أدب الحرب بين التغني والإدانة

مُتتالية نيميروفسكي وطيور باورز.. 14 رواية كُبرى استوحت أحداثها من الحرب

أدب الحرب  بين التغنى والإدانة
أدب الحرب بين التغنى والإدانة

بقلم : توم وارد
ليس من قبيل المصادفة أن واحدة من أقدم الملاحم الأدبية وأهمها تتمحور حول الحرب، فـ«الإلياذة» وما حظيت به من خلود تهمس لنا بأن «تيمة» الحرب وما يتفرع عنها من صراعات متنوعة الأشكال والدرجات، باقية ما بقى البشر، وقادرة على الاستمرار فى لفت الانتباه والنفاذ إلى أعماق النفس مهما اختلفت النظرة إلى الحرب وتطورت بتطور الوعى البشري. وأعنى باختلاف النظرة هنا، الانتقال من مرحلة التغنى بالبطولات والانتصارات إلى مرحلة إدانة الحروب وكشف وجهها القبيح والشهادة على ما تخلفه من خراب فى البنيان والنفوس على حد سواء.
هكذا سنجد الشعراء المقاتلين فى الشعر العربى القديم ممن تغنوا ببطولاتهم أو بطولات قبائلهم، وفى مقابلهم سنجد زهير بن أبى سلمى: “وَمَا الْحَرْبُ إلّا مَا علمتمْ وَذُقتُم / وَما هوَ عَنها بالْحَديثِ الْمُرَجَّمِ”.، وأبا تمَّام: “والحَرْبُ مَشْتَقَّة ُ المَعْنَى مِنَ الحَرَبِ.”، وما كشفا عنه من وعى إنسانى سابق لعصريهما. غنى عن القول طبعًا التأكيد على أن الموقف الإنسانى لا يضمن بالضرورة قيمة فنية أعلى، فالفن يتجاوز هذا وله معاييره المختلفة تمامًا، وحتى تلك الأعمال الفنية التى تغنت بالحروب وخلدت الانتصارات، نجحت بفنيتها فى تعرية الوجوه القاتمة للحرب من قتل وتدمير ووقوع ضحايا أبرياء، قراءة متأنية لسير شعبية مثل سيرة بنى هلال أو سيرة الزير سالم تدلنا على هذا، قبل أن ننتقل عربيًا فى العصر الحديث إلى روايات عربية حديثة تكشف خراب الحرب وخواءها خاصة فى الرواية العراقية وروايات الحرب الأهلية اللبنانية.
وعالميًا هناك روايات وأعمال أدبية لا تُنسَى لعل أشهرها «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» و«الجندى الطيب شيفيك وما جرى له فى الحرب العالمية» و»المسلخ رقم خمسة» إضافة إلى روايات أخرى سوف يجد القارئ إشارة لها فى الصفحات التالية، ضمن ملف عن أدب الحرب بأسئلته وسماته وصوره المختلفة. 
وفى النهاية لعل نشر رواية الروائى الفرنسى الشهير سيلين، المكتشفة حديثًا، وعنوانها «حرب» فيما شبح الحرب الروسية على أوكرانيا يخيم على العالم ومعه مخاوف من توسع هذه الحرب إلى أراضٍ أخرى، تذكير بدور الأدب المستمر فى الكتابة عن الحرب إن لم يكن لإدانتها أو التغنى بها فلمحاولة فهم فلسفتها والتدقيق فى المسكوت عنه فى ما يخصها.

تُظهر لنا تلك الروايات تكلفة الصراع الباهظة وتضحياته، وتُذكّرنا بضرورة أن لا ننسى دروس الماضي، في عصر يتبدّى فيه أنّ لتغريدة واحدة القُدرة على إشعال مواجهة نوويّة.  
المسلخ رقم خمسة. كورت فونيجت.


لا تلفت رواية فونيجت الأشهر(تحمل كذلك عنوان: حرب الأطفال الصليبيّة- مأمورية رقص مع الموت) الأنظار بسبب وصفها المُفجع لقصف مدينة دريسدن بالقنابل الحارقة فحسب، بل بسبب مشاهدها العجيبة التي تدور فوق كوكب ترالفامادوري حيثُ يقع بطلها بيلي بيلجريم في هوى نجمة أفلام أباحيّة مُختطفة. كانت رواية «المسلخ رقم خمسة» عند صدورها في العام 1969 إحدى أولى الروايات التي مزجت ما بعد الحداثة العبثيّة والثقافة الشعبيّة مع سرديات الحرب العالمية الثانية الجادّة. أو مثلما يشرح بيلي بيلجريم نفسه قائلًا: «كانوا يحاولون إعادة اختراع أنفسهم وكونهم...فكان الخيال العلمي عونًا كبيرًا» وهذا حال الدّنيا...    

