضياع‭ ‬عينه،‭ ‬وإلى‭ ‬تفاصيل‭ ‬المأساة‭.‬

عرف‭ ‬الشقاء‭ ‬منذ‭ ‬صغره،‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬أسرته‭ ‬البسيطة،‭ ‬فهو‭ ‬عائلهم‭ ‬الوحيد‭ ‬بعد‭ ‬مرض‭ ‬والده،‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬حلم‭ ‬بغد‭ ‬أفضل،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬الغد‭ ‬أصبح‭ ‬مجهولا‭ ‬ومظلمًا،‭ ‬وأصبح‭ ‬ليله‭ ‬كنهاره،‭ ‬بعدما‭ ‬حرم‭ ‬من‭ ‬نعمة‭ ‬البصر‭ ‬وبهجة‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬الحياة،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شخص‭ ‬ملأ‭ ‬الحقد‭ ‬والكره‭ ‬قلبه،‭ ‬وطغى‭ ‬الانتقام‭ ‬عليه،‭ ‬فأفقده‭ ‬بصره‭ ‬وشوه‭ ‬وجهه‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬ذنب‭ ‬اقترفه‭ ‬سوى‭ ‬شهامته‭ ‬ورجولته‭ ‬ودفاعه‭ ‬عن‭ ‬شخص‭ ‬ضعيف‭ ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬سنعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬ذنبًا‭ ‬يستحق‭ ‬عليه‭ ‬العقاب‭.

محمد‭ ‬عبدالله،‭ ‬هو‭ ‬بطل‭ ‬القصة،‭ ‬شاب‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬‮١٨‬‭ ‬عامًا،‭ ‬يعيش‭ ‬مع‭ ‬أسرته‭ ‬الصغيرة‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬أب‭ ‬وأم‭ ‬وشقيقين‭ ‬داخل‭ ‬بيت‭ ‬بسيط‭ ‬بمنطقة‭ ‬بشتيل،‭ ‬بمحافظة‭ ‬الجيزة،‭ ‬بيت‭ ‬تملؤه‭ ‬الطيبة‭ ‬والمودة،‭ ‬هو‭ ‬الابن‭ ‬الكبير‭ ‬لتلك‭ ‬الأسرة،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬فتح‭ ‬عينه‭ ‬على‭ ‬الدنيا،‭ ‬وهو‭ ‬يعرف‭ ‬معنى‭ ‬الشقاء،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كغيره‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يحبون‭ ‬اللعب‭ ‬واللهو،‭ ‬وإنما‭ ‬قرر‭ ‬محمد‭ ‬أن‭ ‬يرتدي‭ ‬عباءة‭ ‬المسئولية‭ ‬منذ‭ ‬صغره،‭ ‬والخروج‭ ‬للعمل‭ ‬لمساعدة‭ ‬والده،‭ ‬فعمل‭ ‬مع‭ ‬خاله‭ ‬في‭ ‬ورشة‭ ‬الميكانيكا،‭ ‬محبوب‭ ‬من‭ ‬الجميع،‭ ‬يتميز‭ ‬بالطيبة،‭ ‬رباه‭ ‬والده‭ ‬على‭ ‬الشهامة‭ ‬والرجولة‭ ‬وحب‭ ‬الخير،‭ ‬لم‭ ‬يعلم‭ ‬محمد‭ ‬أنهما‭ ‬سيكونان‭ ‬سببا‭ ‬في‭ ‬فقدان‭ ‬بصره‭ ‬وتشويه‭ ‬جسده‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬ريعان‭ ‬شبابه‭.‬

 

