ترقب للطبعات الجديدة للأديب العالمي نجيب محفوظ في هذا التوقيت

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

كتب: حسن حافظ

على بعد أيام قليلة ينتظر قراء العربية الحدث الثقافى الأبرز فى 2022، وهو صدور طبعة جديدة لأعمال عملاق الرواية العربية عن دار "ديوان"، وهى طبعة ستكون محل جدل بسبب خضوعها لعمل لجنة لتدقيق أعمال نجيب محفوظ ومراجعتها على مخطوطاته ومختلف الطبعات، وهو أمر ينتظره الجميع سواء نقاد أو قراء من أجل التأكد من عدم التلاعب فى أعمال النجيب، وكيف ستأتى الطبعة الجديدة المنتظرة وهل ستليق باسم الأديب العربى الوحيد الحاصل على جائزة نوبل؟ بينما يتخوف البعض من أن تتدخل اللجنة بالتنقيح للأعمال الروائية الشهيرة. فكل هذه الأسباب تجعل صدور الطبعة الجديدة محل انتظار وترقب ومن المتوقع أن تثير حولها الكثير من ردود الفعل فور توفرها فى المكتبات بداية من شهر مايو.

 

وأعلنت أسرة نجيب محفوظ ودار "ديوان" فى ديسمبر الماضى، عن توقيع عقد يمنح الأخيرة الحقوق الحصرية لنشر الأعمال الكاملة للأديب العالمى نجيب محفوظ، وذلك لمدة 15 عاما تبدأ من مايو المقبل، وهو الخبر الذى أنهى حالة الترقب وبورصة التوقعات حول الدار التى ستحصل على حقوق النشر الورقى لأعمال محفوظ بعد انتهاء مدة التعاقد مع دار الشروق، لكن الإعلان عن الطبعات الجديدة التى ستنزل الأسواق خلال أيام، لم يمر مرور الكرام، إذ أعلنت (ديوان) بأنها ستعمل على "إعادة إحياء تراث نجيب محفوظ وتقديم أعماله المنقحة والمراجعة بأحدث تقنيات النشر الورقى والرقمى والصوتى، والعمل على تمديد أثره الفكرى وحفظ إرثه الأدبى الفريد"، هنا دار الجدل حول المقصود بعملية التنقيح والمراجعة وسط مخاوف من التدخل فى النص المحفوظى وفتح الباب لكل من يريد أن يتلاعب بنصوص صاحب الثلاثية، ومن هنا حالة الترقب من قبل القراء والنقاد لصدور أول أعمال نجيب محفوظ، لمعرفة ما تم فى المتن المحفوظى.

 

الروائى أحمد القرملاوى، مدير قسم النشر بمؤسسة (ديوان)، منسق اللجنة المشكلة لمراجعة أعمال أديب نوبل، قال لـ (آخر ساعة)، إن اللجنة أنجزت بالفعل مراجعة بعض أعمال نجيب محفوظ بشكل كامل، وهناك بعض الأعمال الجارى العمل فيها، وستبدأ عملية النشر تباعا بداية من مايو المقبل، وعملية التسويق والإعلان عن هذه الأعمال ستبدأ فى بداية مايو المقبل، لافتا إلى أن مراجعة أعمال أديب نوبل "عملية مجهدة وشيقة فى ذات الوقت، وهناك عمل لمحفوظ أخذ أكثر من وقته فى الخطة، فيما يخص المراجعة، لذا تم استبداله بعمل آخر لكى يصدر مع المجموعة التى ستصدر خلال أيام، لكن إجمالا تمضى اللجنة فى الخطة الموضوعة لها".

 

وعن بعض القواعد التى تتبعها اللجنة فى عملية مراجعة أعمال نجيب محفوظ، قال القرملاوى: "لكى تخرج الأعمال المحفوظية بالدقة التى نريدها ونرغب ونطمح فيها، فراجعنا كل الطبعات التى صدرت لأعمال نجيب محفوظ، بما فى ذلك الأعمال التى نُشرت مسلسلة فى صحيفة الأهرام، ومراجعة الاختلافات بين الطبعات المختلفة، للتأكد من خروج الطبعة الجديدة بصورة أقرب ما تكون لما أراده نجيب محفوظ"، مشددا على أن عمل اللجنة بعيد عن التنقيح والتدخل فى صياغة النص وإنما هو تدقيق فى كتابات نجيب محفوظ وصولا لأدق صورة مطابقة لما كتبه محفوظ بنفسه بلا أى رقابة أو تدخل بالحذف.