 
أغنية طائر. سيباستيان فولكس.
قورنت رواية فولكس الرّابعة بكتابات همنجواي، ويتبدّى الشبه واضحًا في الوصف المتقشِّف البارد لمعركة سوم: «ثمّة رجل بجانبه فقد جانبًا من وجهه، لكنه يمشي بنفس الحالة كأنّه في حلم تتقدّمه بندقيته. تدلّى أنفه وأبصر ستيفن أسنانه عبر وجنته المفقودة.» ومن ثمّ ينجح فولكس من خلال تقديم مُقاربة غير مُخلّقة للموت باعتبارها الطريقة الوحيدة للنجاة من أشدّ المعارك الإنسانيّة دمويّة، في صياغة ما وُصِف بأنّه: «وصفٌ شاف حقيقي لأيام الحرب الأخيرة.»    


الخدعة 22. جوزيف هيلر.
الهجائيّة التي وضعت المعيار لكافّة المؤلفين السّاعين لهجاء عقم الحرب وعبثيتها البيروقراطيّة. وكُنّا سبق أن أدرجنا «الخدعة 22» ضمن قائمتنا لأطرف الكُتب على الإطلاق، لكن من بين ثنايا دوّامة الشخصيات وغارات القصف وأزمات الإمدادات الجماهيريّة من القطن المصري، تُطل «الخدعة 22» باعتبارها أول وأبرز كتاب عن الخوف.

رواية كلاسيكيّة من منظور واحد من أجمل إبداعات الأدب، وهو الجُندي جون يوساريان الّذي أدرك منذُ أمد بعيد أنّ مهام قصف إيطاليا تتعارض على نحو مُباشر مع نواياه: «إمّا الحياة للأبد أو الموت أثناء المحاولة.»  


لمن تدق الأجراس. إرنست همنجواى
تستكشف رواية همنجواي التي رُشّحت لجائز البوليتزر عبر صفحاتها التي تتجاوز الخمسمائة صفحة، القناعات الفلسفية لمتمردين مُناهضين للفاشية بصحبة مُفجِّر ديناميت أمريكي أثناء التحضير لتفجير أحد الجسور الحيويّة للقوميين إبان الحرب الأهلية الإسبانيّة. وتنجح الرواية عند اندلاع المعركة النهائية في تجاوز كل ما كتبه همنجواي من قبل: «رآهم روبرت جوردان فوق المُنحدر، قريبين منه الآن، ورأى تحته الطريق والجسر وطوابير المركبات الطويلة. اندمج الآن بكل حواسه وألقى نظرة طويلة على كل ما حوله.» وكما تكتب النيويورك تايمز بحماس كبير في مراجعتها الأصليّة: «كان السيد همنجواي هو الكاتب البارز دائمًا، على أنّه لم يكن بمثل هذا الإتقان كما في لمن تدق الأجراس.»      


ساحة الماس. ميرثي رودوريدا
نُفيت رودوريدا إلى فرنسا حيثُ بدأت في تأليف بعض الروايات، وذلك عقب عملها في حكومة كاتالونيا إبّان الحرب الأهلية الإسبانيّة. «ساحة الماس» هي أولى رواياتها التي تُنشر باللغة الإنجليزيّة، وتدور حول امرأة شابّة تعيش في برشلونة قبل وأثناء وبعد الحرب الأهليّة،  وتفكِّر في الانتحار هربًا من أهوال الحياة المدنية الخانقة أثناء الحرب.

وتُعدّ «ساحة الماس» المروية عبر تيار الوعي، رواية أساسيّة لفهم من خلّفهم الجنود وراءهم إبّان الحرب، كما يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها الرواية الكاتالونيّة الأبرز على مرّ العصور.  

   
انبعاث. بات باركر.

رُشِّحت الرّواية الأولى من ثُلاثية بات باركر انبعاث؛ التي استوحتها من جُرح حَربة أصابت جدّها، لجائز البوكر في العام 1991، وهي لا تُركِّز على الحرب نفسها بل على الجنود الذين يُعالجون من كرب ما بعد الصدمة (أو: صدمة القصف). اشتهرت باركر في السّابق بالكتابة عن نساء الشمال الصّارمات قبل أن تتجه إلى الكتابة عن عالم الرجولة الكسيرة كما تُروى من خلال قصص شعراء الحرب العالمية الأولى، سيجفريد ساسون وويلفريد أوين وعدد من السرديات المُتخيّلة مثل حكاية جُندي يجد راحته في الرقود عاريًا بين جثث الحيوانات. وربّما تكون الثلاثيّة الأصدق والأكثر أصالة حول الآثار السيكولوجيّة للحرب، وقد حققت الرواية الثالثة من هذه السلسلة؛ «الطريق الشّبح»، ما أخفقت به الرواية الأولى؛ إذْ فازت بجائزة البوكر في العام 1995.  