مشاجرة

منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬أشهر،‭ ‬حدثت‭ ‬مشاجرة‭ ‬بين‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬جيران‭ ‬محمد،‭ ‬ونتيجة‭ ‬ما‭ ‬تربى‭ ‬عليه‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬النزول‭ ‬من‭ ‬بيته‭ ‬لفض‭ ‬تلك‭ ‬المشاجرة‭ ‬وإنهاء‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬بذل‭ ‬مجهودًا‭ ‬كبيرا‭ ‬لإنهاء‭ ‬تلك‭ ‬المشكلة‭ ‬لكنه‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬فكان‭ ‬أحد‭ ‬الطرفين‭ ‬والذي‭ ‬يدعى‭ ‬أحمد،‭ ‬يحمل‭ ‬سلاحا‭ ‬أبيض‭ ‬ويعتدي‭ ‬بالضرب‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني،‭ ‬وفي‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬محمد‭ ‬لأخذها‭ ‬منه‭ ‬أصاب‭ ‬أحمد‭ ‬في‭ ‬كتفه،‭ ‬لتصبح‭ ‬المشاجرة‭ ‬مع‭ ‬محمد،‭ ‬وهولم‭ ‬يكن‭ ‬طرفًا‭ ‬من‭ ‬البداية،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬قاصدًا‭ ‬أن‭ ‬يؤذي‭ ‬أحدًا،‭ ‬فتدخل‭ ‬الأهالي‭ ‬وفضوا‭ ‬تلك‭ ‬المشاجرة،‭ ‬وتم‭ ‬عمل‭ ‬محضر‭ ‬ضد‭ ‬محمد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ناقة‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬جمل‭ ‬فيها،‭ ‬حاولت‭ ‬أسرة‭ ‬محمد‭ ‬أن‭ ‬يقنعوا‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭ ‬بالتنازل‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬والصلح،‭ ‬وبعد‭ ‬محاولات‭ ‬منهم،‭ ‬وافقوا‭ ‬على‭ ‬التنازل‭ ‬مقابل‭ ‬المال،‭ ‬فدفعت‭ ‬أسرة‭ ‬محمد،‭ ‬واعتقدوا‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬انتهى،‭ ‬وسوف‭ ‬تسير‭ ‬حياتهم‭ ‬كما‭ ‬كانوا،‭ ‬لكن‭ ‬الطرف‭ ‬الثاني‭ ‬ملأ‭ ‬الحقد‭ ‬قلبه،‭ ‬فطغى‭ ‬الانتقام‭ ‬عليه،‭ ‬وكان‭ ‬يعد‭ ‬الأيام‭ ‬والليالي‭ ‬للأخذ‭ ‬بالثأر،‭ ‬ورغم‭ ‬مرور‭ ‬شهور‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬مازال‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬الانتقام‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬كان،‭ ‬حتى‭ ‬أتيحت‭ ‬له‭ ‬الفرصة،‭ ‬وسيطر‭ ‬على‭ ‬عقله‭ ‬الشيطان‭.‬

 

