قريباً من السياسة

فاقدو الثقافة ومعدومو الأدب!

محمد الشماع
محمد الشماع

أم كلثوم شكلت ظاهرة حضارية فى بناء النفس والاعتماد على الذات وتطوير القدرات. هذا بالإضافة إلى مساهمتها العظيمة فى تطوير فن الغناء والطرب المصرى، وقد وضعت شروطا حضارية لظهورها أمام الملايين، فهى مثلا ترتدى ثوبا طويلا كاسيا وتحمل فى يدها منديلا لكى تجفف أصابعها كثيرة التعرق ولا شىء غير ذلك، فهى تفرض الوقار والاحترام على المغنية إذا غنت فلا تبدأ بالحركة ولا التنطيط ولا بهرجة الأزياء.

وقد استطاعت تطوير حسها الوطنى، فالتزمت بقضايا الوطن ووقفت مساندة لكل الأعمال الوطنية، ووضعت حدا فاصلا بين حياتها الشخصية وبين فنها الراقى، فالحياة الشخصية تظل خاصة لا يجوز أن تخرج للناس، وقد عنفت خادمتها التى أجابت على سؤال للإذاعية الشهيرة آمال فهمى عن ماذا تناولت أم كلثوم فى غدائها قبل إحدى حفلاتها. فقالت لها الخادمة إنها أكلت ربع فرخة!

وقد حكت لى الإعلامية الشهيرة آمال فهمى هذه الواقعة عندما شرفتنى فى مكتبى بمجلة آخر ساعة . لكى تشكرنى على مذكراتها التى نشرتها فى المجلة، وحققت نجاحا كبيرا.. وقالت إن السيدة أم كلثوم عنفتها هى أيضا وبشدة حتى بكت آمال فهمى التى أذاعت ذلك أثناء نقل حفل أم كلثوم على الهواء وكانت تصف ما فعلته أم كلثوم قبل ظهورها على المسرح وماذا تناولت فى طعامها قبل الحفل كما وصفت ملابس سيدة الغناء العربى فى هذا الحفل !

كانت هذه السيدة العجيبة العظيمة أم كلثوم تفصل بين ما هو شخصى وبين ما هو موضوعى، استطاعت أن تجمع حولها أعظم الملحنين وأن تقدم فنها فى أبهى ثوب وأن تجمع حولها أعظم الشعراء وكتاب الأغانى بيرم التونسى وأحمد رامى وأحمد شفيق كامل.

كانت أم كلثوم عصرا من العظمة وعصرا من النبوغ، وكانت نموذجا للاعتماد على النفس وتكوين القدرات، ويكفى ما قدمته لوطنها فى أشد المحن التى تعرض لها خاصة عقب نكسة يونيو ٦٧ وتبرعها للمجهود الحربى وأقامت حفلات فى عواصم العالم دعما للقضية المصرية والعربية، لذلك فإنه يؤلمنا جميعا أن تتعرض أم كلثوم لهجوم شاعر مغمور  - مرفوض اعتذاره - أو نقد يفتقد الموضوعية، وأين فى دائرة المثقفين الذين يظن بعض الدخلاء منهم من فاقدى الثقافة ومعدومى الأدب أن التطاول على الكبار هو وسيلة الصعود والترقى وإثبات الذات!!