قطعة الحلوى!

أمنيه

محمد سعد
محمد سعد

كانت أمى تطعمنى الحلوى التى كانت تصنعها بيديها وكانت- رحمها الله- فى سعادة غامرة عندما أطلب المزيد، وهى تقدم لى ما لذَّ وطاب.. اليوم اعترف بأننى أدفع ثمن ما أكلته من حلوى، فقد ماتت أمى ولم تعد تطعمنى حلواها، ويجب أن أتحاشى جميع الطعام قدر المستطاع فمعدلات السكر فى جسدى- الذى لازمنى لعشرين عامًا- يصعب السيطرة عليها وبدأ تأثيره على أعضاء جسدى يلوح بقوة فى الأفق، ربما أن مشهد النهاية اقترب وربما أن السكر، رفيق دربى فى العقدين السابقين أوشك أن ينسلخ من جسدى بعد أن نخر فيه مثل السوس.


ما زلت أتذكر حتى الآن دعاء أمى لى بالصحة والعافية ولكن ظنى- وبعض الظن إثم- أن أبواب السماء لم تكن مفتوحة فى أى من هذه المرات، بالطبع كانت صادقة فى دعائها، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فخلال الأشهر الأربعة الماضية أشعر بأننى هرمت حد الشيب وحاولت جاهدًا وحاول الأطباء أن أسترد عافيتى لكن دون جدوى مأمولة، الأطباء بذلوا ما فى وسعهم متمسكين بأمل فى التحسن، لكنى فقدت هذا ومصمم على وجهة نظرى التى لا تمت للطب بشىء لكنها من باب أننى طبيب نفسى.


أجرى الأطباء جراحة لى فبراير الماضى بمفصل الكتف واضطروا لإزالة بعض العظام وتثبيت أخرى وتصليح الأوتار ثم أجريت ما يزيد على ثلاثين جلسة علاج طبيعى، ومَرَّ الوقت والتحسن بطىء مثل سير السلحفاة على طريق غير ممهد، حتى كان اليوم الحادى عشر من مايو زرت الطبيب وأجرى الفحص وألقى باللوم على السكر ووصفه بأنه يدمر ويأكل العظام التى لم تلتئم وقرر جراحة جديدة مكملة للسابقة.


شكرت طبيبى وانصرفت- وكنت أخفى زيارتى له عن أقرب المقربين ولا يعلم بموعدى هذا إلا ربى فقط، وللمرة الأولى منذ زمن بعيد واصلت السير من حى الدقى حتى منزلى قبل نهاية شارع فيصل، لا أعلم كم قطعت من الوقت لكنى طوال الطريق كنت أتحدث -كتابة- مع شخص قريب إلى وجدانى فى بعض أمور تخصه وحاولت أكثر من مرة أن أفرغ ما بداخلى إليه، لكن فى كل مرة كنت أتماسك وأضحك بينى وبين نفسى وأقول كنت تأكل الحلوى بمفردك وأنت صغير لا داعى أن تُحمِّل غيرك ما لا طاقة لهم به، وهكذا الحال حتى وصلت إلى سريرى.


خلدت إلى النوم سريعًا فقد حرمتنى الآلام المبرحة من النوم الليلة السابقة فذهبت فى ثبات عميق، وعندما استيقظت أخذت أفكر هل بإمكانى أن أمنع الصغار من تناول الحلوى؟ هل إذا أفهمتهم أن الحلوى ضارة سوف يستمعون إلى حديثي؟ هل هناك شىء آخر يمكن أن أعوضهم به عن قطعة حلوى؟، وكانت الإجابة القاطعة التى تعلمناها أيام الصِبا أن كل طفل حلمه قطعة حلوى، فكيف أطلب منهم أن يتنازلوا عن حلمهم لمجرد أننى أفرطت فى حلمى!


فى الأيام التالية تناولت جرعات دواء وصفها طبيبى مع التحذير بأنها تُسبب آلام الأمعاء والاكتئاب لكن يُمكن أن تسكن الآلام وتجعلنى أغفو مساءً، لكن لا يمكن الاعتماد عليها كبديل للجراحة، والآن يا أمى أبتعد عن كل شىء وبالأخص كل ما يطلق عليه حلوى، أنزوى بمفردى أكتفى فقط بالنظر وأطيل فيه، أتذكر ابتسامتك يا أمى، أتذكر طعم حلواكى وأيامك الحلوة.