يوم‭ ‬الواقعة

استيقظ‭ ‬محمد‭ ‬مبكرًا‭ ‬كعادته،‭ ‬وخرج‭ ‬للعمل‭ ‬داخل‭ ‬الورشة،‭ ‬انهمك‭ ‬في‭ ‬سيارة‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تصليحها،‭ ‬وبعد‭ ‬يوم‭ ‬شاق‭ ‬ومتعب،‭ ‬عاد‭ ‬محمد‭ ‬لبيته‭ ‬ليستريح‭ ‬قليلا،‭ ‬ثم‭ ‬قرر‭ ‬النزول‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬لشراء‭ ‬جبن‭ ‬من‭ ‬السوبر‭ ‬ماركت،‭ ‬وأثناء‭ ‬ذهابه‭ ‬للمتجر،لاحظ‭ ‬وقوف‭ ‬أحمد‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬المتجر،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬حتى‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬للحديث‭ ‬معًا،‭ ‬وفي‭ ‬طريق‭ ‬محمد‭ ‬للعودة‭ ‬نادى‭ ‬عليه‭ ‬أحمد‭ ‬ووقف‭ ‬معه‭ ‬يتحدث‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬دقيقة،‭ ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬غيب‭ ‬فيها‭ ‬الشيطان‭ ‬عقل‭ ‬الجاني،‭ ‬ألقى‭ ‬عليه‭ ‬مياة‭ ‬نار‭ ‬وتركه‭ ‬يصارع‭ ‬الألم‭ ‬ويصرخ‭ ‬بعلو‭ ‬صوته‭ ‬وفر‭ ‬الجاني‭ ‬هاربًا،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬رصدته‭ ‬كاميرات‭ ‬المراقبة‭ ‬الموجودة‭ ‬بالشارع،‭ ‬استيقظ‭ ‬الأهالي‭ ‬مفزوعين‭ ‬من‭ ‬الصوت،‭ ‬فخرجوا‭ ‬مسرعين‭ ‬وكانت‭ ‬الصدمة‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬ألسنتهم‭ ‬من‭ ‬الدهشة،‭ ‬محمد‭ ‬الشاب‭ ‬المحبوب‭ ‬ملقى‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وجسده‭ ‬مشوه‭ ‬تماما،‭ ‬نقلوه‭ ‬سريعًا‭ ‬الى‭ ‬مستشفى‭ ‬قصر‭ ‬العيني‭ ‬ظل‭ ‬بها‭ ‬عدة‭ ‬أيام،‭ ‬ليبلغ‭ ‬الأطباء‭ ‬والدته‭ ‬بأن‭ ‬الابن‭ ‬فقد‭ ‬بصره،‭ ‬نتيجة‭ ‬مياه‭ ‬النار‭ ‬التي‭ ‬أتلفت‭ ‬قرنية‭ ‬عينه‭ ‬والشبكية‭ ‬تمامًا،‭ ‬كما‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬حروقًا‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬صدره‭ ‬وذراعيه،‭ ‬بذل‭ ‬الأطباء‭ ‬قصارى‭ ‬جهدهم‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬إنقاذه‭ ‬وترقيع‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬جسده،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬كانت‭ ‬الأم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬يرثى‭ ‬لها،‭ ‬تجلس‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬غرفته‭ ‬تبكي‭ ‬بدموع‭ ‬عينيها،‭ ‬ترفع‭ ‬يديها‭ ‬للسماء‭ ‬وتدعو‭ ‬أن‭ ‬يشفى‭ ‬نجلها‭ ‬ويعود‭ ‬كما‭ ‬كان‭.‬

 

خرج‭ ‬محمد‭ ‬من‭ ‬المستشفى‭ ‬وعاد‭ ‬لبيت‭ ‬أسرته،‭ ‬وظل‭ ‬في‭ ‬الفراش‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬الحركة،‭ ‬تساعده‭ ‬والدته‭ ‬أثناء‭ ‬دخوله‭ ‬الحمام،‭ ‬تركت‭ ‬عملها‭ ‬لتكون‭ ‬بجانبه،‭ ‬فشقيقاه‭ ‬ما‭ ‬زالا‭ ‬صغيرين‭ ‬لا‭ ‬يقويان‭ ‬على‭ ‬مساعدته،‭ ‬ووالده‭ ‬مريض‭ ،‬أصبح‭ ‬ليله‭ ‬كنهاره‭ ‬بسبب‭ ‬شخص‭ ‬معدوم‭ ‬الضمير،‭ ‬شخص‭ ‬بلا‭ ‬أخلاق‭ ‬أو‭ ‬نخوة،‭ ‬سلبه‭ ‬حياته‭ ‬وبصره،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬لشهامته،‭ ‬وحرم‭ ‬أسرته‭ ‬من‭ ‬عائلهم‭ ‬الوحيد،‭ ‬تركهم‭ ‬في‭ ‬عذاب‭ ‬ليل‭ ‬ونهار‭.‬