    
فرسان مسلحون. إيفلين وو
يلتحق جاي كروتشباك بالجيش في الوقت الذي يلقى فيه الشباب حتفهم بكل أرجاء أوروبا، ويأمل أن لا يحول بلوغه منتصف الثلاثينيات من عُمره بينه وبين أن يشهد أحداث الحرب العالمية الثانية. يلي ذلك مهزلة حول التدريب العسكري حيثُ تُنقّل وحدة جاي بأرجاء بريطانيا من دون غاية حقيقية، سوى حراسة المرحاض المُتنقِّل للضابط(ومُدمن الكحول غريب الأطوار) أبثورب والعميد خفيف الظلّ بن ريتشي هوك، والأخير ذو عين واحدة وصديق شرس لوالد جاي اعتاد تخليل رؤوس من يقتلهم. رُبّما تكون «فرسان مسلحون» ثاني أطرف رواية عن الحرب العالمية الثانية، وقد فازت بجائزة جيمس تايت بلاك التذكاريّة في العام 1952. 


رجلنا فى هافانا. جراهام جرين.
قد يكون جرين أكثر كاتب يُجسِّد عبارة «غزير الإنتاج»؛ إذْ كتب خلال أعوامه الستة والثمانين سبع وعشرين رواية. وروايته الثامنة عشرة؛ «رجلنا في هافانا»، كوميديا سوداء تدور في كوبا إبّان الحرب الباردة. حيثُ تُركّز رواية جرين من خلال المزج بين روايات التجسس آنذاك والسّخرية من وكالات التجسس البريطانيّة والأمريكيّة، على بائع مكانس كهربائيّة في هافانا يُرسل لحكومته صورًا فوتوغرافيّة لأجزاء من المكانس الكهربائيّة، وذلك حين يُطلب منه التجسس على قواعد صواريخ كوبيّة مُحتملة ضمن مؤامرة تُعدّ إرهاصة بأزمة الصواريخ الكوبيّة. وعلى أي حال، لجرين عِدّة تعليقات لاذعة بين ثنايا الكوميديا منها: «لا أعبأ ألبتة بالأشخاص المُخلصين لمن يدفع لهم، ولا للهيئات... ولا أظنّ أنّ بلادي لها مثل هذه الأهميّة. فثمّة بلاد كثيرة في دمائنا، ومع ذلك توجد امرأة واحدة. تُرى هل تُصيب الفوضى العالم لو أخلصنا للحب وليس للبلاد؟»    

 


المُتتالية الفرنسيّة. إيرين نيميروفسكي.
كانت إيرين نيميروفسكي كاتبة فرنسيّة من أصل يهودي أوكراني اعتزمت تأليف سلسلة تضم خمس روايات تحت عنوان: «المُتتالية الفرنسيّة»، وأنهت الروايتين الأوليين قبل أن تُعتقل وتُرسل إلى أوشفيتز في العام 1942 حيثُ ماتت، لكن هاتين الروايتين ودفاترها نُشروا في أعقاب الحرب. الرواية سرديّة تاريخيّة كُتبت أثناء الفترة التي تصوّرها، وهي قِصّة الغزو الألماني لفرنسا. ويظهر من خلال ملاحظاتها أنّ نيميروفسكي لم تكن مُتأكّدة من نهاية المُتتالية: «هي حقًّا في حِجر الآلهة؛ إذْ تعوِّل على ما سيجري» لكنّها أطلقت على الكتاب الخامس المُزمع اسم: «السلام»؛ وذلك من باب التفاؤل.  


الصيّادون. جيمس سالتر
عاد العالم الأدبي يعشق جيمس سالتر في السنوات الأخيرة. وكان غالبًا ما يُنظر إليه باعتباره قامة أدبيّة عملاقة لم تلق التقدير الكافي، وكانت روايته الأولى «الصيّادون» هي التي كرّسته كاتبًا. وتستند إلى حياته المهنية باعتباره طيارًا مُقاتلًا في سلاح الجو الأمريكي نفّذ ما يزيد على المائة مهمّة جوية في الأجواء الكوريّة، حيثُ تدور الرواية حول طياري الولايات المُتحدة الّذين يتنافسون لإنجاز عمليات القتل الخمس المطلوبة للتأهيل للقب «آس/ خبير ماهر». ومثلما تعوّد قُرّاء سالتر فإنّ نثر المؤلِّف الوصفي هو حجر زاوية موهبته.

