الفائز بـ «تشجيعية القصة»: حارتى امتداد لعالم محفوظ

محمد عبد العاطي
محمد عبد العاطي

وصف الأديب محمد عبد العاطى حصوله على جائزة الدولة التشجيعية مؤخرًا بأنه دفعة معنوية كان يحتاج إليها للاستمرار، حيث إن الأديب الشاب قد بدأ رحلته مع الكتابة عام 2005 من خلال المدونات إلا أنه نشر روايته الأولى «ترند» عام 2019، قبل نشر متتاليته القصصية الفائزة بالتشجيعية هذا العام «حارة عليوة.. سابقًا» الصادرة عن دار نهضة مصر.

وفى حوارنا معه يتحدث عن بداياته قائلا: «بدأت الكتابة مع عصر المدونات ثم المنتديات، كثير من المدونات جمعت فى كتب وصدرت عن دور نشر كبرى، لكنى لم أكن أريد النشر فى تلك المرحلة، رغم توافر الفرص، كنت أتعامل بروح الهاوي.

ولم أكن أشعر أن هذه هى الكتابة التى أريد نشرها، فى المنتديات كنت متواجدًا على منتدى تفاعلى «الروايات»، ومن أهم المبدعين الذين تفاعلوا مع هذا المنتدى الأديب الراحل أحمد خالد توفيق، وعدد من الأدباء الشباب المعروفين حاليًا، وهذا ساهم فى تكوينى.

وكأنى كنت أتدرب على الكتابة عبر تلك النوافذ،. فى هذه الفترة عملت فى جمعية النقد الأدبي، وهذا أتاح لى فرصة الوجود بين نقاد كبار مما غير نظرتى للكتابة، وزاد من رهبتى تجاه النشر، فألتزمت أكثر بالقراءة فى النقد والأدب.»

يرصد عبد العاطى التغيرات التى حدثت فى حارة مصرية مذ عام 2003 مع دخول عصر التكنولوجيا وحتى عام 2100 حيث يفترض انتهاء هذا العصر، عبر عدد من العناوين الفرعية المؤرخة بالسنوات، والدالة على أحداث ومراحل ترتبط بالواقع الافتراضي.

وعدد من الحكايات التى تبدو منفصلة، لكن تجمعها الحارة وشركة «كمبيوتر»، أقيمت محل خرابة تفصل الحارة عن الشارع الكبير، ونسأل المؤلف عن علاقة التكنولوجيا بالحارة فيقول: «أنا مشغول طول الوقت بالواقع الذى فرض علينا، أنا من جيل الثمانينات حيث لم يكن متاحًا للتسلية سوى ثلاث قنوات تليفزيونية.

والقراءة، العالم من حولنا أختلف مع دخول القنوات الفضائية ثم الكمبيوتر، هذه الموجات خلقت تغيرات جذرية ليس لنا أية يد فيها، نحن مفعول به ولسنا فاعلين، كنت أحب الخيال العلمى فى قراءاتي، ولكنى انبهرت أكثر بما يمكن أن يقال عنه الواقع العلمى الذى شاهدناه فى مراحله المختلفة فى حياتنا، التقنيات التى تقدم فى أفلام الخيال العلمى تغير حياة الأبطال الخياليين، بينما التكنولوجيا التى سيطرت على حياتنا تغير واقعنا كل يوم.»


«قال لى جدى إن حارتنا على أيامهم كانت هى البلد الذى يعرفونه، بلدهم» نعم هى فى القاهرة وفى مصر، لكن الحارة كانت مستقلة، كانت لها حكاياتها وتاريخها وثقافتها، كانت عالمًا له اقتصاده وسياسته وحتى طريقته فى التدين، أما أنتم فقد تغيرتم» تبدو تلك الفقرة محورية فى رواية عبد العاطى.

ويتردد صداها فى البداية والنهاية وهو ما يعقب عليه قائلًا: «عبارة (العالم قرية صغيرة) ابتذلت لدرجة إننا لم نعد نفهم معناها، كل منطقة فى مصر قبل عصر التكنولوجيا كانت مستقلة بالفعل، هناك مفردات خاصة بمناطق بعينها وقرى بعينها.

وقد لا تتشابه مع مفردات فى منطقة أو قرية مجاورة، طريقة التدين والثقافة أيضًا اختلفت من منطقة لأخرى، وكل هذا تغير مع انتشار التكنولوجيا، مع توحد الألفاظ والمفردات، وتماهيها مع لغة الإنترنت، وانتشارها بين كل الطبقات».. هذا التداخل بين المناطق المتجاورة، بدا واضحًا فى التقارب الطبقى الذى حدث بين حارة عليوة.

والشارع الكبير بعد إنشاء الشركة يعلق عبد العاطى : «تعدد الطبقات الاجتماعية نشأ بالفعل من تواصل الشارع الكبير المتمدن وتفاعله مع الحارة عبر الشركة، العالم الجديد الافتراضى حقق التواصل مع كل الطبقات، بدءًا من الشركة حيث يعمل شخص من أولاد الحارة بجوار شخص من الشارع الكبير وهذا الواقع الجديد الذى عايشناه.

والذى فتح قنوات انتقال كبيرة بين الطبقات أكثر مما مضى، الآن العالم كله يستطيع الاطلاع على حياة الآخرين مهما بعدت بينهم المسافات.».. تتصدر العبارة المحفوظية «لو إن شيئًا يدوم على حال فلم تتعاقب الفصول» كأن المؤلف منذ عتبة نصه يشير إلى مرجعية حارة نجيب محفوظ الحاضرة بقوة يعلق عبد العاطي: بالطبع، فأنا مفتون بها، وأنا أقصد تقديم امتداد للحارة المحفوظية، لأنها موجوة فى وعى القارئ مثل عوالم ألف ليلة وليلة والحكايات الشعبية.

كان من الممكن اختيار مكان حقيقى خصوصًا أن المنطقة التى نشأت فيها حدث بها تغيرات كبيرة مشابهة، كانت قرية ثم تحولت إلى ضاحية أشبه بمنطقة شعبية، لكنى قررت أن يكون المكان فى هذه الرواية حارة أقرب إلى حوارى روايات نجيب محفوظ، كى أرصد ما شاهدته من تحول، الموجات التى عصفت بالحارة من صورتها الكلاسيكية المألوفة وكيف تغيرت يومًا عن يوم.

اقرأ ايضا | لأول مرة بالجائزة التشجيعية.. اقتصار الآداب على 4 فروع ومنح جائزتين لكل منها