زرع‭ ‬قرنية

تواصلنا‭ ‬مع‭ ‬والدة‭ ‬محمد‭ ‬وقصت‭ ‬علينا‭ ‬القصة‭ ‬كاملة‭ ‬كما‭ ‬سردناها،‭ ‬قالت‭: ‬‮«‬عشنا‭ ‬عمرنا‭ ‬كله‭ ‬لتربية‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬الشهامة‭ ‬والرجولة،‭ ‬ولكن‭ ‬دفع‭ ‬الثمن‭ ‬غاليًا‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬كان‭ ‬سندنا‭ ‬أنا‭ ‬ووالده‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬العكاز‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬أصبحنا‭ ‬لا‭ ‬نقوى‭ ‬على‭ ‬الحركة،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬عداوات‭ ‬مع‭ ‬أحد،‭ ‬عشنا‭ ‬طول‭ ‬عمرنا‭ ‬نتجنب‭ ‬المشاكل‭ ‬والخلافات،‭ ‬حتى‭ ‬جاءت‭ ‬تلك‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬طرفًا‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬ورغم‭ ‬الصلح‭ ‬ودفع‭ ‬الأموال‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يفكرون‭ ‬في‭ ‬الانتقام‭ ‬حتى‭ ‬حدث‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نتوقعه‮»‬‭.‬

 

وبنبرة‭ ‬صوت‭ ‬حزينة‭ ‬ودموع‭ ‬تملأ‭ ‬العينين،‭ ‬قالت‭: ‬‮«‬محمد‭ ‬طول‭ ‬عمره‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬أكل‭ ‬عيشه‭ ‬بالحلال،‭ ‬كان‭ ‬يساعدنا‭ ‬في‭ ‬مصاريف‭ ‬البيت‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬مرض‭ ‬والده،‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الراعي‭ ‬والسند‭ ‬لنا‭ ‬بعد‭ ‬ربنا،‭ ‬الآن‭ ‬أصبح‭ ‬عاجزًا‭ ‬بعدما‭ ‬فقد‭ ‬بصره،‭ ‬ويحتاج‭ ‬لزرع‭ ‬قرنية‭ ‬وعملية‭ ‬في‭ ‬العين‭ ‬غير‭ ‬عمليات‭ ‬التجميل‭ ‬لجسده‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬مشوهًا،‭ ‬أمنيتنا‭ ‬بسيطة‭ ‬لكن‭ ‬ظروفنا‭ ‬صعبة‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬تحمل‭ ‬تلك‭ ‬التكاليف‮»‬‭.‬

 

بعد‭ ‬هروب‭ ‬المتهم،‭ ‬تمكن‭ ‬رجال‭ ‬المباحث‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬مكانه،‭ ‬وتمكن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬النقيب‭ ‬وليد‭ ‬كمال،‭ ‬وإبراهيم‭ ‬فاروق،‭ ‬وعبد‭ ‬الحميد‭ ‬مرسي‭ ‬معاوني‭ ‬مباحث‭ ‬قسم‭ ‬شرطة‭ ‬أوسيم‭ ‬من‭ ‬إلقاء‭ ‬القبض‭ ‬عليه،‭ ‬وتولت‭ ‬النيابة‭ ‬التحقيق‭.‬

 

وقالت‭ ‬والدة‭ ‬محمد‭: ‬‮«‬تم‭ ‬استدعاء‭ ‬محمد‭ ‬في‭ ‬النيابة‭ ‬لأخذ‭ ‬أقواله‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الواقعة،‭ ‬فأخذته‭ ‬لهناك‭ ‬وحكى‭ ‬لرئيس‭ ‬النيابة‭ ‬عن‭ ‬التفاصيل‭ ‬المؤلمة‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬وحتى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة،‭ ‬وتسلمت‭ ‬النيابة‭ ‬تقرير‭ ‬مستشفى‭ ‬قصر‭ ‬العيني‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬محمد،‭ ‬والفيديو‭ ‬الخاص‭ ‬بلحظة‭ ‬إلقاء‭ ‬مية‭ ‬النار‭ ‬عليه،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬ننتظر‭ ‬القصاص‭ ‬العادل‭ ‬وعودة‭ ‬حق‭ ‬ابني‮»‬‭.‬