ورغم أنّ روايته الرّابعة «سنوات الضوء» تُعدّ عن حقّ رواية وصفيّة خلّابة، إلا أنّ «الصيّادون» قادرة على الاحتفاظ بمكانتها: «أهلّت في يونيو حرارة مُضجرة وصباحات تُشبه قشر البيض، شاحبة وملساء.»


العاري والميت. نورمان ميلر.
استندت الرواية التي وضعت ميلر على خارطة الأدب إلى تجارب المؤلِّف الشخصيّة مع فوج الفرسان رقم 112 إبّان الحملة الفلبينيّة بالحرب العالمية الثانية. المثير للاهتمام أنّ غرور ميلر الشهير جعله يعتزم قبل إرساله إلى ما وراء البحار كتابة رواية حربيّة اعتبرها الختام النهائي لهذا النوع من الروايات، وقد أفرغ الرواية على الورق عند عودته في غضون خمس عشرة أسبوعًا، ونشرها في عمر الخامسة والعشرين. وصرّح ميلر في حديث عن الرواية بعدئذ بسنوات: «تصوّر جزءٌ مِنّي أنّها ربّما كانت أعظم رواية كُتبت منذُ الحرب والسلام.»   


الأمريكي الهادئ. جراهام جرين
استوحى جرين من تجربته في تغطية الحرب الفرنسيّة في فيتنام لصحيفة التايمز فكرة إحدى أفضل رواياته وهي «الأمريكي الهادئ»، التي تدور حبكتها حول صحافي أمريكي في الخمسينيات من عمره (فاولر) يقع في هوى امرأة فيتنامية محليّة ويخشى خسارتها أمام عميل شاب للاستخبارات المركزيّة الأمريكيّة يُدعى بايل. علاقة الحبّ استعارة لاستكشاف سياسة قوات الاحتلال الخارجية وأجنداتها الثانوية، وقد استاء عدد من المُراجعات الأولى بدوريات أمريكيّة بسبب إهانات جرين المُفترضة لأمريكا: «أشدّ ما سُيزعج الأمريكيين في هذا الكتاب هو سهولة الانتصار التي يحظى بها فاولر في نقاشاته مع الأمريكيين.» ورغم هذا، تظلّ الأمريكي الهادئ أحد أبرز روايات جرين، ما ساعدها على التحوّل إلى فيلم ضخم من بطولة مايكل كين.  


الطيور الصفراء. كيفين باورز
لا تتبادر الرواية الأدبيّة إلى أذهاننا في أغلب الأحيان عند التفكير بالكُتب المُعاصرة التي تدور حول الحرب، وتحمل روايات حرب الخليج بالأساس أسماء جنود سابقين بالقوات الخاصّة مكتوبة بحروف كبيرة فوق صورة لانفجار ضخم تُزين الغلاف. لكن «الطيور الصفراء» تختلف، وهي أولى روايات الجندي السّابق الرّامي بالرشاش كيفين باورز، وأدرجتها النيويورك تايمز ضمن قائمتها لأبرز مائة كتاب صدر في العام 2012، كما حصلت على جائزتي الجارديان للكتاب الأول ومؤسسة همنجواي/القلم. تدور الرواية حول حيوات الجنود سواء في منازلهم أو أثناء الحرب، وتتميّز بسطورها الافتتاحيّة التي لا تُفارق الذّاكرة: «حاولت الحرب أن تقتلنا في الربيع.»    

 
مُلاحقة كاتشياتو. تيم أوبراين
بعد إصدار كتابه عن الحرب الفيتنامية في العام 1973(إن مت في أرض المعركة، ارقدوني داخل صندوق واشحنوني للوطن)، استهل أوبراين مسيرة ناجحة في كتابة الرواية. كتابه الرّابع؛ «مُلاحقة كاتشياتو»، رواية عجيبة محمومة يجتمع بها فيلما القيامة الآن والهروب الكبير، حيثُ يتغيّب أحد الجنود من دون إذن في محاولة للفرار إلى باريس، فتختلط الصدمة النفسيّة بالهلاوس والفانتازيا والمزاح لتشكيل واحدة من روايات أوبراين التي لم تلق ما تستحقه من تقدير، رغم حصولها على جائزة الكتاب الوطني الأمريكيّة للرواية.   


عن إسكوير

اقرأ ايضا | تعرف على قصة حرب «طروادة» والحصان في الأساطير اليونانية