 

ومرت عملية نشر نصوص نجيب محفوظ بالكثير من المحطات، إذ بدأ نشر قصصه القصيرة فى مجلة الرسالة والمجلة الجديدة، ثم نشر أعماله الروائية فى (لجنة النشر للجامعيين) التى أسسها عبد الحميد جودة السحار فى أربعينيات القرن الماضي، لنشر أعمال الكتاب الشباب الذين عانوا من صعوبات النشر فى كبريات دار النشر وقتذاك، التى رفضت أن تنشر لمبدعين لا يزالون فى مقتبل العمر وبلا شهرة أدبية، لذا نجح السحار فى نشر معظم أعمال نجيب محفوظ الأولى، ثم انتقل نجيب محفوظ للنشر عبر دار (مكتبة مصر) المملوكة لمؤسسها سعيد جودة السحار، وأصبحت هذه الدار هى الناشر الحصرى لأعمال النجيب فى مصر على مدار عقود وطوال النصف الثانى من القرن العشرين، ولتحقق الدار شهرتها العربية باعتبارها الناشر الشرعى لأعمال نجيب محفوظ الفائز بجائزة نوبل فى الآداب، لتعيش هذه الدار على هذا المجد، حتى بدأت أزمة بين محفوظ ومدير الدار أمير سعيد جودة السحار، عندما تحدث الأخير فى أحد الحوارات عن عدم تحقيق أعمال صاحب نوبل للمبيعات، ليفكر بعدها صاحب (الثلاثية) فى دار جديدة تنشر أعماله.

 

وبالفعل قدمت (دار الشروق) عرضا هو الأكبر فى تاريخ النشر العربى فى سنة 2000، بقيمة مليون جنيه، مقابل الحصول على حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ، فوافق الأخير، وبدأت الدار فى نشر الأعمال الخاصة بالروائى الكبير بأغلفة جديدة وطبعات كاملة لأعماله، لكن أبرز ما ارتبطت به أعمال نجيب محفوظ مع تلك الدار هو صدور أول طبعة مصرية لرواية (أولاد حارتنا)، التى لم تُنشر فى مصر إلا عبر صفحات صحيفة الأهرام فى الخمسينيات من القرن الماضى، ثم نشرتها جريدة الأهالى، لسان حزب التجمع اليسارى، فى أحد أعدادها بعد أيام من محاولة اغتيال نجيب محفوظ فى أكتوبر 1994، لكنها لم تنشر فى كتاب فى مصر إطلاقا، وإن نشرتها دار الآداب البيروتية، لذا جاء نشر (دار الشروق) لرواية محفوظ كأهم إنجاز لهذه الطبعة كأول طبعة مصرية فى 2006 أى فى نفس عام رحيل نجيب محفوظ.

 

وبينما حصلت مكتبة الجامعة الأمريكية على حق النشر لأعمال نجيب محفوظ المترجمة إلى اللغة الإنجليزية واللغات الأخرى، فإن بعض أعمال نجيب محفوظ قد نُشرت فى دور أخرى، إذ حصلت الدار (المصرية اللبنانية) من نجيب محفوظ على حق طباعة مقالاته فى فترة الثلاثينيات، وصدرت فى ثلاثة مجلدات تحت عنوان (حوليات نجيب محفوظ)، كما نشرت دار الساقى البيروتية مجموعة قصصية لم يسبق نشرها لمحفوظ، وهى مجموعة (همس النجوم) التى صدرت 2020، وحصلت مؤسسة "هنداوى" للنشر الإلكترونى، على حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ من أسرته العام الماضى، على الفضاء الإلكترونى وتوفيرها مجانا، كما جرت العادة فيما تقدمه المؤسسة غير الهادفة للربح، من نشر للمعرفة والثقافة، وغرس حب القراءة بين المتحدثين باللغة العربية، عبر توفير مؤلفات العديد من كبار الكتاب فى طبعة إلكترونية مجانية.

 

الترقب لصدور الطبعة الجديدة لأعمال نجيب محفوظ لا تقتصر على متن الأعمال، بل هناك ترقب من نوع آخر، ويتعلق بأغلفة أعمال صاحب (الحرافيش)، إذ ارتبطت أجيال بأغلفة الطبعة الصادرة عن (مكتبة مصر)، التى تصدى لها الفنان التشكيلى جمال قطب الذى أصبح الرسام الأشهر لأغلفة الأعمال الروائية فى العالم العربى، بعد إنجاز العديد من أغلفة كبار الكتاب المتعاقدين مع (مكتبة مصر) أمثال توفيق الحكيم ويوسف إدريس ويوسف السباعى وإحسان عبد القدوس، فضلا عن نجيب محفوظ الذى جاءت أغفلة أعماله معبرة عن عوالم الحارة المصرية كما تصورها جمال قطب، ومع انتقال حقوق الطبع إلى (دار الشروق) تصدى لتصميم أغلفة الطبعة الجديدة الفنان التشكيلى حلمى التونى، وهى أغلفة أثارت الجدل حولها بين مؤيد ومعارض لها، لينتظر الجميع الأغلفة الجديدة والمرتقبة، التى سيكون لها حظها من الجدل المتوقع.