حبر على ورق

«إبراهيم عبد المجيد» الذى عرفته

نوال مصطفى
نوال مصطفى

قصة حياته نفسها تشكل مادة خام لرواية درامية مثيرة وشائقة. قصة الشغف فى أقصى درجاته، والجنون فى أبهى صوره. إنه ابن مدينة الإسكندرية الأديب القدير إبراهيم عبد المجيد، الناسك فى محراب الأدب، الزاهد فى الشهرة، العاشق للكتابة والكتب، المتلهف كطفل إلى آراء قرائه عند صدور رواية، أو كتاب جديد له، ويعتبرها جائزة تَفوق كل الجوائز. لذلك أسعدنى جدًا خبر حصوله على جائزة النيل، التى تعد أرفع الجوائز الأدبية فى مصر. تقديرًا وعرفانًا بمشواره الأدبى الطويل، وإنتاجه المهم فى مجال الأدب، الرواية، القصة القصيرة، الترجمة، والسير الذاتية..  حصل إبراهيم عبد المجيد على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب بجامعة الإسكندرية فى عام 1973، ثم اتجه إلى القاهرة ليلتحق بعمل فى وزارة الثقافة، ويتولى فيها العديد من المناصب على مدى رحلة حياته. لكن الوظيفة لم تكن تستهويه على الإطلاق، وله عشرات القصص الكوميدية عن كيفية الزوغان من المسئوليات الوظيفية التى تسرق الوقت، لصالح عشقه الوحيد: الأدب. كان يتعامل مع الوظيفة باعتبارها مجرد عمل ومصدر رزق، ويعترف بكل صراحة بأنه لم يخلص إلا للكتابة.

حوالى عشرين رواية، عشر مجموعات قصصية، مئات المقالات الصحفية والحوارات التليفزيونية هى حصيلة الإنتاج الأدبى للمبدع القدير إبراهيم عبد المجيد حصل عنها على عدد كبير من الجوائز داخل وخارج مصر. لكنه يعتز اعتزازاً خاصاً بجائزة نجيب محفوظ للرواية، لأنه أول من يفوز بها بعد أن دشنتها الجامعة الأمريكية بالقاهرة. حصل عليها عن رواية «البلدة الأخرى» عام 1996، وفى نفس العام حصل على جائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب لأحسن رواية عن «لا أحد ينام فى الإسكندرية» عام 1996، كذلك حصل على جائزة الدولة للتفوق فى الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2004، وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2007. جائزة كاتارا 2015 وجائزة الشيخ زايد 2019.

رغم كل الجوائز المهمة والترجمات التى حظت بها أعماله الروائية إلى الإنجليزية، الفرنسية، والألمانية، تراه إنسانا فى قمة التواضع، يتعامل مع الصغير قبل الكبير باحترام وتقدير وإنسانية رفيعة المستوى. ورغم كل هذا الزخم الإبداعى فى حياته لم يهتم بالظهور الإعلامى، أو الشهرة. لا يسعى إلى شيء إلا للقائه بالورق والقلم. وجلسات الأدباء على مقاهى وسط البلد قبل زمن الكورونا، وحصار الأحزان على رحيل أقرب الأصدقاء، وأحبهم إلى قلبه..  لذلك تسللت موجات الحزن إلى سطوره خاصة فى كتاباته الأخيرة وأحدثها بعنوان «الهروب من الذاكرة» الصادر عن دار المتوسط للنشر. شكرًا أديبنا القدير الذى اصطحبنا لندخل معه «عتبات البهجة» كما علمنا كيف نهرب من الذاكرة لعلنا نستريح!.

جمعتنا لقاءات ومناسبات أدبية عديدة، لمست خلالها بساطة شخصيته، وكم التصالح  الجميل القائم بينه وبين نفسه، إلى جانب روح المرح، ولسعة السخرية المحببة فى حكاياته، ونوادره التى يحكيها بحس أدبى شائق، وجذاب.

يشاء القدر- بعد ذلك بسنوات - أن تجمعنا لجنة تحكيم فرع الرواية فى مسابقة «إبداع» التى تقيمها وزارة الشباب والرياضة منذ عشر سنوات كأعظم عمل تقوم به الوزارة، هو ودكتور حسين حمودة وأنا، هدف المسابقة هو اكتشاف كنوزنا الحقيقية من شباب يفرح حقًا فى كل فروع الفنون، الثقافة، والأدب. قربت تلك التجربة بيننا، وعرفته بصورة أعمق.
 ابتسامة صافية، تملأ وجهه، قلب يسع الدنيا، تواضع ونبل الأدباء الحقيقيين، هذا هو إبراهيم عبد المجيد كما عرفته، والذى أعتز وأفتخر بصداقته.