 

واختتمت‭ ‬الأم‭ ‬حديثها‭ ‬بمناشدة‭ ‬وزير‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬والقائم‭ ‬بأعمال‭ ‬وزير‭ ‬الصحة‭ ‬الدكتور‭ ‬خالد‭ ‬عبد‭ ‬الغفاربتبني‭ ‬حالة‭ ‬محمد‭ ‬والنظرإليهم‭ ‬بعين‭ ‬الرأفة‭ ‬والرحمة‭ ‬ومساعدتهم‭ ‬حتى‭ ‬يعود‭ ‬له‭ ‬بصره‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬ويعودوا‭ ‬لحياتهم‭ ‬الهادئة‭. ‬

 ‬تغليظ‭ ‬العقوبة‭ ‬

مياه‭ ‬النار،‭ ‬أداة‭ ‬جريمة‭ ‬لا‭ ‬تكلف‭ ‬الجاني‭ ‬سوى‭ ‬بضع‭ ‬جنيهات‭ ‬ليلقيها‭ ‬على‭ ‬ضحيته‭ ‬بغرض‭ ‬الانتقام‭ ‬وتكون‭ ‬النتيجة‭ ‬آثار‭ ‬لا‭ ‬تزول‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت،‭ ‬ولكي‭ ‬نعرف‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬قانون‭ ‬يجرم‭ ‬استخدام‭ ‬مياه‭ ‬النار‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬العقوبة،‭ ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬محمد‭ ‬كساب‭ ‬المحامي،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬القانون‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬فيه‭ ‬توصيف‭ ‬محدد‭ ‬أو‭ ‬تجريم‭ ‬لماء‭ ‬النار،‭ ‬وإنما‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬تهمة‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬القتل‭ ‬او‭ ‬إحداث‭ ‬عاهة‭ ‬مستديمة‮»‬

 

وفيما‭ ‬يخص‭ ‬العقوبة،‭ ‬قال‭: ‬‮«‬المادتين‭ ‬240،‭ ‬241‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬تنصان‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أحدث‭ ‬بغيره‭ ‬جرحًا‭ ‬أو‭ ‬ضربة‭ ‬نشأ‭ ‬عنها‭ ‬قطع‭ ‬أو‭ ‬انفصال‭ ‬عضو‭ ‬وفقد‭ ‬منفعته‭ ‬أو‭ ‬نشأ‭ ‬عنه‭ ‬كف‭ ‬البصر‭ ‬أو‭ ‬فقد‭ ‬إحدى‭ ‬العينين‭ ‬أو‭ ‬نشأ‭ ‬عنه‭ ‬أى‭ ‬عاهة‭ ‬مستديمة‭ ‬يستحيل‭ ‬درؤها‭ ‬يعاقب‭ ‬بالسجن‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬سنوات‭.‬

أما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الضرب‭ ‬أو‭ ‬الجرح‭ ‬صادرًا‭ ‬عن‭ ‬سبق‭ ‬إصرار‭ ‬أو‭ ‬ترصد‭ ‬فيحكم‭ ‬بالسجن‭ ‬المشدد‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬10‭ ‬سنوات،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬انصراف‭ ‬نية‭ ‬الجاني‭ ‬لقتل‭ ‬المجني‭ ‬عليه‭ ‬وخاب‭ ‬قصد‭ ‬الجاني‭ ‬لسبب‭ ‬لا‭ ‬إرادة‭ ‬له‭ ‬فيه‭ ‬يكون‭ ‬القيد‭ ‬والوصف‭ ‬للجريمة‭ ‬هو‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬القتل‭ ‬وتصل‭ ‬عقوبته‭ ‬للمؤبد‮»‬‭.‬

ويرى‭ ‬كساب‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تعديل‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬وتغليظ‭ ‬العقوبة‭ ‬وتقنين‭ ‬استخدام‭ ‬مياه‭ ‬النار‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مباحة‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬الجميع‭.‬